أنت هنا

قراءة كتاب ملاك الحقيقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ملاك الحقيقة

ملاك الحقيقة

كتاب " ملاك الحقيقة " ، تأليف ضحى الرفاعي .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: ضحى الرفاعي
الصفحة رقم: 8

8
رسالة إلى بوليس

تلك الرسائل التي ترسل لرجال الشرطة من مجهول تكون لغزًا إضافيًا للغز الجريمة ذاتها

كيف يتوقع مرسلها أن رجال الشرطة سيهملونه، وكيف يتوقع أن يهتموا بهام الم يهتموا بمرسلها نفسه.

هنا تعتمد قاعدة ما بني على صواب فهو صواب.

بقيت مسترخية تفكر لبعض الوقت ثم فتحت عينيها وقالت: "إليك صدمة، لكنك ستتحملينها ". لم أفهم شيء من كلامها، لكنها فتحت حقيبتها الحمراء الكبيرة وأخرجت منه صحيفة اليوم، وفتحت على صفحة الحوادث، كان هناك خبرًا، بالخط العريض عن وفاة إبن أحد رجال الأعمال البارسيين الليلة الماضية، لم أفهم شيء، وما شأني أنا؟لم أكن أعرفه بل لا أعرف في باريس غير والدي وهو ليس له أبناء غيري. قالت: أنت لم تفهمي قصدي، فلا بد لك من قراءة التفاصيل، كانت تتحدث بالبداية عن مدى ثراء هذا الشاب ثم بدأت بتفاصيل عن القتيل:

أثبتت التحقيقات أنه قضى السهرة مع فتاة وقع في غرامها، شوهدا على ضفة النهر الشرقية يتمشيان قرب أحد الجسور ويتبادلان القبل، وقالت تلك الفتاة التي تنحدر من أسرة فقيرة ،أنهما ظلا معًا حتى منتصف الليل، عندما قررت العودة للبيت فوالدتها شديدة القلق عليها ، وأنه أوصلها إلى البيت حيث كانت والدتها تنتظرها لتناول العشاء معًا كما اعتادت ، ورأته وهو يغادر الزقاق ، ثم لم تره بعد ذلك ، إلا أن الجريمة ارتكبت تماما تحت المنزل في نفس الزقاق ، مما أدى إلى القبض على الفتاة ، ولا زال البحث جارًا عن الشركاء.

فرميت الصحيفة وصرخت بأعلى صوتي: "لا، هي لم تفعل ذلك".

قالت: "نعم أعرف بما تشعرين، لكن كما عرفنا من كلام علِّي و خبر الصحيفة أن أحلامك ليس فقط كوابيس كما ظننا، بل حقيقة لكن لا أحد من رجال الشرطة سيصدق فتاة في مستشفى للأمراض النفسية".

نكست رأسي و بكيت، بكيت فتاة تبكي حبيبها ويراها الجميع قاتلته، بكيتُ أمها وأخاها الصغير.

قالت: "لكن يوجد حل لهذه المشكلة وهو بسيط، يجب أن تملي عليّ وصفًا كاملًا لشكل الرجلين, فأنا ماهرة برسم الوجوه، سأرسم وجها الرجلين، و ستكتبين أنت رسالة للشرطة تصفين أدق تفاصيل الجريمة، ستذكرين بعض التفاصيل التي لم تذكر بالصحيفة كوجود طفل في الرابعة من عمره و الجدة في البيت المقابل ومكان الطعنة، كل هذا سيجعل المحقق المسؤول يصدق أقوالك وإن كان المجرمان معروفين ربما جعلوهما يعترفان، هكذا لن يكون هنالك داعٍ لوجودك والإدلاء بشهادتك لتبرأة الفتاة.

نعم الكلام سهل كان هذا ما شعرتُ به بعد أن بدأت الوصف،لم يكن الأمر سهل، بل كان مقيت ليتني لا أفعل، لكن هذا ضروري لأجل تلك الفتاة، حاولت تذكر كل التفاصيل، العينين الأنف الشعر وكان أحدهما يمتلك علامة على رقبته، جرحًا طويلًا يختفي امتداده تحت قميصه، والرجل الآخر أصلع، وهنالك وشم على يده اليمنى لطائر جارح كبير ثم كتبت رسالة ألحقناها مع الرسومات.

وبدأنا بالخطة وكانت بأن أقوم بكتابة الرسالة وإلحاق الرسومات التي بدت كالحقيقة، حتى أنني اضطررت لضبط نفسي كي لا أمزقهم، وسافرت سوزان في المساء لباريس على أن تعود عند المساء من اليوم التالي.

تركتني لأعود إلى أفكاري، لم أصدق نفسي، أنا لا أعرف بعد ما هو الحب، لكن علِّي هو كل ما أملك، هل يشعر بشيء؟ ما هو يا ترى؟ لقد قال علِّي شيء عن أنه لم يذهب لهذا النوع من الحفلات منذ قصته مع ماريا، هل بدأ حقا يبحث، إذًا هو لا يفكر بي، نعم لكن هل يريحني هذا؟ ربما لأملك فسحة للتفكير قليلًا في الأمر، فأنا أظن أنني لا أستطيع رفضه إن عرض علِّي حبه، إن أصعب تجارب الحب تلك التي تنشأ مع الأصدقاء، فهي بذاتها تهديدٌ لتلك الصداقة، هو عيني على الدنيا، لكن لو أن سوزان تأخذ مكانه لبعض الوقت وتحضـر لي الكتب والصحف والمجلات، هل أستغني عنه؟ أنا أحب وجوده قربي، لكني لا أريد أن أفقد صداقته، فكيف سيصبح حالي إن كان يحبني وفشل الأمر؟ سأخـسره، نعم فصداقته هي الأهم لي، قررت أن أطلب من سوزان إحضار هذه الأشياء لي، فكتبتُ لها ورقة وسأنتظر أن يمر أحد الممرضين وأرسلها معه، وضعت فيها أسماء بعض الكتب والمجلات والأفلام.

