أنت هنا

قراءة كتاب البحث عن لغة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البحث عن لغة

البحث عن لغة

كتاب " البحث عن لغة " ، تأليف حسين نشوان ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

•    إعادة تشكيل اللغة
إن تجاورَ مفردتي العنوان، الذي جاء تاماً في معناه، لم يُشكّلْ حالة من الطمأنينة، بمقدار ما أثارَ من جدلٍ بين الذات والموضوع، وتصادمٍ بين رغبة الحرية وقيودِ الاستبداد، فالعنوانُ يحمل المعنى ونقيضه في آنٍ واحدٍ - الإفصاح، البعد- ينطوي على خصوصيةٍ ذاتيةٍ وشفاهية تعبر عن رؤى فنية وجمالية، وأخرى فكرية متعددة ومتداخلة تقترب من منطقة الالتباس الذي يوحي به غموض الفضاءات الجديدة.
«البنية اللغوية التي تتسم بالاحتمالية والتعدد (...) تسمح للنصوص الأخرى والأصوات بالنفوذ إلى الداخل، كما يتقدمُ فيها المدخل (المبتدى) والمنتهى»(6).
 ومن هنا فإن العنوانَ لم يقصدْ منه أن يكون علامة لإغواء القارئ فحسب، وإنما دليل لكيفية قراءة النص أو القصيدة التي تنطوي على عددٍ من الخطابات التي تصدر عن الذاكرة (التاريخ)، العقل (الفلسفة)، الخيال (الفن) التي تنصهر فيها اللغة والأنثى والطبيعة كمرادفات للنص الغائب، أو الذي تم تغييبه، وإنتاج وعي يتمرد على الذكورة التي اغتصبت الذاكرة والتاريخ والفن، وليس من المصادفة أن ترتبط المحاولات التجديدية الأولى في القصيدة العربية (التقليدية) بالشاعرة (المرأة) نازك الملائكة انطلاقاً من موضوع اللغة، ثم الشكل، وتزامن ذلك مع حراك اجتماعي وثقافي يتصل بالانفتاح على الأدب الغربي، وبروز قضايا الحرية والتطور التكنولوجي وظهور قضية المرأة، والتيارات الفكرية الحديثة التي عكست ظلالها على الأدب.
وبدا من الواضح أن القصيدة الحديثة قد تخففت من قيود القصيدة التقليدية بالمقدار الذي تزحزح فيه المجتمع التقليدي (القبلي) نتيجة اتساع التعليم والعمل وتطوّر وسائل الاتصال والتشريعات، والتيارات الفكرية، ولم يغيّر التحول من المجتمع القبلي إلى المجتمع (الحداثي) واقعَ المرأةِ، بل عملتْ دينامياتُ السوق وقوانينه، والنزعاتُ الاستهلاكية على تعميق أزمتها التي جعلت من جسدها مجرد صورة وهمية تتناقلها وسائل الإعلام للترويج الاستهلاكي، وتضعها حسب تعبير «جان بودريا» في (صحراء اللامعنى)، وأعادت إنتاج العلاقات السابقة التي أبقت المرأة خارج اللغة.
والواقع أن الشاعرة نازك الملائكة في التفاتها إلى جمود اللغة كانت مسّت العتبةَ الأولى للإحساس بالمأزقِ الذي يحاصرُ الإنسانَ وهواجسَه الوجودية، وكانت العودة إلى الأسطورة والرمز في شعر الرواد ونصوصهم بمثابة استدراكات، لا وعيَ الذاكرةِ لاستحضار الصور الغائبة أو المغيبة تاريخياً. وعمل هذا الاستدراك على إنتقال القصيدة إلى فضاءاتٍ جديدةٍ تهمل الغرضية التي ولدتها شروط الفضاء المفتوح (اللامكان) وإيقاعاته ومفرداته إلى جوانيات الإنسان.
ومهدت قصيدة الشعر الحر والتيارات النقدية والفكرية، البنيوية والتفكيكية إلى بروز قصيدة النثر التي انتفضتْ على سلطة اللغة وتمثلاتها الاستبدادية في الأدب، وأضفت على الشعر خفوتاً وإيقاعاً جوانياً، وأنماطاً توالديّةً تتصل بالسرد الذي يعيد إلى المرأة ريادتها التاريخية، ويقرب اللغة من صفة الطبيعة وخصوبتها، التي تمثلت تاريخياً في (المرأة الإلهة)، وعمل استدخال السرد في القصيدة على نزع الصورة التميّزية التي تضفي على الشعر صفةَ الفحولة؛ لتغدو القصيدة مختبراً لإطفاء السيطرة الذكورية على الشعر، ووسيلة لتطوير اللغة من خلال انسراب المفردة الأنثوية إلى القاموس الشعري واللغوي، فالشعر كما يقول أدونيس ليس مجرد إيقاعات وشكل؛ وإنما هو إعادة في تشكيل اللغة.
ومن هنا فإن قراءة نصوص زليخة أبو ريشة ينبغي أن ينظر إليها وفقَ هذا التيار الفكري والفلسفي والنقدي الذي يقوم على ثلاثة أضلاع تُزاوِجُ بين المرأة والطبيعة والفن في تصادماتها وجدلها مع النسق الثقافي بالمعنى العام.
 «يتجلى المأزق اللغوي للعربية في أنه تمظهرٌ للمأزق الثقافي الذي يُقصي المرأة ويغيّبها» (7).
فهي تؤسس نصوصها على خطابٍ معرفي تجتهد في دراسته والتنظير حوله من خلال مؤلفاتها وبحوثها ودراستها الاكاديمية، وتسعى إلى تفكيك اللغة الذكورية التي تقصي الوجود الانساني للمرأة، وتختزل وجودَها في جسدِها ضمن أبعادٍ غرضيةٍ ودلالية. وتنطلق زليخة أبو ريشة من وعي وجودي لوَحدة الكون الذي يحافظ على توازن الأشياء. وهي وحدة تقوم على جدل الاختلاف والتمايز وليس التمييز، فالتمايز هو حضور ذاتي من خلال الفعل الإنساني الذي يحقق تكامل الوجود وجماله، ويتمثل في القادم الذي يحمل الحرية ويعيد العلاقة المتكافئة بين الذكورة والأنوثة:
«أيها الّليلكُ الذي لم يعدْ يصبُّ على مرتفعات الكلامْ
أيها المضادُّ المعادُ المرجّى لحملقة البرق
وجرح الهيولي، وفوضى منابت رضوى
تنمر زهر السنونو وضحكة ريش العشابا
وفجر إذا ضلَّ.. ضَلَّ الصّباح
إلى حين يأتي صباحُ الكلامْ
أيها الّليلكُ المتصف بسرسبة الوجد..
أيها الّليلكُ
اختلفْ» (ص18).
 

الصفحات