كتاب " ملاك الحقيقة " ، تأليف ضحى الرفاعي .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب ملاك الحقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ملاك الحقيقة
3
طبيبة غير
يقال أن الغريق يتعلق بقشة
وهل للقشة أن تنقذ غريق؟ لكنه إن لم ينجو لن تلام القشة بل سيقالُ الذنب ذنبه، لأنه لم يلتقطها
سأحاول ولن أسمح لأحد بوضع اللوم عليّ إن كان الفشل
-"اليوم سوف تتعرفين على طبيبتك الجديدة"، هذا ما قاله لي علِّي بعد أن حملني ووضعني على الكرسي وقادني، سألته عنها وأخبرني أنها جميلة، فغضبت وأشحت وجهي عنه، فابتسم لي وقال بمكر: "لكنني دائمًا امتدح الجميلات أتذكرين تلك الممثلة كانت رائعة الجمال". تصصنعت عدم الاهتمام بما يقول، أعرف ما تفكرون به، لقد أصبحت قريبة جدًا من علِّي لكني لا أستطيع أن أقول أنه حب، صحيح أنني أغار أحيانًا، لكنني أعرف كل شيء عنه، حتى غرامياته، نعم غرامياته فهو منذ ترك تلك الفتاة يتنقل من واحد لأُخرى، حتى فقد إيمانَهُ بالحُب، وهو عيني على الدنيا، أنا أيضًا أرى العالم كما يراه هو، فهو الأقرب لي وقد اعتدت عليه، ربما هذا ما يخيفني كلما تقرب من فتاة، أخاف أن تنهب عيني على الدنيا ليتركني عمياء، فمع عجزي يُصبح العمى شيئًا قاتل.
-"إنها في العقد الثالث"، عاد وقال ذلك، لكني رددت بغضب لا أعرف سببه، أنه لا يهمني، فابتسم لي وبدأ يحدثني بجدية وقد توقف عن دفع مقعدي قرب صف من أشجار الحديقة، ونظرت له بعد أن انحنى ليصير في مستوى جلوسي، أعرف عندما يفعل هذا أنني يجب أن أستمع جيدًا ولا أقاطع، وقال: "اسمعيني عزيزتي سالي، لقد تعاقب على علاجك الكثير من الأطباء، لكنهم لم يعرفوا أقل القليل عن تلك الحالة التي تنتابك، بل إنني أظن أنها ليست مرضًا، بل شيئًا ينغص حياة ملاك، يعكر روحه الطاهرة، أتعرفين لِمَ لم ينجح أي من الأطباء السابقين؟ لأنك لم تحبي أيًا منهم، لا أقصد أن أقول أن هذا ذنبك، لا بل هم أيضا لم يفهموك.
سالي لقد نظروا إليك على أنك حالة لا بشر، لم يحاولوا التقرب منك، أنا حاولت لكنني لم أدرس العلاج النفسي، لم أخبرك قبل الآن أني قرأت عشرات الكتب بالطب النفسـي، ليس لأنني أعمل هنا، بل لسبب آخر، لأجلك أنت، لقد اشتريت أول كتاب في تفسير الأحلام بعد أن تعرفت علِّيكِ، نعم كان لأجلك، بل لم أستطع تحمل هذه العصفورية إلا بسبب ملاك مقيد فيها مثلي، مع أنني لست ملاكًا ابدًا.
سالي يجب أن تتحرري من هذه القيود، فالأقفاص لم تُخلق للملائكة، هذه الطبيبة هي طوق النجاة، نعم لقد قابلتها وتحدثت معها، إنها تعرف عملها، لقد قرأت ملفك، لكنها لم تأخذ منه سوى ما يفيدها، سألتني عنك، ولم تقل شيء عما هو مكتوب عن تلك عاداتك السيئة، بل سألتني عن هواياتك ومواهبك، وقالت أنها تظن أنكِ أكبر من سنك، وقالت أن هذا الجمال يجب ألا يظل محبوس هنا، أتعرفين هي من نفس بلد والدتك، بل لن أبالغ إن قلت أنها تشبهها، سالي عديني أن تحاولي معها، يجب أن تشفي، أنا لم أعد أحتمل أن أراك هكذا".
عرفتُ بماذا كان يُفكر، فقد جاءني أحد أحلامي البارحة ولم أهدأ إلا بعد أن أخذتُ الإبر المُهدئة، وظل قربي وأنا مستلقية على صدره حتى نمت، فقد كانت الأحلام أسوء منذ قُرابة الستة أشهر، منذ وفاة والدتي، التي كانت تزورني كل أول شهر لتظل طوال اليوم قربي تستمع وتحدثني، حتى يأتي المساء لتغادر ونحن نبكي الفراق.
