أنت هنا

قراءة كتاب البحث عن لغة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البحث عن لغة

البحث عن لغة

كتاب " البحث عن لغة " ، تأليف حسين نشوان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

«كلام منحّى» لزليخة أبو ريشة..
سلطة اللغة وهندسة المعنى في المثلث

 

عندما قرأت مجموعةَ الشاعرةِ زليخة أبو ريشة «كلام منحّى»، قفز إلى ذهني العديد من الأسئلة حول قراءة الشعر وكتابته:
-لماذا تكتب المرأة الشعر؟
-كيفَ تُقرأ قصيدة المرأة؟
وربما يكون في طرح السؤال الثاني تحصينٌ من الشبهة التي يمكن أن يقعَ فيها السؤالُ الأوّل إذا فُهم على محمل التمييز؛ خصوصاً وأن السؤالَ بـ «لماذا» يقع في مجال التساؤلات النقدية التي لا يُركن إليها، فيما «الكيف» يتعدى الوصف، ويخرج عن التصنيف إلى اقتراح منهجية للقراءة النقدية التي تحول دون الرؤية المقلوبة أو المعكوسة، أو القراءات التي تنطوي على آراء مسبقة.
ومن هنا فثمة درجةٌ من (التمايز)، وليس التمييز بين «لماذا» و«كيف»، ذلك أن الأولى تمتلك حرية ذاتها وخياراتها، أما الثانيةُ، فهي تسعى إلى تعميق فاعلية أدواتها، وتعزيز موضوعيتها.
أجدني قد تورطتُ في هذه المقدمة التي لا تخلو من تبريرٍ توضيحي؛ لأن قراءة إبداع المرأة لا يخلو من إشكالية تحتاج معها إلى دقة اختيار السؤال، وهي إشكاليةٌ تاريخيةٌ وثقافيةٌ معقدةٌ، يتداخلُ فيها الاجتماعي والأسطوري والرمزي والحضاري والديني، وإنّ كتابات زليخة أبو ريشة الإبداعية والبحثية لا تخلو من مساحةٍ للجدل أو الإشكال التي تتصل باللغة، ومفهوم أدب المرأة، والحرية.
وأجدني مرة أخرى أوضّح استهلال السؤال بكيف؛ لأنه يتعلّق بأداة التعبير والكتابة التي وضعت فيها المرأة تاريخياً في المعنى.
والسؤال: كيف نقرأ أدب المرأة في ظل الشُّرك التي تنصبها اللغة التي تطورت تاريخياً في سياق قوانين المجتمع الذكوري، وأجبرت المرأة على التخلي عن ذاتها مقابل احتوائية السلطة الذكورية، وأنْ تتنكرَ لجسدِها وعقلِها ومشاعرِها، وتطوّر اللغة والسلوكات تقع بين الإيماء والصمت كتعبيرٍ عن اللارفض والولاء الاستجابي الساكن (السلبي) لمواجهة النسق الثقافي، في المجتمع القبلي الذكوري (الفحولي) الذي حوّل المرأة إلى حاجةٍ حسيةٍ لا عقلانية قابلة للتداول والملكية وتضعها خارج دائرة المجتمع وبنائه الحيوي، وخارج لغته.
فـ«المرأة محجوبة عن حيزٍ كبيرٍ من اللغة، وليس لها سوى بعض اللغة، مثلما أنْ ليسَ لها سوى بعض العُمُر، وبعض الحياة» (1).
وهي بهذا المعنى، لا تنتج الكلام (اللغة)، وإنما تستقبله، فهي أرضٌ للاستزراع والاستنبات والاستكثار، والصمتُ هنا معادلٌ للفراغ أو البياض الذي يُكتب عليه(*) وعنه، والصمت في عرف مجتمع النسق الذي أنتج المثل الشعبي هو حسنةٌ وميزةٌ للمرأة الصالحة: «لا من ثُمْها، ولا من كُمْها»، «إلها ثُمْ ما إلها لسان بشكي»، وأن فصاحة المرأة توصف بالثرثرة، فيما العقل والذكاء ليس أكثر من كيدٍ ودهاء: «النساءُ أحابيلُ إبليس».
ويعزو المجتمع الذكوري ذلك إلى أنّ عقلَ المرأةِ لا يمكن أن يمتلكَ الفصاحة؛ لأن عقلها دون عقل الرجل، وإذا تيسر لها ذلك فإنه يُعزى للرجل «بنت الرجال شاورها، شورها من شور أبوها».
«إن الثقافة النمطية، تحرم الجسد المؤنث من حقه اللغوي/ العقلي، وتحصره في حقلٍ دلالي واحدٍ لا يغادره، ولا يخرجُ عنه إلا إلى متاهاتِ الإقصاء والإلغاء» (2).

