أنت هنا

قراءة كتاب الشعر في العصر الأموي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الشعر في العصر الأموي

الشعر في العصر الأموي

كتاب " الشعر في العصر الأموي " ، تأليف د. غازي طليمات و أ.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

2- العامل الاقتصادي:

تأثير الاقتصاد في سياسة البلاد أظهرُ من أن يُنكر، فغزارةُ الموارد التي جاء بها الفتح من الشام والعراق ومصر جعلت المدينة المنورة في خلافة عثمان تتلقى سيولاً من الغنائم والخراج والأنفال، وتتخلّى عن تشدُّد أبي بكر وتقشُّف عمر، فمال الناس عن الشظف إلى الترف، وعن الزهد إلى البذخ، وأخذت زينة الدنيا تزاحم ثواب الآخرة. فلما نقل عليّ حاضرة الخلافة من المدينة إلى الكوفة، وأصرّ معاوية على التفرد بدمشق فقدت المدينة بعضاً من ثرائها وبهائها، وتنافست الكوفة ودمشق أيُّهما تذهب بالشرف والترف بعدما تنافستا في الريادة والقيادة. ومن يقارن «كسروية» معاوية بتزمّت[2] عليّ يتوقّع أن الترف الأموي الذي انتصر على التزمت الهاشمي آيلٌ بالحكم من الخلافة إلى المُلْك. ولم تمض سنون بعدما انتصر الأمويون حتى وقع المتوقّع.

3- العامل الاجتماعي:

بعدما أخمد أبو بكر حركة الردّة، وبسط سلطان الحجاز على نجد واليمن وتهامة واليمامة خرج الأعراب من مجاهل العزلة السياسية والاجتماعية، وراحوا يتدفقون على المدينة. ونجم عنهم جيل جديد، لم يكن له صحبة، ولم يتخلّق بأخلاق النبوة، لكنه كان مُصرَّاً على المشاركة في صنع الأحداث السياسية، وغايته من المشاركة أن يصيب حظّاً من المكاسب، لا أن يرسّخ المبادئ التي ورثتها الخلافة الراشدة عن النبوة. لقد كان جيلاً ثائراً متمرّداً على الواقع، راغباً في تغييره. والتغييرُ بعدما زالت العصبيات وتوحّدت القبائل في أمة واحدة هو الانتقالُ بالحكم من الخلافة الدينية إلى الملك الدنيوي. فكان الحكم الأموي التعبيرَ الواقعيَّ عن هذا التغيير المرجوّ.

4- العامل الفكري:

وثالث العوامل مرتبط برابع، وهو العامل الفكري الذي سوّغ هذه النقلة، وهي عند التحقيق ردة فكرية من التقدم إلى التخلف، لا تطوُّر سياسيٌّ من الفوضى إلى النظام. لقد قمع أبو بكر الردّة الدينية، وارتضى الأمويّون الردة السياسية، فعادوا بنظام الحكم من شورى الخلافة غير الموروثة إلى التفرّد الملكي الموروث. وكأنَّ الفكر العربي آنذاك لم يستطع أن يرتقي المرتقى الذي حاولت الخلافة الراشدة أن ترفعه إليه، فراح بالعقلية الأعرابية المتخلفة يحارب رشاد الشورى.

ولك أن تقول: إن فترة الخلافة الراشدة كانت طفرة زاهية راقية، سبقت زمانها. فأنظمة الحكم التي ألفتها جزيرة العرب والدول المحيطة بها كانت ملكية وراثية. يتوارث فيها الحكم ملوكُ الغساسنة والمناذرة وأباطرةُ القياصرة والأكاسرة بلا شورى ولا بيعة، فكان ظهور الشورى في بيئةٍ وعصرٍ رسّخا الملكية خطوةً ميمونة نحو الحكم الجمهوري غير المألوف. فلما استجاب الأمويون للمألوف ساروا القهقرى، فوأدوا رشادَ الشورى وإيثارها بفساد الوراثة واستئثاراها.

الصفحات