كتاب " البحث عن لغة " ، تأليف حسين نشوان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب البحث عن لغة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البحث عن لغة
• الموضوع والشكل
عبر الكاتب خلال نصوصه القصصية عن ذلك الزمن الصفري «المنهوب» بجملٍ قصيرةٍ مختزلةٍ تكثّفُ الفكرةَ وتضارعُ موضوعَها وشكلَها، ففي زمن السرعة لم يعد المتلقي يملكُ بذخ فائض الزمن، وكأنه يريد أن يتخفف من الوقت أو يلحقه بسرعة إيقاعه، عبر التخفف من الثرثرة والميل للخطاب بلسان المتكلم عن نوعٍ من الملل الذي يعانيه الكائنُ، معبراً عن ذلك أحياناً بالسخرية السوداء وأحياناً أخرى بخفة الظل التي تقتضيها المفارقة التي تبرز نتيجة جدل الزمن وتناقض اللحظة.
وتنحصر غالبية قصص المجموعة في جلسة بمقهى، أو غرفة، يكون فيها البطلُ مع نفسِه، متأملاً سلوكَ فراشةٍ أو عصفورٍ أو قطةٍ، أو طلبة المدارس الصغار، وهو لا يتحدث عن زمن مشاهداته، وليس من حدثٍ سوى ما يقع في رأس البطل الذي تكون معه المشاهدة ذريعة للقص، وذريعة لاستعادة ما يقع في الذاكرة التي تنتبه بالمثير/ المشاهدة والواقعة التي تفضي إلى حيرة الشخصية مما يرى أو يحلم «لا فرق»، فالزمن يختلط بين الوهم والحقيقة.
• الشخوص
يختار شخوصه القصصية من المحيط القريب له ممن صادفهم في الشارع أو المقهى، أو ما تداولته الأخبار الصحفية، ولكنه يعيدهم ضمن نماذج تضج بالحياة، وهي شخوص في الغالب «هامشية»، تمتاز بالطرافة والحيوية، ويركز الكاتب على المشهد أو الموقف أكثر مما يصرف عنايته باللغة الشعرية، وهو خيار يتناسب مع طبيعة الشخوص، وينطلق من فكرة الاختزال ولغة الصحافة التي تقوم على الوضوح والحياد والموضوعية، ويقارب القاص بين الأشياء وممالك الحيوان والنبات؛ ما يضفي على الأشياء سمة «الأنسنة» التي تطفئ صلابة العصر، وجفاف علاقتة بتأثير التكنولوجيا والعولمة.
يصف الناقد «نصار» قصصَ الريماوي، بأنها: «عوالمُ ملونةٌ واسعةٌ تمتد إلى آفاقٍ تعجّ بالبشر وأجواء الموسيقى والشعر والصحافة والأشجار والأسفار والبحر والطيور والحيواناتِ التي يستنطقها، ويراقبُ حركاتهَا وسكناتهَا ويتعلمُ منها، ويكتشفُ فيها ما لا تراه سوى عينِ القاص المتأملةِ بنظراتٍ فلسفيةٍ نفسيةٍ عميقةٍ».
في مجموعة «فرق التوقيت» التي تحتوي خمسَ عشرة قصة، منها: «فوق ما تتصور»، «حانة الديك الأحمر» و«فرق التوقيت»، يستدعي القاص الريماوي المشهدَ بعينِ المراقب، وأدوات القاص، ووعي القارئ والناقدِ في آنٍ معاً، ويعيدُ تركيبَ الأحداثِ بخبرة الحكّاء/ السارد، ليس لإدانة الحياة، بل لكشف تلك العجلة التي تطحنُ الكائنات.
• حكايات حقيقية
غالبية قصص المجموعة هي حكايات ذات منبع حقيقي، وتنحى منحى واقعياً، أو رمزياً أو غرائبياً، تجتمع في أزمنةٍ وأماكنَ لحظة الكتابة والتخيل، ولحظة الوعي، لتعودَ في نسيجٍ واحدٍ هو نسيج القص.
