أنت هنا

قراءة كتاب ملاك الحقيقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ملاك الحقيقة

ملاك الحقيقة

كتاب " ملاك الحقيقة " ، تأليف ضحى الرفاعي .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: ضحى الرفاعي
الصفحة رقم: 5

5
الحلم والكابوس

الحلم يرطّب الحياة، و الحلم أيضًا يحفزها

لن يرغب المرء بهذه الحياة ما لم يكن يمتلك حلمًا

لكن لماذا تنتهي كثيرٌ من الأحلام بكابوس؟ وان كان آتٍ لا محال فلماذا لا يأتي الكابوس منذ البداية ؟

أم أنه كابوس لأنه يقطع جمال الحلمنا علينا؟

بعد أقل من ساعة عادت سوزان وبدأت بتحادثني دون أن تنتبه لصمتي معظم الوقت، ربما الكلام هو أحدى هواياتها، لا أحاول إسكاتها فأنا أريد أن أعرف شخصيتها أكثر وأكثر، والغريب أنها لم تأتِ لتخبرني عن طرق العلاج التي ستتبعها بعد، بل جائت لتسألني عن الأفضل، رفضت استعمال عن بعض أنواع العلاجات وبشكل نهائي، وعندما سألتها عنهم قالت أنها علاجات تعطى للمرضى الميئوس منهم"كالعلاج بالصدمات الكهربائية والعلاج بالإبر"فوافقتها بشأن الصدمات الكهربائية، لكن بشأن الإبر، لم أفهم ماذا تقصد بالإبر.

قالت: "الإبر المهدئة". فانتفضت وقلت لها أنني أرفض، فأنا لا أستطيع العودة للنوم دونها، لكنها أصرت وقالت أنها سوف تغير نظرتي لكل شيء في حياتي، وستنتظر الرؤيا الأولى لتقرر كيف ستبدأ، ولم تعد لذكر الموضوع ثانيتًا، بل انتقلت لموضوع لم أكن أظن أنها ستدخل فيه أصلا وقالت: "يجب أن نبدأ العلاج الطبيعي، وحسب ما أظن إنكِ إن كنتِ راغبة في ذلك وبذلت قصارى جهدك سوف تسيرين بعد أقل من عام".

"أنت مجنونة!"لم أعرف كيف قلت ذلك، لكن الحق لي، كيف تطلب مني ذلك؟ وهي تعرف أنني لم أسير على قدمي قبل الآن، هي مجنونة، قيل لي أن قدماي قد ضمُرتا ولن أستطيع السير مرةً أُخرى.

-"هذا ليس عملك، لم يطلب مني أحد الأطباء السابقين ذلك".

قالت: "نعم، لأنهم لم يرغبوا في ذلك، ولن يؤنبني ضميري إن قلت أنهم تغاضوا عن الأمر، فيكفيهم فشل واحد معك، أما أنا فلا يرضيني أقل من نجاحين، هل فهمتِ؟ نجاحين".

غادرت وتركتني بفوضى، هل يعقل أن أسير؟ أنا لم أسر إلا في أحلامي، بل وأحيانًا كنت أركض قبل أن...، أعرف أنني يجب أن أذكر تلك الأحلام، فأنا حتى الآن أتحاشاها، اعذروني فهي مُؤلمة مُخيفة، لِمَ لا ننتظر الرؤيا القادمة كما تقول هي؟ ربما استطعت النطق.

تابعت قراءة روايتي حتى المساء وبعد الغروب جاء أحد الممرضين ووضعني في سريري، فكرت أن أعيد فيلم البارحة لكني تذكرت أن سوزان أخذته فنمت وأنا أفَكِرُ بأشياء كثيرة.

كنت في قاعة رقص كبيرة، كنت أرقص مع شخص شعرت أنني أعرفه، رفعتُ رأسي لأراه، كان يرتدي قناع أسود وقبعة سوداء، فسألته: "من أنت؟".