كنت متأكدة أن علِّي لن يحضـر لاصطحابي، لكنني كنت مخطئة، فبعد أن كتبت الورقة وطويتها رأيته من بعيد، أستطيع أن أميزه حتى في الظلام، وقف في مواجهتي وابتسم لي، أراد قول شيء لكنه عدل عن ذلك ففتح فمه ثم عاد وأغلقه، دار خلفي وقاد الكرسي بهدوء، لم أستطع كبح دموعي، أنا لا أريد أن أفقد أعز صديق لي.

عند البوابة شاهدتني سوزان أخفيتُ دموعي وأظن أني نجحت، جاءت إليّ وسألتني إن كنت أريد شيء من المدينة فأخرجت الورقة، أخذتها وذهبت، ثم تابع علِّي السير، سألني ما هذه الورقة، فأخبرته بشأنها، فلم يعلق على الأمر.

وصلنا الغرفة لكنه لم يدخل، ظل يقف قرب الباب، ثم غير اتجاه الكرسي لأواجهه وجلس على ركبتيه ونظر لي، كان كمن يريد مهاجمتي، لكنه ضعف عندما رآى دموعي، فلم أعرف لم، لكنه ضمني وبدأ يبكي هو أيضًا، بكينا كثيرًا، ثم أدخلني الغرفة وغادر دون أن ينطق بأي كلمة.

وأنا أيضا لم أكن مستعدة لأي حديث طويل كان أو قصير، نمت تلك الليلة دون أحلام من أي نوع، كنت أشعر وكأنني استيقظت بعد لحظات من نومي، ودهشت عندما رأيت النور يعم العرفة، قررت أن أبدأ الزحف لا لساعة كما هو مفروض بل حتى يحين وقت الإفطار أي قرابة الثلاث ساعات، فقد استيقظت مع الفجر تقريبًا ثم سحبتُ الكرسي وشددت المكابح على عجلاته وحاولت الجلوس لوحدي ولأول مرة، كنت مجهدة، وعندما فتحت عيني وجدت علِّي يقف ومعه وجبة الإفطار وكان متجمد عند الباب، حاولت تلطيف الجو، بعدما كان بالأمس، فابتسمت: "صباح الخير، منذ متى وأنت هنا؟"

فكأنني فككت عنه تعويذة كانت تربط جسده، فسار بالغرفة ووضع الطعام على المائدة، وعاد وفك المكابح عن العجلات، ثم سحبني للمائدة، وجلس أمامي.

-"منذ أن صعدت الكرسي بعد أن زحفت كل هذه المسافة".ثم توقف وشرب نصف كوب من الماء.(وكأنه يريد حجة كي لا ينظر لي).وتابع: "لماذا؟ هل أزعجتك بشيء؟"ضاقت نفسي، صرت أسبب له الألم، وهذا ما لم أكن أريده، لكن يجب أن أثبُتَ حتى أعرف ماذا أريد على الأقل.

-"إذا فقد أزعجتك، قولي لي ماذا فعلت؟"

-"لا لم تفعل، ولن تفعل في حياتك، أنت كل شيء لي، أنت أعز صديق، لا بل أنت صديقي الوحيد".

-"لكنك غير مرتاحة".

-"و أنت أيضا".

-"نعم، لكنني لا أستطيع أن أقول لِمَ، لأنني أتخبط ولا أعرف الأجوبة، ولن أحيرك معي".

-"حسنًا لكنني أريد أن أرتاح وهناك ما سيريحني، هل تفعله لأجلي؟ قل؟ هل تفعله؟

-"نعم فأنا أيضًا أريد أن أريحكِ بأي ثمن".

-"لن أطلب الكثير، أريد أن تعدني أن نظل أصدقاء طوال العمر، ومهما حصل، حتى لو تزوجت من زوجة غيورة جدًا، لا تجعل أي شيء يبعدك عني مهما حصل، إلى الأبد".

-"أتريدين أن أعدك بذلك؟ نعم سأعدكِ، لكن لنؤدي القسم معًا فأنا أيضًا أريد منكِ الوعد ذاته".ووضع يده في يدي:

فرت دمعة من عيني فمسحها بيده وسألني: "لماذا تبكي الآن؟ ألم تقولي أن هذا ما سيريحك؟"

-"نعم أراحني لكن، سأخبرك ولا تضحك علِّي"

-"أضحك! منذ البارحة نسيت كيف أفعل ذلك"

-"لقد تذكرتُ رواية أحضرتها لي يومًا، تَذْكُر أزميرالدا وقبرها، في نهاية الرواية يقول "هوجو" في روايته أنهم أرادو نقل المدافن فوجدوا جثتين لرجل أحدب وامرأة يمسكان بأيديهما بالقبر، لقد بكيت كثيرا عندما قرأتها، هل تظن أن الموت قد فرّق بينهما؟"

-"لا، لم يفعل".

الصفحات