أنت هنا

قراءة كتاب البحث عن لغة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البحث عن لغة

البحث عن لغة

كتاب " البحث عن لغة " ، تأليف حسين نشوان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

•    لعبة الأضلاع
إن لعبة الأضلاع الثلاثة في النسق العام الذي يحكم رؤية الشاعرة، ليست مجرد لعبةٍ لفظيةٍ أو احتيالٍ على الهندسة وقياساتها وأبعادِها السيمترية؛ وإنما هي رؤية تتصل بالشكل (الفيثاغورسي) الذي يعدّ فلسفة لرؤية الكون. وهي مسألة تفصح عن نظرتها إلى سيرورة الوجود، وكينونة الانسان، وتصادمات الذات والموضوع والماضي والحاضر، للتعبير عن موقفٍ كلي من العالم، حيثُ تجلّى هذا الموقف معرفياً على مثلثٍ يتكون من: الذاكرة (التاريخ)، العقل (الفلسفة)، الخيال (الفن) وتفرعاتها التي وجدت مقابلاتها في الشكل الهرمي الذي يتكون من الصوفية، السوريالية، والأسطورة كأدوات للتعبير عن ذاتها، لتشكل المجموعة الشعرية سلسلةً من المرايا المثلثة أو متوالية تتجاور فيها الفنية والجمالية والتعبيرية.
ومن المؤكد أن مثل هذه البناءات لا تخلو من التعقيد والغموض والتجريد الذي يتصل بخصوصية التجربة، وتعدد الخطابات المعرفية التي عملت أيضا على إثراء التجربة.
وتمثلت التقابلات بين الذاكرة (التاريخ) في الأسطورة كنصٍ «لازماني»، يسبق التقسيمات الاجتماعية وتطور الكتابة التي تمتاز تاريخياً بالشفاهية، وكانت المرأة فيها مؤلفة النص.
أما العقلُ الذي تم تصنيف الفلسفة في دائرته، فهو يقابل الصوفية التي تشكل منهجاً معرفياً خاصاً يتصل بتأمل الطبيعة، ويتمثل لغتها ويتماها مع عناصرها، ويوازن بين العقلِ والروحِ والجسد.
وعبرت السوريالية كأحد أضلاع المثلث عن مغزى تطور تاريخ الفن إزاء مصير الإنسان في بحثه عن الحرية وتمرده ضد أشكال القهر والاستبداد والإقصاء والنفي، وكشفت كأسلوب تعبيري صوريّ (نسبة إلى الصورة) عن حقيقة المعنى الذي يتكون من الدال والمدلول والدلالة السيميائيّة التي تعبر عن ذاتها بلغتها.
وبالتالي فقد أعادت الشاعرة- في تجربتها الخاصة التي تقوم على المثلث- لغتها التي تفيض بالروح الانثوية؛ إذْ تستعيدُ عناصرها في النص من خلال صفات الطبيعة بصدى صوت (إيزيس) بوصفها «أم الأشياء، وسيدة العناصر، وبادئة العالم (**).
وتثري الشاعرة زليخة أبو ريشة قصيدتها بالتفاصيل؛ إذْ تقترب من لغة النثر، التي ترتبط بتاريخ (الساردة الأولى)، وتنماز بالتوالد الذي يقوم على إنشاء جملة لا متجانسة، تنتمي إلى كل الفنون التي تحررها من نمطية الشكل الواحد، لتأكيد (وحدة المتعدد، وتعدد الواحد).
وتستحضر الشاعرة صوت الطبيعة في تنوعها وغناها، وخفوتها وحركتها وصراعها للكشف عن (صوت الأنوثة الغائب) الذي يقوم على تماريات الأرض/ الأم/ المرأة ووظائفها وصفاتها وتشابكاتها الرحميّة، التي تُضفي على النصوص مسحةً من الحزن الوجودي الشفيف، وتعكس أصداء رحلة الإنسان ومصيره في انفصالاته المتتالية منذ الولادة وحتى الموت، ورحلة المرأة التي عانت من الإقصاء والنفي والوحدة، وعبّرت عنها بلغةٍ طقوسيةٍ حزينة:
«يا لقوت القلوب! تفتت
من لي بملاط يشد نثيرات روحي؟
انفضحت.. فمن لي بسردابِ حب إليه؟
ومن لي إليه؟» (ص24).
 