فقال وقد فاجأه السؤال: "أنا؟ ومن عساي أكون؟ ربما أكون حقًا زورو! وأنت فتاتي لهذه الليلة"، طال الوقت ومازلنا نرقص، حتى توقف الموسيقى فتوقف وطلب مني التوجه معه إلى الشُـرفة، عندما وصلنا نظرت بعيدًا إلى أطراف المدينة حيثُ الظلام، حلقت بعيدًا، حتى صار البعيد يقترب أكثر وأكثر، كنت أعرفُ أين أذهب، كنت كمن يسير وفقَ مُخططٍ معروف، أسعى خلف هدفٍ واثقة من تحقيقه، وكأنني طائرٌ ضخمٌ كُنتُ أُحلق فوق بنايات قديمة، ثم بدأت أهبط وأهبط حتى وصلت لارتفاع طابقين، وتوقفت على الهواء وكأنه أرضٌ صلبة، نظرتُ لليمين كانت سيدة عجوز تشاهد حالة الطقس في دولة بعيدة قالت المذيعة أن الطقس سيكون رطبًا مع توقع هطول زخات متفرقة من المطر، التفت إلى اليسار فرأيت امرأة تحدق من خارج النافذة بإتجاهي لكنها لا تراني، بل منظرها لا يوحي بأنها ترى شيئًا، فالقلق بادٍ علِّيها، لكن ما لبث أن فُتِح باب بيتها، ودخلت فتاة، فجرت تقبلها وتحضنها وتأنبها لتأخرها، ثم ذهبت بعد أن قالت شيئا عن العشاء، ولكن الفتاة اقتربت من النافذة وأرسلت قبلة عبر الهواء لشاب أسمر غادر بعد أن أخذ أمانته المُلقاة من الشرفة، كنت لازلت أتأمل ذلك المنظر الذي لكن الشاب لم يلبث أن عاد وهو بمزاجٍ مُختلف، بل بدا خائفًا، وظهر رجل خلفه وطلب منه شيء، حاول الهرب من طريق الآخر، فظهر رجل يصده، يبدو عجوزًا والأوساخ تملأ وجهه وملابسه قذرة، أخرج منها شيء -لم أعرف في البداية ما هو حتى لمع، كان سكينًا تلمع مع ضوء القمر، وضعها بسـرعة في بطن الشاب وكأنه يوجه له لكمة، فسقط وصار يتخبطُ وينزف دون أن ينتبه له أحد، كُنتُ غير قادرة على النطق، نظرت إلى شقة الفتاة، لكنها كانت تضحك ووالدتها، وما بدا أخوها الصغير، ربما يكون في الرابعة من عمره، صرتُ أصرخ، وأتمنى أن ينتبه لي أحد لينقذه لكن صوتي كان يضيع وكأن ثقبًا أسود يمتصه.

استيقظت وأنا أصرخ وجسدي بأكمله مُتَعَرِق، فبدأ الناس يندفعون لغرفتي، سمعت صوت سوزان وبعض الأطباء والممرضين، لكن ما شاهدته لم يكن أي منهم، بل كان وجه الرجلين قد حُفرا على وجوه كل من بالغرفة، كيف جاءوا لغرفتي؟ صرت أرجوهم ألا يقتلوني أنا أيضًا.

كنتُ أصرُخ وأطلُبُ والدتي طويلًا حتى انجلت لي حقيقة موتها، فعرفت أن لا فائدة من طلبها، فطلبتُ علِّي، بل تعجبت لمَ لم أسمع صوته بعد؟ ولم يضع رأسي على صدره ولم يسمعني أي من كلماته المريحة، كان سيريحني من هذه الأشكال التي بالغرفة، بل لِمَ لم أنم بعد كما أفعل دائما؟ زاد صراخي حتى شعرت بيدين قويتين تمسكان بذراعي وتثبتهما بقوة على قدمي الممددتين وتحني رأسي-بيد حررتها - على صدري وتبدأ بمُحادثتي، وتطلب مني أن أُغمِضَ عينيّ وآخذ نفسًا عميقًا وأن لا شيء مما أراه حقيقي.

كان صوتها دافئًا: كـما صوت... أمــــي، نعم حتى كلماتها، ففعلتُ ما طلبت هي وفتَحتُ عيني التي بهرها ضوء المصابيح في الغرفة، رأيت الممرضين وقد عادت لهم وجوههم كما أعرفها، وسوزان قربي، أمسكت كوب ماء وطلبت مني الشـرب، كان بالماء طعمٌ غريب وكان دافئًا، لكنها قالت أنه نوع من الأعشاب تهدئ الأعصاب.

