كتاب " مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة
الشعر وأنماط لغته...
قد يسهم هذا المقال المتواضع في إضافة شيء يستحق الذكر إلى مناقشات الحلقة الدراسية المعنية بمحور (الشعر واللغة) التي تعقد على هامش مهرجان المربد الشعري.
مبتدئين بالقول ان هناك حقيقة مؤكدة هي ان كلمة العلماء والفلاسفة والنقاد والباحثين لم تتفق على تحديد مفهوم جامع مانع للشعر. فهو يضيق عند طائفة، ويتسع عند طائفة أخرى، فضلاً عن اختلاف الآراء في بواعث نظم الشعر وشحذ القريحة له. والتباين في تسمية موضوعاته أو أغراضه، وتعيين عددها!
بيد أننا وجدنا في رأي (الجاحظ) في الشعر، ما يغني معرفتنا بهذا الفن، ويبلور مفهوماً وافياً له، ولاسيما في إدراكه ان سر الشعر كامن في لغته الشاخصة ملامحها في ضرب من النسج، وجنس من التصوير مع مزية الوزن القافية. ولو دققنا النظر ملياً في ماهية النسج، لتبين لنا انه مرادف للنظم، والنظم لغة: هو التأليف والصياغة والسبك، وضم شيء إلى شيء آخر، ومنه يقال: نظمت اللؤلؤ، أي جمعته في السلك، ومن المجاز الكلام، وذلك ما يفسر دواعي تداول مصطلح نظم الشعر وشيوعه في الدراسات الأدبية والنقدية. بدلاً من قولنا كتابة الشعر! هذا من جهة، ومن جهة أخرى ينبئنا (الجاحظ) ان الشعر قد ينتظم في لغة تقريرية ذات أبعاد فكرية خالية من التصوير.. وهي في الوقت نفسه.. تعد ملمحاً من ملامح فنية الشعر والأمثلة في هذا الشأن أكثر من ان تحصى، وحسبنا في هذه من الشواهد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
وياتيك بالأخبار من لم تزود
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلا ان تعد معايبه
لا يعرف الشوق الا من يكابده
ولا الصبابة الا من يعانيها
وقد وسع هذا المفهوم للشعر، (عبد القاهر الجرجاني) في نظرية النظم المودعة تفاصيلها في كتابه الذائع الصيت (دلائل الإعجاز) وخلاصتها (ان النظم هو تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب من بعض مع توخي معاني النحو فيما بين الكلم، وان تقتفي في النظم آثار المعاني، وتربتها على حسب وترتبها في النفس) فالجديد الذي أضافه الجرجاني هو توخي معاني النحو في ذلك النظم، مع تأكيده ان ليس للألفاظ فضيلة وهي متفردة، الا من خلال حصولها على صياغة من التأليف مخصوصة، وذلك ما ينطبق على جنس الشعر بخاصة، والخطاب النثري بعامة، من منطلق ان النظم مجهود يبذله الشاعر والأديب في الترتيب، وفي الاختيار، حتى يصبح النص وافياً بأداء المعنى.
اما قول (الجاحظ) ان الشعر (جنس من التصوير) أيضاً. فقد شخص بحسه النقدي الثاقب، ان الشعر قد يتعدى النسج إلى ضرب من الصور، وبذلك يغدو الشاعر ناظماً ورساما في آن معاً. ويبدو ان النقد القديم كان واعياً ان الصورة عماد الشعر وقوامه، ولم يكن - في حاجة- لتأكيد على ان الشاعر مصور أو رسام، من خلال الكلمات المؤتلفة في نسج أو نظم، مع قدرة فائقة على التحكم في المجاز.
ويبدو ان بعض النقاد المحدثين قد سلم بما افاض به الجاحظ، ومنهم الناقد الغربي سي. دي لويس، في رؤيته ان الصورة (رسم قوامه الكلمات مشحون بالعاطفة والخيال) اما غيره فقد وسع من مفهومها انطلاقاً من المدارس النقدية الحديثة المتأثرين بها. وتكاد تتفق آراؤهم على كون الصورة تشكيلاً لغوياً وجمالياً تستحضر فيه لغة الإبداع الهيئة الحسية أو الشعورية للأجسام والمعاني بصياغة تمليها قدرة الشاعر وتجربته- في نقل الواقع إلى فضاء الإبداع الشعري- على وفق تعادلية فنية بين طرفين هما المجاز والحقيقة دون ان يستبد طرف بآخر.
ولعل الصورة التي رسم أبعادها الشاعر العربي افصاحاً عما بكابده من شدة الوجد والهيام، أفضل انموذج يؤكد حقيقة مفهوم الصورة ووظيفتها وأهميتها، وذلك في قوله:
هل الوجد الا ان قلبي لو دنا
من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر