أنت هنا

قراءة كتاب بطعم الجمر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بطعم الجمر

بطعم الجمر

كتاب " بطعم الجمر " ، تأليف أسعد الأسعد ، والذي صدر عن دار الجندي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 9

- 3 -

وجد زيد نفسه وسط حشد خارج بوابة الخروج، أدرك أنَّه الآن على أرض غزة، اقترب منه شرطي بلباس عسكري، اعتقد للوهلة الأولى، أنه قادم لإعادته من حيث أتى، أو ربما لاعتقاله، مد الشرطي يده مصافحاً، معرفاً بنفسه، طالباً إليه مرافقته إلى ساحة قريبة، امتلأت بالحافلات وسيارات الأجرة، لحظات، انطلقت الحافلة بعيداً عن المعبر.. تذكّر رمزي، نهض من مقعده لكن رمزي لم يكن في الحافلة .

- ربما سبقني، وغادر إلى غزة !!

- كان عليَّ أن أسأل عنه قبل مغادرتي المعبر، قال ذلك لائماً نفسه، وقد أحس بذنب كبير,,,

انطلقت الحافلة عبر فوضى عارمة، حيث اختلط الركاب الباحثين عن سيارات تنقلهم إلى مدن قطاع غزة، أو نداء السائقين ومشاجراتهم فيما وقف رجال شرطة عاجزين عن فعل شيء، مستسلمين للفوضى، التي بدت أكبر من أن يسيطر عليها ثلة من رجال الشرطة المسلحين بهراوات ليس إلا .

لحظات.. انطلقت الحافلة مبتعدةً عن المعبر، عبر طريق كانت معبدة ذات يوم، ولم تر الإسفلت منذ عبرتها دبابات وآليات الاحتلال قبل سبعة وعشرين عاماً .

أحس بتباطؤ الحافلة، ثم توقفها، اشرأبت أعناق الركاب تستوضح الأمر.. أطل عبر شباك الحافلة، كان المشهد غريباً ولم يعتد عليه بعد، عدد من الجنود أحاطوا بالحافلة، فيما احتشد أناس كثيرون وسط الطريق، وعلى جانبيه، أدرك حينها أنه حاجز عسكري، اعتقد للوهلة الأولى أنه إسرائيلي، مد يده إلى حقيبته الصغيرة، التي حرص على حملها منذ أن صعد الحافلة التي أقلته من أمام فندق شبرد بالقاهرة قبل أربعة أيام، بحث عن جواز سفره وأوراقه الثبوتية الأخرى، لكنه سرعان ما توقف عن ذلك، حين أحس بعدد من الجنود يصعدون إلى الحافلة..

اعتقد أنه أمام مشهد سينمائي، عزز ذلك لديه وجود بعض المصوّرين في الموقع، يتراكضون لاقتناص مقابلات وأحاديث صحفية، وتصوير مشاهد العائدين وقصص العابرين إلى الوطن.. اقترب منه أحد الجنود، حيَّاه بلكنة عربية سليمة، سأله عن حال الطريق في الجانب الآخر، حدّق زيد بالشاب الواقف أمامه، اقترب من الجندي محدقاً في العلم المثبت على ياقته، ارتد إلى الخلف وقد تأكد أنه العلم الفلسطيني..

- أهذا حاجز فلسطيني حقيقي.. ؟!! سأل زيد الجندي .

ابتسم الجندي.. قبل أن يرد عليه .

- نعم إنه حقيقي.. أنت في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، أهلاً بعودتكم ..

مسح زيد عينيه، كأنما يتأكد من أنَّ ما يراه ليس حلماً.. اعتدل في مقعده، وأطلق العنان لعينيه، تدور في المكان، فيما انطلقت الحافلة تشق طريقها وسط جموع من الناس المحتشدين على طول الطريق إلى غزة، كان صمت الناس غاية في التعبير عن دهشتهم التي لم تكن أقلَّ من دهشة زيد ورفاقه، ازدحمت الطرقات بالمارة وبالسيارات التي أطلقت صافراتها احتفالاً بالعائدين فيما كانت الحافلة تتوقف في الساحة القريبة من فندق فلسطين على شاطئ بحر غزة، تراكض الناس حتى غابت الحافلة وسط سيل من المحتشدين الذين غمروها، ولم يعد عشرات رجال الشرطة الذين انتشروا في الساحة قادرين على حفظ النظام..

وقف زيد يحدق في النّاس علّه يعثر على أحد يعرفه، اقترب أحدهم منه، مدَّ يده مصافحاً..

- هل تنتظر أحداً ؟

- لا، ولا أظن أحداً ينتظرني .

- نحن هنا بانتظاركم جميعاً..

قال مجاملاً، وهو يربّت على كتف زيد ويدعوه لمرافقته .

- إلى أين ؟! سأل زيد الرجل وقد اطمأن إليه..

إلى ضيافة قريبة، في منطقة الرمال، تقيم فيها إلى أن تأتيك أوامر أخرى .

توجه زيد برفقة الرجل، استقل سيارة كانت تنتظره في طرف الساحة، وقد سبقه إليها ثلاثة رجال، بدا عليهم أنهم من العائدين كذلك، انطلقت السيارة عبر شوارع غزة، وتوقفت غير بعيد عن شاطئ البحر، لم ير في طريقه ما لفت نظره، غير لافتة تشير إلى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وبعد ذلك لافتة أخرى مثبتة على جدار إحدى البنايات، كتب عليها شارع الثلاثين، الأسوار في غزة، تعلو المنازل وتحجب الرؤية، كان يكره شكل هذه البيوت التي تذكره بالسجن، وأسواره العالية، وقد تنفس الصعداء حين توقفت السيارة أمام بناية من طوابق عديدة، كان يفضل أن يكون في منزل مستقل، لكن الأسوار المحيطة بالمنازل، جعلته يفضل شقة يطل من نافذتها فيرى ما يحيط به، حدق بالبناية يعد طبقاتها، لكن أحد زملائه سبقه قائلاً..

- تبدو البناية جديدة..

- هي واحدة من بنايات عالية، بنيت حديثاً.. رد السائق مواصلاً حديثه عن التغيرات التي طرأت على مجتمع غزة في السنوات الأخيرة..

تبع زيد وزملاؤه مرافقهم إلى شقة في الطابق الثالث، سارع إلى غرفة تطل نافذتها على البحر من بعيد، ألقى بحقيبته إلى السرير كأنما يحجزه قبل أن يسبقه أحد إليه.. وراح يتفقد غرفة النوم والحمام، أكثر ما يهمه، بعد أن اطمأن إلى السرير والفراش، اندفع إلى الحمام مطلقاً العنان للماء يندفع نحو جسده المتعرّق، بحث عن شركائه في الشقة فلم يجد أحداً..

-يبدو أنهم غادروا.. قال محدّثاً نفسه..

الصفحات