بدأت أخيرًا أهدأ، وتذكرت أن علِّي مسافر، فشعرتُ بسذاجتي لطلبي اياه، في هذه الأثناء رأيت سوزان تضغط زرًا في ساعة يدها، ثم تدون في دفترها، بدأ الجميع يخرج، ولحقت هي بهم، فصرخت بها بصوت طفل ينادي أمه أن تظل، كنت فزعة، بل في أشد حالات الفزع، لن أعاود النوم، بل لم أكن أشعر بأي بوادرٍ للنعاس، بالعادة كنت أنام بفعل الأدوية، لكن مع ذلك لم يكن علِّي يتركني قبل أن يتأكد من أنني نائمة مع الملائكة وأن الشياطين لن تقربني فيما بقي من الليل، هكذا كان يقول.

لكن الآن لا أحد هنا سوى سوزان، فلماذا لا أطلب منها المكوث؟ وهي من سيشعرني بالأمان، لكنها ظلت تسير، وكأنها لم تسمعني، لم أكن أتحمل أن تغادر وتتركني مع هذين الوجهين اللذين أراهما كلما رمشت عيناي، في ظلام تلك اللحظة بين الإبصار والإظلام، لقد طُبعا في ذاكرتي، كررت بصوت يرجو أن تبقى، وصلت إلى الباب أغلقته واتكأت عليه، ونظرت إلي وقالت: "لم أكن أنوي أن أغادر، لكنني أردت أن أمنحك الهدوء، البعض منه، ثم فتحت حقيبة كبيرة، وأخرجت عشـر شموع كبارِ الحجم، وزعتهم على المناضد في الغرفة، ثم عشـر أُخرى أخرجتها من الحقيبة، وزعتهم على أرض الغرفة، وأخذت علبة ثقاب، بدأت تُشعل الشموع واحدة تلو الأخرى، هكذا حتى انتهت.

ثم سألتني: "هل أنت مستعدة؟" لم أعرف عن ماذا تتكلم فسألتها لتجيبني بما زاد حيرتي.

-"مستعدة لتعيشي عالم الأحلام، يجب أن تتخلي عن كل ما له علاقة بالحقيقة، هذه الأضواء حقيقة فقط".

تحركت برشاقة بين الشموع، حتى وصلت لمفتاح الإضاءة وأطفئتها، فبدا وكأن الغرفة تسبح ببحر من الضوء الخافت، يتماوج من كل شمعة، لم تكن العتمة شديدة، بل يشبه الضوء بعد الغروب.

لم أشعر بالخوفسوى للحظة كانت عندما أطفأت الأنوار، ظننت أن العتمة سوف تعود، لكن الإنارة التي انبعث من الشموع كانت بجمال الغروب، ولها رائحة عطرة، بعيدًا عن رائحة المشفى التي اعتدتُها، ابتسمت وارتاحت أعصابي كما لم أفعل من قبل، فتلك الأحلام لا تأتيني دائمًا، ربما مرةً كل أسبوع، وأحيانًا كل أسبوعين، صحيح أنها تأتني في بعض الأحيان لأيام وأيام، لكن هذا نادرًا ما يحدث، وتُلزمني الفراش على الأقل يومًا كاملًا حتى أشعر بالاسترخاء، لكني أظل متعبة طوال ذلك اليوم، مع أنه لم يمض أكثر من نصف ساعة لكني كنت أفضل بكثير.

-"الآن ما هو الحلم الجميل الذي رأيته؟"يا إلاهي كلما تكلمت هذه الطبيبة عرفت أن في عقلها مسٌ من الجنون.