وهي حكاياتٌ تصاغُ بمهارة مع نوع من التحريف (الإضافة أو الحذف) وبعضها جرت مع أصدقاء، منها: فوق ما تتصور، التي يتحدث فيها عن صديقه العراقي الذي أقام في عمان، ثم حصل على الهجرة إلى كندا، وعند عودته إلى عمان مرةً ثانيةً، حدّثه عن اختراعٍ هناك لضبط «الساعة البيولوجية»، إلا أن القاص يبدل الاسم، باسم آخر، وكذلك الصفة الإبداعية للكاتب وعمله، وكذلك حكاية بائع الصحف الدمشقي، في قصة «فرق التوقيت»، التي تتحدث عن فنانٍ سوري نقل له سلاماً من بائع صحفٍ معروفٍ في دمشقَ، غير أن الكاتب/ الريماوي اتضح أنه لم يزر دمشق طيلةَ حياته، ولم يكن يعرف الشخص الذي أرسل له «السلام»، فأعاد القاص تلك الواقعة في مساحة المستقبل الافتراضي.
الريماوي يشتغل مادةَ القصِّ من الحياة الحقيقية ويعيدُ تشكيلَها بمهارةٍ، هي -للحق- مهارةٌ يمتلكها القاصُّ، بحرفية عاليةٍ قادرةٍ على الاشتغال في عدد من الحقول من دون أن ينزلق في تحيزات الاختصاص؛ فهو كاتبُ مقالةٍ، وروائيٌّ وقاصٌّ، وهو على ما يؤكد، ينتسب لعائلة القاصين، إلا أنه يقول: إنه «قاص في الليل وكاتبُ مقالةٍ نهاراً»، «وروائيٌّ في ما بينهما».
• اللغة الرمزية
يقول الكاتب موسى أبو رياش: إن الريماوي يلجأ إلى «اللغة الرمزية» لتوصيل فكرته ورؤيته بقالب فني مقبول، بعيداً عن المباشرة والوعظ الذي يضعف البناء القصصي ويحطّ من قيمته. بالإضافة إلى أن اللغة الرمزية من مميزات وخصائص القصة القصيرة، وتدخل في بنيتها ومعمارها الفني».
في مجموعته الأخيرة «فرق التوقيت» يميل الريماوي، الذي يعدّ من أكثر القاصين غزارة في الإنتاج، وطول مكابدة؛ أي إنه صرف من عمره نصفَ قرنٍ في مجالها - يميل إلى بساطة تميز بناء الجملة التي أفادتْ من حرفة الصحافة، وهي الجملة التي تذهب بوضوحٍ إلى المعنى بشرط الاقتصاد والتخفف من الثرثرة والثقل والابتعاد عن الإغراق في الوصف إلى المشهد، ويصور القاص الانطباعات التي تتركها اللقاءات العابرة في مواجهة عجلة الحياة والزمن الذي يدور بسرعة كمسنناتٍ فولاذيةٍ تفرم البشرَ، يقول القاص: «نستذكر المصادفات السعيدة، ونختزنها، وتُقْصي الذاكرةُ ما هو تعسٌ ونكد؛ فالعقلانية لا تورث السعادة بالضرورة» (ص13).
وهو ما يتكرر من سعادة في «مكالمة منتصف الليل» وقت يستمع إلى هاتفٍ وتكون على الجانب الآخر امرأة، ولم يتسنَّ له معرفتها أو تذكرها.
وتبدو قوة الإرادة والمثابرة في أنسنة الكائنات؛ إذْ تكافح الكائنات في «الفراشة تبطش»، و«خنفسة النهار» أقدامَ المارةِ ودواليبَ السيارات للوصول إلى نهاية الشارع، وهي رمزية تضارع ما يسعى إليه الكائن في مواجهة عجلة الزمن.
يصور القاص ظلال العولمة التي تسيطر على شخوص قصصه، وخصوصاً في خريف العمر، من خلال رصد الرجل وهو يراقب الفراشة دون أن يحرّك ساكناً، وكذلك في قصة «الثلاثة ورابعهم».
تقوم الكتابة القصصية عند الريماوي على أسلوب البساطة والوضوح والمباشرة، كما تقوم على فلسفة التأمل للحركة والسكون التي تضفي رمزيةً تتيحُ القراءة المتعددةَ.
تنقسم الكتابة عند القاص وفقَ وعي الزمن إلى ثلاثِ محطات: