أنت هنا

قراءة كتاب الشعر في العصر الأموي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الشعر في العصر الأموي

الشعر في العصر الأموي

كتاب " الشعر في العصر الأموي " ، تأليف د. غازي طليمات و أ.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

و- عوامل سقوط الحكم الأموي

[10]

لا يُحمِّلُ عمرَ بنَ عبد العزيز تبعةَ ما حاق بالحكم الأموي إلاَّ مَنْ يكرهُ تحكيم الدين بالدنيا، أو من يجهل حقائق التاريخ. أمّا الأول فإنه يضيق ذرعاً بالإصلاح الذي يقمع الفساد، وبالحقّ الذي يدفع الباطل، وبالخُلق الذي يهذّب السلوك، ويرى أن المتفقّه في الدين يصلح للفتيا، ولا يصلح للسياسة. وأمّا الثاني فإنه يربط حياةَ الدولة وموتها، وازدهارها واندثارها برجل واحد، وينسى أن وراء الأحداث والظواهر التاريخية عواملَ متداخلة، يؤازر بعضُها بعضاً، ويُفضي بعضها إلى بعض، ثم تؤدّي إلى دثور نظام، وظهور آخر. ودولةُ الأمويين لا يُمكن أن تسقط إلا في إطار النواميس التاريخية المطردة، ووفق العوامل التي تصدق عليها، وعلى غيرها من الدول، وأهمُّها:

1- تولية العهد اثنين:

إن الحرص المفرط على الاستئثار بالحكم حمل بعض الأمويين على أن يولوا العهد اثنين من أبنائهم أو إخوتهم يحكم أحدهما بعد الآخر، وهذا الضربُ من التوريث يورث العداوة بين الأبناء والأشقاء، ويدفع أحد الوريثين إلى الائتمار. ومروانُ بن الحكم أولُ من ابتدع هذه البدعة إذْ ولّى عهده ولديه: عبد الملك وعبد العزيز.

2- العصبية القبلية والقومية:

ضيَّق الأمويون على أنفسهم إطار الأنصار باعتمادهم على بني أمية وعرب اليمن المقيمين في الشام، ومعاداتهم القيسيين والمضريين، وإبعادهم الأعاجم عن المراكز والوظائف البارزة في الدولة. ثم باعتقادهم أن العرب أفضلُ الأمم. وهذا الاعتقاد أشلى عليهم الفرس، وأغرى بهم القيسيين، وهيّأ العوامل المناسبة لظهور الحركة الشعوبية.

وليس من الإنصاف أن نحمّل الأمويين وحدهم وِزر الشعوبية، فهذه الحركةُ بدأت منذ اختلط العرب بالأعاجم، واشتدَّت حينما أصبح أكثر الفرس رعية في الدولة العربية الإسلامية، فراح مرازبتهم وسراتهم وأصحاب الشأن منهم يبكون أمجادهم الضائعة، ويتهمون العرب بالتخلف، وقابل العربُ الفرسَ بالتفاخر والتعالي، وتحوّل التنافسُ إلى معركة فكرية تشتجرُ فيها الأقلام قبل الرماح، والألسنة قبل الأسنة، وشرع المتنافسون يترامون ويتراشقون بالتهم.

وحينما تسلَّم الأمويون زمام الحكم أعلنوا الزرايةَ بالأعاجم، وتحيَّزوا للعرب عامة، ولبني أمية خاصة، وجعلوا هذا المسلك سياسةً رسمية للدولة. ولم تبطل هذه السياسة إلا في عهد عمر بن عبد العزيز، غير أن فترة حكمه القصيرة لم تكن أكثر من هدنة، نقضَها الأمويون بعد وفاته. وعاد الفرس يُظاهرون من يثورون على الأمويين، إذْ أيَّدوا المختار الثقفي، وآزروا الخوارج، وثاروا مع يزيد بن المهلب، وكانوا الوقود المهيَّأ للاشتعال في ثورة العباسيين، والقوة الفعّالة في تدمير الحكم الأموي.

3- الانغماس في الترف:

كان بنو أمية منذ العصر الجاهلي أهل سرف وترف، فلمّا أسلموا وحكموا تضاعف ثراؤهم، وتدفق عليهم المالُ من كل وجه، وإذا استثنيتَ عمرَ بن عبد العزيز، وجدت خلفاء بني أمية إلى الرغد أقرب منهم إلى الزهد، وعلى التمتع بملذات الدنيا أحرصَ منهم على التقشف. واشتهر من خُلفائهم ثلاثةٌ من المترفين المسرفين: يزيدُ بن معاوية النـزّاع إلى اللهو، ويزيد بن عبد الملك الذي نهج نهجَ يزيد الأول، والوليد بن يزيد الذي بزَّ اليزيدين في مجونه.

قال المسعودي في يزيد بن معاوية: «كان صاحب طرب وجوارح وكلاب وفهود ومنادمة على الشراب». وقال البلخيّ في يزيد الثاني: «كان صاحب لهو وقصف». وقال الزركلي في ترجمته: «فيه مروءة كاملة مع إفراط في الانصراف إلى الملذات». وقال ابن الأثير في ترجمته الوليدَ بن يزيد: «كان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم وأجوادهم وأشدائهم، منهمكاً في اللهو والشرب وسماع الغناء، فظهر ذلك من أمره، فقتل».

4- شيخوخة الدولة:

إذا خطر لك أن تأخذ بما جاء في مقدمة ابن خلدون عن أعمار الدول من نشوئها إلى دثورها وجدت أن لبداية الدولة الأموية ونهايتها عواملَ اجتماعية وعسكرية، لا ترتبط بحاكم مترف كالوليد بن يزيد ولا بحاكم متقشف كعمر بن عبد العزيز، وإنما تجري وفق نواميس عامة، تصدق عليها، وعلى غيرها من الدول.

قال ابن خلدون[11]: «الدولة في الغالب لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال، والجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط، فيكون أربعين سنة». وإذا افترضت أن الجيل ثلاثون سنة فدولة بني أمية عاشت بين سنة 41هـ وسنة 132هـ ثلاثة أجيال. علّل ابن خلدون رأيه فقال: «الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العيش والبسالة والافتراس.. والجيل الثاني تحوّل حالهم بالملك والترفُّه من البداوة إلى الحضارة، ومن الشظف إلى الترف.. وأما الجيلُ الثالث فينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية».

الصفحات