أنت هنا

قراءة كتاب البحث عن لغة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البحث عن لغة

البحث عن لغة

كتاب " البحث عن لغة " ، تأليف حسين نشوان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

«فرق التوقيت» لمحمود الريماوي..
اللحظة القصصية إذ تسبر النفس الإنسانية

 

تقوم غالبيةُ نصوصِ مجموعة «فرق التوقيت» للقاص محمود الريماوي على تحويل الحادثة/ الواقعة العادية إلى واقعةٍ حكائيةٍ/ نصٍ، باللعب على مفارقة الزمن، وبمقاربة اللحظة الحقيقية/ الواقعية العابرة كلحظة إنسانية تسبر غور النفس الإنسانية في الوجود الذي يضجّ بالحيوات المتناقضة.
فالسردُ هو زمنُ الرواية والقص والسينما، والدراما هي فنونٌ زمنيةٌ، ووعي الزمن هو إدراكٌ للكونِ والحياة وتمثلاتِها وشكل إيقاعها، وهو تعبيرٌ عن موقفٍ من الوجود، الذي ينطوي على سرّ «الزمن»، الذي ازداد تعقيده في العصر الراهن بعد اكتشاف النظرية النسبية التي كان لها تأثيراتٌ على اتجاهات العلوم والفنون والآداب.
«والزمن في الرواية هو تعبير عن رؤيا تجاه الكون والحياة والإنسان» كما تقول د.مها حسن القصراوي.
القاص الريماوي في مجموعته القصصية «فرق التوقيت»، يعيد إنتاج اللحظة التي لا تصدر عن التفاتةٍ عرضيةٍ، بل تشفّ عن يقظةٍ وتفكرٍّ وعينٍ ناقدةٍ وإحساسٍ بتغير الزمن الذي اختاره عنواناً للمجموعة التي تحيل إلى فكرة التناقض بين الزمن الحقيقي والوهمي، الواقع والحلم، اليقظة والنوم، وهي إحالة ترتكز على الشعور بالقلق والاضطراب الذي يعانيه الإنسان المعاصر نتيجة تقلّب الوقت الذي يمثّل معياراً افتراضياً للتقدم أو التأخر، والشباب والكهولة، والنكوص والتراجع أو الانتقال من حال إلى حال مختلف.
الزمن في كل مستوياته، يَعُدّهُ القاصّ ركيزة أساسيّةً في تحولات الأحداث، وتطورها، ونمو الشخصيات والأحداث، وهو كما يقول الروائي جمال ناجي: «يعد أساساً لا تستقيم الأحداث والتحولات من دون توظيفه بمنهجية عقلية يلجأ الروائي إليها بوعي أو بلا وعي، لكنها تظل لازمةً وملازمةً لكل عبارة يكتبها، وإن فقدانَ الأحداثِ للضوابط الزمنيةِ يفضي إلى تهتّك الحكاية، وإلى انفلاتِ الأحداث، ووقوعِها في الفوضى، وفقدان الكاتب لزمام السيطرة على مجريات روايته.
ليس من باب التوكيد أن يُعَدّ الزمنُ المعمارَ الأساس في الرواية؛ ولكننا لا نتحدث عن الزمن في السرد أو الرواية أو القص ومساراته وخطوطه، بل نتحدث عن الزمن كموضوعٍ للقص، الزمن كبطل للنص، يبرز من خلال حضوره الطاغي، ويختلط مع الأحاسيس والمشاعر التي يمكن تقسيمها بحسب علم النفس إلى ثلاثة أبعاد:
-    الزمن السيكولوجي النفسي، هو: الزمن الذي يقاس وفق الحال النفسية للفرد؛ فالانتظار والمرض واللحظات الحزينة تُوْقِفُ الزمن وتعطّله، وتلقي بظلالها الثقيلة عليه، ويشعر معها المنتظر أن الدقائق تتحول إلى الساعات.
-    الزمن البيولوجي الحيوي، هو: زمن يتصل بالساعة البيولوجية للكائن، التي يختل إيقاعُها بتغيير المكان، وخصوصاً في حالات السفر.
-    الزمن الفيزيائي، هو: الزمن المعياري الستيني.
وهناك أزمان أخرى تتصل بالزمن الروائي، ومنها: زمنُ الحكاية والروي والتلقي، وما بينهما من اختلافات وجل وصراع.
في المجموعة القصصية، «فرق التوقيت»، تختلط الأزمان، ولم تعد متعينة بحدود الماضي أو الحاضر أو المستقبل، بل تنمحي بينها الفواصل؛ لأن الذاكرة التي تحتفظ بعلامات الحدود قد أصابها التشويش، ولم يتعطل الزمنُ، لكنه فقد وظيفتَه البنائية التي تقوم على التتابعي أو التداخلي الجدلي، أو المتشظي، وغدا الزمن دائرياً تلتقي فيه لحظة النهاية والبداية، وهي اللحظة/ اللحظات التي تصوغ في تقاطعاتها وتشابكاتها طبيعةَ الحياةِ التي تشبه حزامَ الركضِ الدوار، إذْ يواصل الكائنُ الركضَ، والركضَ دون مغادرة المكان، وتشبه ما يمر أمام ناظرَي الإنسان من أشرطةٍ سينمائية تحمل صيدَ اليوم/ الأيام.
يقول الناقد والقاص إياد ع. نصار: إنّ الريماوي «يكتب القصةَ بشهيةٍ كبيرة»، وفي عالمه القصصي المتنوع تبرز المسحة التأملية، والنزعة الفلسفية الأخلاقية التي تعيد اكتشاف تجارب الحياة المختلفة، ويومياتها «المأساوية» التي تنتهي بالخيبة»، لكن الأمر لا يتوقف عند الوقائع المأساوية والأحداث غير السارة، وإن الحياة، ذاتها، لَتنطوي على «طبيعةٍ» مأساويةٍ، كما يقول عالم النفس النمساوي «سيجموند فرويد»: «سلسلة من الانفصالات المتتالية التي تصنع المآسي التي تبدأ بوجع الولادة وتنتهي بالموت».
القصص عند محمود الريماوي، الذي صدر له في القص نحو عشر مجموعات منها: «الجرح الشمالي»، «كوكب تفاح وأملاح»، «ضرب بطيء على طبل صغير»، «غرباء»، «القطار»، «شمل العائلة»؛ وفي الرواية: «مَن يؤنِس السيدة» و«حلم حقيقي» - تحاولُ رسمَ الزمن عبر مشهديات وصورٍ أو مدوناتٍ يومية، لا تمثل سيرةً ذاتيةً، بل تأخذُ شكلَ الخواطر والمدوناتِ لحال الكائن في يومِه منذ الصباح إلى المساء بتداعيات الأمس وأمنياتِ الغد، لتبدو النصوصُ أقربَ ما يكون إلى القصة الإخبارية التي خبِرَها الكاتب بحكم اشتغاله في الصحافة العربية لزمنٍ طويل.
وهي خواطر تعيد الزمن وفقَ النظرة الدائرية إلى زمنٍ «صفري»، يقع بين «العبث»، واللاجدوى، وأحياناً الرغبة في استهلاك الزمن ذاته، بالسخرية منه.

الصفحات