•    لغة الجسد.. جسد اللغة
إن معرفتنا بالوجود وعلاقتنا به تتم وفق انساقٍ معرفيةٍ وثقافيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ يصوغها المجتمع وقوانينه، وأنماط حياته التي تختلف من مجتمع إلى آخرَ، ومن حضارةٍ إلى أخرى.
«لا يمكن فهم اللغة، وقوانين تطورها بمعزل عن حركة المجتمع الناطق بها في الزمان والمكان المعنيين، لأن فيها من الإنسان فكرَه، وطرائقه الذهنية، وفيها من العالم الخارجي تنوعه وألوانه» (13).
وبالتالي، فإن اللغة تشكل سلطةً اجتماعيةً تعبّر عن وعي لمكونات النسق وعلاقاته الإنتاجية، وتعبّر عن الوعاء الذي توضع فيه لمصلحة «الفئات والطبقات التي تستعملها». (14).
وإذا كان المجتمعُ القبلي (الكثرة والثروة) صبغ اللغة بقوانينه التي أقصت المرأة ووضعتها ضمن نظامٍ مجردٍ لمصلحة اللفظ، لتكون المرأة موضوعاً وليس ذاتاً، وطبيعة صامتة، ومفعولاً بها، ومضافاً اليه - بلغة النحاة – ما عطل مشاعرها وعقلها وحصرها فيما يمكن تسميته باللغة الخرساء التي تتمثل في: الإيماءات، الصمت، الحزن، الرقص،...، فالمجتمعات الحديثة التي تتسم بالتحولات الفكرية والتكنولوجية التي ميزت الحضارة المعاصرة لم تخلُ من الأزمات اللغوية التي انبثقت في المراحل القبلية والحقب اللاهوتية، وكانت مخلصة لإرثها الثقافي.
«فالمشاكل اللغوية والميتافيزيقية - المعاصرة التي تمتد من العصور الوسطى - التي انبثقت عن المشاكل الدينية واللاهوتية هي التي برزت وما تزال قائمة» (15).
وفي ديوان «كلام منحّى» تفكك الشاعرة سطوةَ المؤسسة الثقافية باستعادة لغة الأشياء، والكائنات. كما تتجسدُ في الطبيعة، وتنسج لغة الجسدِ مع جسدِ اللغة لتشكل لوحةً واحدةً من ثلاثة أضلاع هي: المرأة، الطبيعة، (اللغة-القصيدة)، عبر صورة شعرية إبداعية يتحول فيها العالم إلى جزء من الكائن، والإنسان إلى جزء من الطبيعة، وتجعل اللغة حاملة لمعانٍ ودلالات أبدية «تجمع بين الإدراك الحسي، والرؤية العقلية، والبعد الجمالي» التي تتطابق فيها الذات مع الموضوع في حركته وسكونه ولغته، وتغدو حركة الطبيعة متحررة من الأنساق التي أخفت جمال «المثلث» وصوته وملامحه التي تبحث عن نافذةِ الروح ولحظةِ الحبِّ الأبدي».
«ويا غرامي الذي أسرفت كي أعرف
فعرفت مملكتي
الدائم المشتاق. الدائم المشهود المحقق في الوتين
تنثره ورود الشهوة الأولى
جسداً من الأسرار
مرئياً ومخفياً
وحمّى» (ص88).
وتعيد الشاعرة من خلال نصوصها تشكيل اللغة باللغة ذاتها التي تستعديها من مناطق مسروقة/ مغتصبة/ ولغة مستعارة من الروحانية الصوفية اللاتمييزية التي تجعل من الأنوثة مضارعة للثورة:
«المثلث ريحان
وشعشع الشوق في بيت روحي
وروحي تجن» (ص23).
وتنهل الشاعرة، في تجلياتها التي لا تخلو من خذلان الرحلة الطويلة مع اللغة، من صور الطبيعة في تصادماتها للتعبير عن وحدة الاختلاف التي يتوحد فيها الباطن والظاهر والمرأة، واللغة والطبيعة في جسد اللغة بالمعنى الإنساني والجمالي. وتواصل بحثها عن الحقيقة:
«يا فاتح الشتاء! زدْ عليّ الماء والبكاء. لوعة التارنج!
شهقة الفيروز وقهقهات الريح.
مرتجف اليقين، قرقعات الصمت في اللغات
.........
وهات حفنة من الرضا
وحفنة من الغضب
وحفنة من السراب
وزدْ على ما تريد
ما زلت أنك الموعد
الذي أشتهيه
كما السكينُ في الوريد» (ص64).

الصفحات