كتاب " مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة
الشاعر واللغة..
هناك رابطة حقيقية بين الشاعر ولغته تتجسد أبعادها في كون اللغة فطرة في نفسه يغرف منها بلا انتهاء، فهي كنزه وثروته ووحيه والهامه، وكلما ازدادت صلته بها، وتحسس لها، كشفت له عن أسرارها المذهلة، وفتحت له كنوزها المذهلة.. حتى يحيلها إلى ضرب من النسج، أو جنس من التصوير في سياق لغوي مملوء بالايحاءات والدلالات.
وهذا التصور لعلاقة الشعراء باللغة لا يحول دون خروجهم – في بعض الأحايين- على قواعدها وأصولها.
غير ان بعض العلماء والنقاد التمس العذر للشعراء في هذا الخروج ضمن ما اصطلح على تسميته بـ(الضرورة الشعرية) وهي في أوجز من معانيها (ما وقع في الشعر من خروج على القياس، مما لم يقع في النثر، سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا)! وذلك بسبب احتياج الشاعر إلى إقامة الوزن.
ولا تبدو هذه الضرورة –كما يخيل الينا- دفاعاً عن الشعراء، بقدر ما هي إثبات لكفاءة العلماء وعلو شأنهم في اللغة، ومعرفتهم بأسرارها وابنيتها وقواعدها، إلى جانب افصاحها عن التنافس القائم بينهم، إذا أخذنا في الحسبان من يجد (الضرورة الشعرية) ضرباً من الخطأ أو مجانبة الصواب!.
ومن خلال استقرائنا لبعض نصوص الشعراء القدماء يتضح لنا ان الخطأ النحوي الذي يقع فيه هذا الشاعر أو ذاك لا علاقة للوزن الشعري به مطلقاً، على نحو ما نطالعه في قول جرير:
ان العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وقول الآخر:
الم يأتيك والأنباء تنمي
بما لاقت لبون بني زياد
باثبات الياء في حال الجزم، فسوغ ذلك بعض العلماء، في قوله: انها لغة بعض العرب، يجرون المعتل مجرى السالم في جميع أحواله، ويرى أحد الباحثين المحدثين: انه من لغة الشعر في نحوها وابنيتها!!.
وفي رأينا المتواضع ان الشاعر غلب عليه الايقاع النغمي لأداة الجزم (لم) ضمن السياق الشعري، مما جعله عازفاً عن استخدام أداة النفي (لا) التي هي دونها في الايقاع مع استقامة الوزن معها، وحسبنا ان نعرف ان القدرة التعبيرية للألفاظ ذات صلة ببراعة الشاعر في اختيارها، وضم بعضها إلى بعض في موسيقية تعتصر كل إمكانياتها الإيقاعية والجرسية، وان أدى ذلك إلى الخروج على القياس النحوي المطرد!.
ومما يؤكد حقيقة ان الشعراء يخطأون كما يخطأ الناس، ويغلطون كما يغلطون، ان بعض اللغويين والنحاة عمد إلى إصلاح اللحن الذي وقع فيه الشاعر الجاهلي امرؤ القيس في قوله:
اليوم أشربْ غير مستحقب
اثما من الله ولا واغل
فابدلوا الفعل المضارع المجزوم (اشرب) بلا علة بـ(الهو) أو (اسقى) ليستقيم مع القاعدة النحوية.
وإذ نكتفي بهذه الشواهد- وهي فيض من غيض- فحسبنا ان نشير إلى أن الشعراء في أي زمان معرضون للوقوع في أخطاء لا تحتاج إلى إيجاد مسوغات أو تخريجات لا سند لها.
وقد أولى النقاد المعاصرون هذه القضية اهتماماً كبيراً، لعل نازك الملائكة كانت أكثرهم حرصاً، فقد انبرت تحذر من التغاضي عن الأخطاء اللغوية والنحوية التي يقع فيها بعض الشعراء، لاسيما المبتدئين منهم، مؤكدة انه ليس من حق أي شاعر ان يخرق القواعد الراسخة، أو يصوغ الكلمات على غير القياس الوارد، أو يبتدع أنماطاً من التعبير الركيكة التي تخدش السمع المرهف.
وهي بذلك تلقي على كاهل الشعراء كافة مسؤولية عدم الاستهانة باللغة العربية، والاستخفاف بقواعدها الرصينة، والوعي بأهميتها.. والا يتناسوا ان عملية الإبداع الشعري أو الأدبي في جوهرها ظاهرة لغوية لا سبيل إلى التأتي اليها الا من حماية اللغة التي بامكانها اكتساب الخلود في الإبقاء على نقائها.