كتاب " البحث عن لغة " ، تأليف حسين نشوان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب البحث عن لغة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

البحث عن لغة
• اللغة والنسق الثقافي والشعر
إن الشعرَ، كأداةِ تعبيرٍ، تتصل باللغة، يظلُّ أكثرَ الفنون التي يتجلى فيها الجدلُ حولَ إنتاج المعنى واللغة ذاتها، والكشف عن جوهر الوجود، وفهم مغزى التاريخ وحركته.
وربما هذا ما يفسر ارتباط الشّعر في المجتمع القبلي بالفحولة التي تستمد دلالتها من النص الذكوري، وأن المرأة حتى لو قالت الشعرَ فإنها لا ترتقي إلى فصاحةِ الرجل وفحولتِه، بل إنّ توصيفَ المرأة بالفحولة يجيء من باب التندر والذم وليس من بابِ المدحِ والثناء.
• سلطة اللغة
ترتبط الفحولةُ في مجتمع الكثرة والإنجاب كقوة لحماية القبيلة. وهو مصطلحٌ يُمْنَحُ من خارج نظام اللغة، إذْ يُستعار من نظام مملكة الحيوان؛ للإعراب عن القوة الجسدية، والإنجابية (الجنسيّة)، ويتصل بنسقٍ يقوم على الثروة التي تميز مكانة الرجال في القبيلة، لتكون اللغة نتاجَ تحالفِ الكثرةِ والثروة التي تدلل على السلطة في المجتمع القبلي (الرعوي) الذي لم تكن الأرضُ (المكان) جزءاً من حسابات الثروة فيه، فيما عُدّت المرأة في مجتمع الكثرة مظهراً من مظاهر الثروة والجاه التي كانت تتحقق عن طريق الملكية بالزواج أو السبي والغنيمة. وبهذا المعنى فإنها لم تكن جديرةً بامتلاكِ القوة - اللغة - وإنما كانت القوة (السلطة) هي التي تمتلكها، وتمارسُ عليها فحولتها رغم ما يجتمع بينهما من صفات التأنيث. وفي المحصلة فإن المرأة لا تقولُ القصيدةَ، وانما هي غرضها.
وفي عنوان المجموعة الشعرية ثمة خروج وتمردٌ على الوعي الذي يصادر حق المرأة في امتلاك لغتها، وإعادة توصيف (الفحولة) من داخل النص (القصيدة)، وليس باستعارتها من أنظمة تقع خارج اللغة. فهي تُذَوّت القصيدة وتظللها بمشاعرها وأحاسيسها وعواطفها الإنسانية كمرادفٍ أنثوي لإنتاج المعنى من خلال مقاربة بين وظيفة الشعر، ومكابدة الإنسان وقلقه الوجودي في بحثه المستمر عن مصيره ومغزى حياته.
«الخطاب الشعري المعاصر أصبح يمثل مركز تصادم الأفكار والتيارات والتجارب، وانتقل النص من بنيته السطحية المباشرة لينقل المعنى إلى نصٍ قابلٍ لجميع التأويلات والمحمولات» (4).
فالشاعرة زليخة أبوريشة تفصح عن جدلٍ يتصل بالذات والكون في تشاكلهما وتصادمهما؛ للكشف عن مأساة الإنسان، التي لا تخلو في جزء كبيرٍ منها من قهر الإنسان للإنسان عبر تقسيماته الوهمية، وأنساقه النمطية التي تأسَّسَ عليها النّسقُ الثقافي الذي أقصى المرأة خارجه كما يقول سيجموند فرويد: إنّ الحضارةَ الإنسانيةَ ليست سوى تراكمِ الكبتِ والتسلطِ على الإنسان، وربما مثل هذا الجدل هو الذي دفع الكثيرَ من النقاد في الغرب إلى النظر للأدب التقليدي (الكلاسيكي) بوصفه سلطةً قهريةً يتأسس عليه الأدب العربي المعاصر الذي يتسم بنزعة مركزيةٍ مشيرين إلى ضرورة الاهتمام بأدب الأقليات والعالم الثالثِ وأدبِ المرأة.
«إن العديدَ من كتب الأدبِ يحسنُ بها أنْ تُسقطَ عدداً من الكلاسيكيات التي كتبها (رجالٌ بيض موتى) ليفسح المكان لإدراج عددٍ من كتبِ النساء والسود وكتّاب العالم الثالث» (5).
ولعلَّ اختيار العنوان «كلام منحّى» هو عودة إلى توصيف اللغة باللغة، وتعريف الأشياء بذاتها؛ لقراءة النصّ بمقدار تَشَبِّعِهِ بالأنوثة، كما يتشبع بالفحولة إذا جاز التوصيف؛ فالقصيدة تجربةٌ إنسانيةٌ تُعرف بإيقاعها ولغتها وصورها وتوترها وجمالياتها، فالشعرُ كما تقول د.سلمى الخضراء الجيوسي يتطور وفقَ أنظمةٍ خاصةٍ به، وبالتالي فإن مقايسة «فصاحة» القصيدة لا تتم باستعارة أنظمةٍ وأنماط تقع خارج سياقاتها.
وتعرف الشاعرة زليخة أبو ريشة الأشياء من خلال ذاتها، لتأنيث اللغة ومنحها ملامحَ جسدها كجزء من بحثها عن الحرية في مواجهة الحصار الذي يحيط بها نتيجة خواء المعنى الذي لا تستطيع فيه المرأةُ معرفة إنْ كانت في اللغة أم خارجها، حاضرة أم غائبة، لتختزل القصيدة رحلة معاناة المرأة بإزاء سلطة اللغة التي كرّسها المجتمع في الشكل والمعنى والمفردة، وربما هذا ما يفسر إصدارها لخمس مجموعات شعرية مقابل كتابٍ واحدٍ حولَ اللغة الجنسوية والجندر:
«كان جسداً
ذلكَ الذي كانَ بين يدي
كان يفيضُ عن جسدٍ واحدٍ ولا يشفُّ إلاّ
عن نعاسٍ وانخطافٍ ملولْ
فوقنا كانَ من موته رششٌ
كان يُقْصي حضورَهُ في الحَواسْ
............
لم نكنْ لعمقِ انشغالنا بطرادِ صرخاتنا في خواء المعاني
نميّز من يفوح
نحن في الزبد
أم تلكَ الحقول؟!
عبثاً يأتي الكلامُ
ولا صمتْ..
لا دموعَ تأتي.. ولا بابَ يمحو كلاماً
............
بياضي يحاصرني
وأنا أستعيدُ لي جسداً ضاعَ في بياضٍ مقفى
وتهيأت أن أسترد يقظته من
غرفة بحرٍ ضمّني
.............
إنني الآن وحدي
خلفي مراحلُ من مفازاتِ نُعمى
وقُدّامي البحرُ يصطادُ أمواجه» (ص13).