•    تمرد الوعي
قبل الحديث عن مجموعة الشاعرة زليخة أبو ريشة لا بدَّ من القول، إن وعي الوهم يخلق وعياً متمرداً، متصادماً مع النسق، ومضاداً له للبحث عن الذات في فضاء اللغة، وبالتالي، فإن قصيدة «كلام منحّى» لا يمكن فهمها بعيداً عن الوعي الذي أنتجها، وبعيداً عن النسق الثقافي الذي أنتج صورة المرأة في اللغة، وقد تجلّى هذا الوعي عند الشاعرة زليخة أبو ريشة التي وجدت في اللغة ذاتِها أداةً لحريتها، ومقاومة حصاراتها وعزلها. وفي هذا السياق يمكن تبرير المقدمة النظرية التي اسُتهلَت بها هذه الورقة، ويمكن فهم «المنهج الثقافي» لقراءة مجموعتها الصادرة العام 2005 عن أمانة عمان الكبرى، بعنوان «كلام منحّى» (3).
ومن المهم التوقف عندَ العنوانِ الذي يحملُ خطاباً فنياً وجمالياً وفكرياً، فقد جاء العنوانُ في كلمتين: مبتدأ، وخبر؛ ليلخّص المتن الكلّي، وينطوي على دلالةٍ مهمةٍ تقوم على مفردتين متكاملتين، الأولى: ابتدائية، عامة، والثانية: استدراكية، خاصة؛ للتركيز على مفهوم الكلام ودلالاته.
فالكلام يرتبط بالشفاهية والخصوصية والقصدية، ويحمل زمنَ قائله، وصفاته، كما أن الشفاهية تتصل بنمط خطاب المجتمع القبلي وسماته التي لم يكن لِينفصل فيها القولُ عن قائله.
ويتصل الكلامُ بالمشاعر الجوانية، والحميمية، والبوح، والعفويةِ، كما يرتبطُ بطريقة الإلقاء التي تميّز قائله في مخارج الصوت بين القوة والضعف، والمد، والقطع، والترخيم، والخفوت، والتلوين، والتنغيم، والتطريب، والسرعة والبطء، والفرح والحزن.
والكلام غالباً ما يقع خارج التدوين، وهو جزء من اللغة التي تنطوي على الإشارة والرموز والإيماءات والعلامات والصمت، ويدلل على القداسة.
أما المنحى المشتق من النَّحو فهو مفردةٌ تقوم على مصدرية لضبط بناء الجملة، والإفصاح عن معناها، وهو رأس اللغة التي تتكون من عددٍ من الأنظمة النحوية والصرفية واللسانية التي تميز بين الفصاحة واللحن، ويقابلها الإفصاحُ لمطابقة الكلام للمعنى.
وفي تجاور المفردتين وتتابعهما دلالة اقتران دائرَتي الذاتي والموضوعي، ذاتية الكلام، وموضوعية النحو، وهي مجاورة تملكيّة يُقصد منها السّيطرة على اللغة، وفي المقابل التّمرد على أنماطها القهرية بإشباعها بكلامها، وذاتها التي تتحول فيها المرأةُ من أداةٍ للتوصيف والتشبيه إلى ذاتٍ منتجةٍ للمعنى، تسهمُ في صنع اللغة بالطريقة التي تعادلُ فيها أنوثتها حضورها الإنساني.

الصفحات