-"هل كان هذا الذي استيقظت منه كالمجنونة حلمٌ جميل؟"

-"لا، أنا لا أقصد ذلك، معظم الكوابيس قبل أن نراها تبدأ بحلمٌ جميل، فيأتي الكابوس ليتسلل من هذا الحلم ليحوله إلى كابوس". بدأت أفهم وتذكرت قاعة الرقص، فأجبتها بمجموعة أسئلة لم أستطع صياغتها بشكلٍ صحيح، لكنها أجابتني

-"إنه ليس ذكاء، بل فَكِّري، عندما نمت هل كنت تشعرين بهذه التعاسة التي استيقظت بها؟ طبعًا لا وإلا لكان الكابوس غزا أحلامك منذ البداية، القصة هكذا:

تذهبين إلى النوم ربما تكونيين سعيدة لايهم، ما يهم أن أيًا منا عندما يذهب للنوم ينظر الغد، ينتظر المستقبل بأمل حتى في أكثر النفوس تشاؤمًا يظل الأمل بالغد، هذا الأمل (حقيقة) يصعُب على الكوابيس اختراقها، فتبدأين ليلتك بحُلمٍ جميلٍ، هو وليدُ الأمل، تسبحين في عالم الأحلام الجميلة، هنا يكون الأمل الحقيقي قد أصبح حُلمًا جميلًا، فالحُلم الجميل بكل جماله ليس إلا خيال، والخيال وهم، هنا يأتي الكابوس ليخترق جمال الحلم،فيسهل عليه الأمر الآن فالوهم يسهل اختراقه فهو ليس كالحقيقة.

يحطم الكابوس هذا الحلم ويخترقه،لذلك أسألك مرةً أخرى ماذا كان حُلمك الجميل سالي؟

لم أعرف كيف وصلت لهذه الاستنتاجات، لكنها حقيقة على الأقل هذا ما حدث معي اليوم، فسـردتُ لها ذلك الحلم أخبرتها كان جميلًا ذلك العالم حيث حلبة الرقص والفتى زورو، وأنني كنت فتاة زورو كما قال، وكيف دعاني للشـرفة لإستنشاق الهواء ولم أشعر بنفسـي كيف أكملت السرد، ووصلت لسرد قصة الجريمة فنزلت من دمعة من عيني، لم أعرف كيف تسللت من مقلتي، لم أشعر بها إلا بعد أن هبطت على يدي، وكأنني استيقظت فجأة فوضعت يدي على فمي، وأنا في أشد حالات الحيرة، فسألتها: "كيف استطعت استدراجي للحديث عن هذا؟"

قالت: "سهل، لقد بدأت بالحديث عن شيء جميل أحببتِه فلم تشعري بنفسك وأنت تتابعين سرد الأحداث، فأنت أحببت الطيران، والجدة في ذلك البيت، والأم القلقة على ابنتها التي وقعت بغرام ذلك الشاب، أنت فقط لم تحبي النهاية، هذا كل شيء، فعندما وصلتِ لما جرى للفتى استيقظت وتساءلت كيف أخبرتني بالقصة؟ مع أنك كما أعرف لم تبوحي لأحد عما تشاهدين في تلك الأحلام، وهذا فقط هو الذي أخر علاجك كل هذه المُدة، فلو سألتك منذ البداية عن الحلم الذي أزعجك لتذكّرتي قتل الفتى في إحدى ضواحي المدينة، وهذا بحد ذاته لن يجعلك تتكلمين عن أي شيء، وكنت ستبقين طوال حياتك صامتة عن كل ما لا تطيقينه من أحلامك.

بقي شيءٌ واحد، هو أن أقول لك أن ما ذكرته على قدرة الكابوس على التسلل من الحلم الجميل هو من عندي، هذا لا يعني أنه غير صحيح بل أنه غير معترف به بعد، أي أنه مشروع أدرسه، صحيح أنني أؤمن به لكن لا أعرف غيري يؤمن به، لكنه كان مدخلا جيدًا لنبدأ منه".

قلت: "أنا أؤمن به، فعلا إنه صحيح، أظن أن كل أحلامي بدأت بشكل جميل ثم تحولت".

قالت: "أنا آسفة، يبدو أنك لم تفهمي ما قصدته، أنا لم أقصد الأحلام، بل الكثير يؤكد ذلك، لكني أقصد تفسير ذلك، وهو يحتاج إلى الكثير من الدراسة لأخرجه للعالم ليُبدي الرأي فيه؟

بدأت أشعر بالنعاس، كدت أن أتثاءب، لكنني استطعت كبت ذلك، لكن سوزان لم تفلتها ، فبدأت تطفئ الشموع، لكنها تركت لي اثنتين على طرفي السرير قربي لتؤنسا ظلمة الغرفة.

الصفحات