-"عديني الآن، عديني أن تبذلي قصارَ جُهدك".
كنت أيضًا آمُلُ أن تنتهي هذه الأحلام الكابوسية، لكنني لم أتجد حتى الآن أيًا من أطبائي يستحق أن أساعده، بل هم أصلا لم يكونوا يرغبوا بهذه المساعدة.
-"لا" كان هذا جوابي، صحيح أنني كنت أعرف أن علِّي صادق في كل ما ذكره، لكنني لم أكن أرى ما كان يراه، هل يعقل أن يتنازل أحد الأطباء ليطلب المساعدة من فتاة مثلي! كانوا يجبرونني على فعل وقول كل ما يريدون، كنت أكذب عليهم دون أي شغورٍ بالذنب، هم من أجبروني على ذلك، لكنني كنت مستعدة لتجربتها لا أكثر.
-"دعني أراها أولًا" قلت له ذلك، نظر لي نظرة تفهّم واقترب مني وقبل جبهتي وتابع طريقه قبل أن يرى البقعة الحمراء على وجنتي ودون أن يسمع قلبي وهو يرفرف، هذه أول مرة يقترب مني إن نسينا المرات التي كان يحملني بها ليضعني في سريري أو مقعدي، وضعني قرب نافذة غرفتي التي تطل على الريف الجميل حيث يزينه غروب الشمس بلونه الذهبي المُحمر ووقف، كانت لحظة الغروب دائمًا لحظة صمت لكلينا، فظللنا ننظر للشمس وهي تودعنا بحزن، لم أعرف يومًا لِمَ تشعرني الشمس عند الغروب بالحُزن، حزنٌ عميق، لكنني لم أخبر أحدًا بذلك، حتى علِّي، كي لا يسألني عن السبب فأنا لا أعرف بماذا سأجيبه، لكنه يشعر بي كما أظن.
-"ترى بماذا يفكر؟"سألت نفسها: "هل يذكر شيئًا مُحزنًا؟"
-"حب حياته؟ لكنه نسيها!". قررت أن أسألع إن كان الغروب يشعرك بالحزن؟"
-"نعم ولكن لا تسأليني السبب فأنا لا أعرف".
-"لحظة الغروب دائما حزينة". كان صوتًا ناعمًا جميلًا لسيدة جاء من الخلف، نظرتُ لأجدها سيدة ذات شعر أسود فاحم وبشرة بيضاء وعينين زرقاوين، عرفتها، فعلا إنها تشبه والدتي قليلًا، لم تكن تنظر إلّي، بل إلى الغروب.
-"لا تنظروا إلي بل تابعوا القرص قبل أن يغيب، فنحن البشر نظن أننا مخلدون، إن سألنا أحدًا كم سنعيش سيكون الجواب سأعيش طويلًا، ولن يفكر بأنه اقترب من موته، لكن عندما ينظر إلى الشمس وهي تغرُب، يصل في أعماق نفسه لمعرفة الحقيقة، حقيقة أن عمره قد نقص يومًا، لا بل يتساءل من خارج وعيه في منطقة اللاوعي، هل سأعيش لأرى هذا الغروب من جديد؟ وربما يكون الجواب نفيًا". أنهت كلامها ونظرت باتجاهنا وكنا ننظر لها، فابتسمت لي وقالت: "اسمي سوزان، رجاءًا خاطبيتي دون ألقاب"، ومدت يدها لتصافحني، لكنني ترددت ونظرتُ لعلِّي، فرد بنظرة تشجيع، مددت يدي بتردد، ثم استأذنت وغادرت لتُرتِبَ حقائبها في بيتها الجديد كما قالت، كانت فرحة جدًا! أنا لا أذكر طبيبًا أو ممرضًا جاء إلى هذا المكان ضاحكًا مثلها إلا صاحبُ الوجه الخادع علِّي، فهل هي حزينةٌ كما كان هو؟ أم أنها سعيدةٌ لوجودها فعلًا؟ وإن كانت كذلك ستكون فعلًا كما وصفها علِّي طبيبة مختلفة عمن سبقها، لكني لن أقنع بالمظهر، عدت أطالع السماء وأفكر بما علي فعله، ماذا أفعل وأنا لا أعرف إن كنت في موقع الدفاع ضد طغيان قادم أم الهجوم ضد متحذلقة متمرسة.
لن أفكر، هذه كانت نتيجة ما فكرتُ به، بدأت السماء تظلم أكثر فأكثر، عرفت أن معطيات هذا السؤال ليست كاملة بعد، وحتى أجد الجواب الصحيح ربما يكون في التأني السلامة كما كانت تقول والدتي.