أنت هنا

قراءة كتاب زمن القهر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
زمن القهر

زمن القهر

رواية «زمن القهر» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت_عمّان)، للروائي هشام صالح عبدالله، وهي رواية مستوحاة من أحداث حقيقية الكثير من أبطالها وشخصياتها حقيقيون، أما الشخصيات غير الحقيقية فليست بعيدة عن الواقع وهي مستلهمة من أعمال العديد من المن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
-1-
 
الأيام التي سبقت الثورة
 
أواخر صيف العام 1935، وقف شابان قرب رصيف ميناء حيفا، الأول شاب يرتدي ملابس بسيطة مثل العديد من القرويين العاملين في الميناء أو في مصفاة البترول، حاسر الرأس، في حوالي العشرين من عمره، متوسط القامة قوي البنية، ما كان مظهره العام ليثير انتباه أحد· إلا أن من يمعن النظر فيه، يرى سمات التمرد والاعتداد بالنفس· والثاني رجل تجاوز الثلاثين، أطول قامة ويبدو من ملابسه أنه ميسور الحال· وقفا يراقبان سيلا من الوجوه الغريبة يتدفق نازلا من الباخرة الراسية يحيط بهم عن بعد عدد من الجنود البريطانيين· علق الأكبر سنا دون أن يوجه حديثه إلى الشاب الواقف إلى جواره
 
- الدار دار أبونا وأجو الغُرب يطحونا·
 
- أتمنى لو أن بيدي مدفعا لأنسف هؤلاء جميعا· قال الأصغر بلهجة كشفت أنه قروي رغم محاولته إخفاء ذلك، وهو يشير إلى جموع المهاجرين اليهود النازلين من السفينة·
 
- هؤلاء لا أهمية لهم· قال الأول موجها حديثه إلى الشاب الواقف إلى جواره هذه المرة· السفلة الحقيقيون هم هؤلاء، وأومأ برأسه إلى الجنود البريطانيين·
 
ثم التفت فجأة إلى الشاب قائلا:
 
- أنت تعمل في الريفايناري (مصفاة البترول) أليس كذلك؟ رأيتك اليوم عندما تشاجرت مع مسؤول العمال اليهودي· وقبل أن يسمع رده عاجله بسؤال آخر، ايش اسم الأخ؟ ثم اضاف معرفا على نفسه، محسوبك مصطفى·
 
- أنا مسعود· أنا أعرفك فأنت موظف في إدارة الريفايناري·
 
- من أي بلد، بلا زغره؟
 
- أنا من قضاء نابلس·
 
لم يجد مسعود بأسا من تبادل حديث عابر مع هذا الشاب، فهو يعرفه من بعيد، بوصفه موظفا في المصفاة وليس عاملا، وواحدا من الشبان الوطنيين الناشطين ضد الانتداب البريطاني والهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومن المحرضين على التظاهرات والاحتجاجات، وقد اعتاد رؤيته في مكان عمله، كان محط احترام وتقدير الكثيرين، يكاد لا يتوقف عن توعية الزملاء في العمل بالخطر المقبل، والحديث عن تهريب اليهود للسلاح بتواطؤ مكشوف من الإنجليز لتحقيق وعد بلفور بإقامة الوطن القومي اليهودي· توقف الحديث عند هذا الحد واستدار الشاب الأصغر سنا متوجها إلى مقهى ساحلي اعتاد الذهاب إليه بعد انتهاء عمله لتناول كوب من الشاي، والاستمتاع بهواء البحر العليل والموسيقى الرتيبة التي تعزفها الأمواج· في حين مضى الشاب الآخر مبتعدا في طريق آخر·
 
أحب مسعود ذلك المقهى رغم مضايقة بعض البحارة وصيادي الأسماك له· وقد اعتاد الجلوس منفردا بعيدا عنهم وتجاهل تعليقات مجموعة منهم تسخر منه بوصفه فلاحاً بسيطاً· وكانت تعليقاتهم تكثر وتزداد حدة عند تواجد عصبة كبيرة منهم، خمسة أو ستة أشخاص، أو جلوسه قريبا منهم، وتقل أو تنعدم حين لا يكون هناك سوى اثنين· ولم تكن تنبيهات صاحب المقهى تفلح في إسكاتهم وتركه وشأنه، وينتهي الأمر في معظم الأحيان بجلوس مسعود بعيدا أو خروج مثيري الشجار من المقهى·
 
كان يوما مثل باقي الأيام حين دخل مسعود المقهى ليجد ثلاثة ممن اعتادوا السخرية منه يجلسون مع وجهين جديدين إلى إحدى الطاولات يتحدثون ويقهقهون· ما أن ظهر عند المدخل حتى غمز أحدهم بعينه لواحد من الاثنين الجدد وقال مخاطبا الآخرين بصوت تعمد أن يصل إلى الشاب،

الصفحات