كتاب " مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقالات في الشعر والنقد والدراسات المعاصرة
التجربة الشعرية وبواعثها..
ان المقصود بالتجربة الشعرية، افضاء ما في نفس الشاعر من خواطر ومشاعر وهواجس وأفكار وحوادث وتجارب ورؤى، مودعاً إياها في ضرب من النسج أو جنس من التصوير، المؤطرين في بنية عضوية موسيقية تنبثق ايقاعاتها ونغماتها من التراكيب والألفاظ والحروف، بوصفها تفعيلات الوزن الشعري المحددة تسميته أو نوعه، المطرد إلى نهاية يستقر فيها هي القافية، المسهمة في ذلك الايقاع أيضاً المتوالي في غاية التناسق والانتظام.
بكلمة أدل ان لكل تجربة شعرية بعدين، الأول شاخص في الأفكار والخواطر والاخيلة والعواطف، وهذه في طبيعتها لا شعرية، والآخر: كامن في العملية الشعرية نفسها التي تتشكل من وضع تلك المضامين في قوالب فنية خاصة. تحدد الخصائص الشكلية أو المظاهر الخارجية لجنس الشعر ولغته، المميزة اياه عن بقية الاجناس الأدبية.
وليس ضرورياً ان يكون الشاعر قد عانى التجربة بنفسه حتى يعرضها، أو يعبر عنها، إذ يكفي ان يكون قد ألم بأبعادها واستوعب عناصرها. وهذا ما يسوغ لنا استبعاد رأي من يعد عنصر العاطفة أو صدق المشاعر والتجارب شرطاً لازماً من شروط خلود التجارب الشعرية، أو عملية الإبداع الشعري، إذا أخذنا في الحسبان ان الشعر فن، والشاعر فنان، الذي حسبه ان يشعر بما لا يشعر به غيره، ويلون الأشياء كما يشتهي أو تتراءى له، ويخلق عالماً وذلك ما يفسر لنا دلالة كلمة شاعر! حتى يمكننا القول ان مصداقية العاطفة المرادفة للاستجابة أو التأثر، هي التي يحرص الشاعر على بعثها في نفوس متلقي شعره، بمعنى آخر ان الفنان ولاسيما (الشاعر) لا ينبغي ان يغدو نتاجه على اساس من انفعاله الخاص، بل على أساس ذلك الانفعال الذي يريد ان يثيره لدى المتلقي... انه أشبه بالممثل – وبخاصة المؤدي دوراً على خشبة المسرح- الذي مهمته ليست ان يتأثر بل ان يؤثر في جمهوره. ويكفي ان يؤشر هذا الاتجاه قمة في الإبداع أو الخلق في أي فن من الفنون.
والشعراء أنفسهم ادركوا هذه الحقيقة وسعوا إلى تحقيقها في كل زمان ومكان، فهذا الشاعر (المزرد بن ضرار) يعي ان الأثر الفني للشعر يزداد روعة وجمالاً، كلما تكرر سماعه أو النظر إليه، أو تكررت قراءاته، وبعث الإعجاب والتعاطف والتأثير والاستجابة في جمهور المتلقين، فنطالع رؤيته هذه في قوله:
وقد علموا في سالف الدهر أنني
ممن إذا جد الجراء ونابل
زعيم لمن قاذفته بأوابد
يغني بها الساري وتحدي الرواحل
تكرُّ فلا تزداد الا استنارة
إذا رازت الشعر الشفاه العوامل
وأبو الطيب المتنبي هو الآخر حرص على ان يترك شعره أثراً في جمهوره.. حتى غدا ذلك معياراً الفخر بشاعريته. اليس هو القائل:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
واسمعت كلماتي من به صمم
ومما يزيد القناعة بعدم أكتراث الشعراء بصدق تجاربهم الشعرية، ما نوه به (البحتري) في هذا الخطاب:
كلفتمونا حدود منطقكم
والشعر يُغني عن صدقه كذبه
ويشاطر الشاعر الغربي (ولر) نظراءه الشعراء في هذا الشأن. وذلك في رده على من سأله عن أبعاد تجاربه الشعرية ومدى مصداقيتها فقال في كلمة منثورة: ( نحن معشر الشعراء ننجح في الأوهام خيراً من نجاحنا في الحقائق)، وهو رأي جدير بالاعتماد كونه معبراً عن رأي شاعر، والشعراء أفهم الناس بالقريض واسراره!
وإذا ما وقع الحافر على الحافر، أي إذا ما توافر عنصر الصدق في التجربة الشعرية. فذلك مبعثه الشعور أيضاً المستغرق لعواطف الشعراء الإنسانية، وأحاسيسهم المرهفة، وعليه يمكننا القول ان الشعور في معناه الشمولي والواسع هو أساس الخلق والإبداع في التجارب الشعرية بخاصة، والفنون الجميلة الأخر بعامة.