كتاب " تنوعات السرد وتقنياته عند أدباء الخليج " ، تأليف مصطفى الصوفي ، نقرأ من اجواء الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب تنوعات السرد وتقنياته عند أدباء الخليج
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفضاءات النفسية لصور البحر في قصص * أدباء الجزيرة العربية والخليج *
الطبيعة في الجزيرة العربية تحاصر الأدباء والمبدعين بين بحر من ماء أجاج من الأمام، وبحر من رمال ثائرة من الخلف، فيقف الأديب في حالة من الحيرة والتشتت والتردد؛ يعاني من مرارة الاختيار بين أمرين أحلاهما مر؛ فالصحراء تحمل كثيراً من السحر والوداعة والجمال, وكثيراً من القسوة والجفاف والثورة؛ أما البحر فيملك مزيداً من العمق والرحابة والروعة، والجنون الجارف .
والذي يتابع ويدرس القصة والرواية في الإمارات يلحظ حضور البيئة فيها بوضوح، فللبحر والنفط حضور بارز في الرواية والقص، فهما يمثلان علاقة ضدّية بين الماضي والحاضر.
وقد لاحظ ثابت ملكاوي أن "بيئة البحر، بعلاقاتها الاجتماعية، أكثر حضوراً في القصة القصيرة، سواء بحضورها المباشر أو باستدعائها من الماضي كبيئة غير منظورة ولكنها تلح على الذاكرة حين تصطدم الشخصية بالبيئة النفطية الحاضرة"، ويرتبط كل أديب مع هذه العناصر بوشائج من العشق والهيام الساحق, والتعلّق المؤلم بالهيجانات العاطفية التي تعتلج في أعماق النفس, فتنعكس بوحاً هامساً أحياناً أو
صارخة أحياناً أخرى, على شكل قصيدة شعرٍ عاطفيةٍ حزينةٍ أو قصةٍ رومانسيةٍ مؤثرةٍ, تعبّر عن المعاناة والوجع والقلق والتوجس, وتتكون على شكل معادلات موضوعيّة لمؤثرات الواقع الطبيعي والاجتماعي, وصور فنية جميلة, تعبّر عن التمزق والاضطراب والحيرة والضياع والتوجس, من مستقبل يكتنفه الضباب والعتمة والمفاجئات؛ فلا شيء واضح محدِّد غير ملامح باهتة مفتوحة على كل الاحتمالات؛ هكذا يعيش الأدباء في الجزيرة العربية ودول الخليج العربي, في حالة تمزُّق داخلي متوتر, ويغرقون في معمعة من التشتُّت الانفعالي والعاطفي, بين عناصر البيئة المحلية الطبيعية المتميزة ( سماء – ماء – رمال– صلابة- جفاف) .
من خلال هذه الفضاءات النفسية اللاَّمحدودة نتعرف على دلالات صور البحر ( البعد المكاني) في قصص بعض الأدباء والمبدعين في الجزيرة العربية ودول الخليج العربي:
ـ نرى فضاءات البحر عند القاص جمعة فيروز: من خلال العلاقات السائدة في مجتمع وفي عصر سادت فيه النظرة المادية الاستهلاكية، وبؤس العلاقات الإنسانية جعلت القاص يلجأ إلى البحر ليجعل منه معادلاً رمزياً للواقع، فالقاص عرف البحر منذ يفاعته وعايشه بثورته وسكونه ونبض موجاته، فجعل منه رموزاً ودلالات شملت جميع أحوال الحياة بجمالاتها ومآسيها وآمالها وإحباطاتها.