رواية «زمن القهر» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت_عمّان)، للروائي هشام صالح عبدالله، وهي رواية مستوحاة من أحداث حقيقية الكثير من أبطالها وشخصياتها حقيقيون، أما الشخصيات غير الحقيقية فليست بعيدة عن الواقع وهي مستلهمة من أعمال العديد من المن
أنت هنا
قراءة كتاب زمن القهر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
لم يأت مسعود إلى حيفا لحاجة إلى العمل، فوالده ميسور الحال يملك أراضٍ ومواشٍ توفر لأسرته المكونة من ستة أولاد وزوجتين حياة يحسدهم عليها الكثيرون· بل جاء هربا من المشاكل والمشاجرات التي لا تنقطع مع إخوته الأربعة غير الأشقاء، والتي تفاقمت أكثر بعد أن هجر والده زوجته الثانية، أم مسعود، وصارت الخلافات بين الضرتين تنعكس خلافات وكراهية بين الأبناء· وزاد من حدة الخلافات الروح الصدامية لدى مسعود وتمرده ورفضه القبول بالتمييز في المعاملة بينه هو وشقيقه ووالدته وبين إخوته غير الأشقاء ووالدتهم، والإحساس بأنه منبوذ من والده، أقرب الناس إليه، وأن مشاعر التعاطف والود التي يفترض وجودها بين الأب وأبنه تكاد تكون معدومة بينهما· لذلك نصحته عمته أن يبتعد درءا للمشاكل، فربما إذا هدأت فورة الشباب، ونضج وسيطرت رجاحة العقل، يجد وسيلة للتفاهم مع إخوته، ووالده· فشد الرحال إلى حيفا·
لم يصدق مسعود حكاية مرور مصطفى صدفة قرب المقهى الساحلي، ولم يغب عن ذكائه أنه قد تعرف إلى مجموعة من أنصار الشيخ عزالدين القسام، الذين كان الناس يتحدثون عنهم، دون أن يعرف مدى مناصرتهم له· لكنه انجذب إليهم، فقد أعجبته أحاديثهم، وصبهم اللعنات على الخونة والجواسيس وباعة الأراضي والسماسرة علاوة على الإنجليز واليهود الصهاينة، والوسائل الشيطانية التي يتبعونها لسلب العرب أراضيهم· صار الذهاب إلى ذلك المقهى بمثابة متنفس لمسعود، ما أن ينهي عمله حتى ينطلق إليه للقاء الأصدقاء·
توثقت معرفته بالشباب فعرف أن مصطفى تتلمذ على يد الشيخ عزالدين القسام في المدرسة التابعة للأوقاف الإسلامية في حيفا، وأنه حصل على شهادة الدراسة الثانوية، وبعض التعليم العالي في مصر، وهو علاوة على ما حصل عليه من تعليم، شاب مثقف قوي الحجة، ومحدث لبق، هادئ الطبع يعامل الجميع باحترام واضح ما جعل منه قائدا طبيعيا لهذه المجموعة الصغيرة· وعرف أن جميل يحضر دوما الدروس الوطنية التي يلقيها الشيخ القسام· وأن الشبان يذهبون كل يوم جمعة للصلاة وسماع خطبة القسّام في جامع الاستقلال في حيفا· أعجبته أحاديث أصدقائه الجدد عن الجهاد والدفاع عن الدين والوطن والأرض·
تعرّف مسعود إلى اسماعيل، وهو رجل تجاوز الثلاثين من عمره، يبدو من خشونة يديه أنه فلاح حقيقي رغم تخليه عن ملابس القرويين المعتادة، دون أن يتخلى عن الكوفية والعقال· كان ذو شخصية صعبة، قليل الكلام، يجيب باختصار شديد إذا سُئل، وقليلا ما يتحدث أو يتدخل في الحديث، وإن بدا واعيا لكل كلمة تقال، يتابع بعينيه كل ما يدور حوله· ولم يخف على مسعود أن له مكانة مميزة وسط المجموعة، وزاد إعجابه واعتزازه بالأصدقاء الجدد عندما لمح في أحد الأيام مسدسا يخفيه اسماعيل في حزامه، تحت القميص الذي يتركه مسترسلا في بعض الأحيان، ما أيقظ روح المغامرة في صدر الشاب الفتي· وتناما لديه شعور بأن أصدقاءه أعضاء في إحدى الخلايا السرية التي يتحدث عنها الناس والتي تقاوم سلطات الانتداب، وشعر بالفخر لصداقته لهم· وتساءل في نفسه عما يفعلونه حقيقة، هل يشتبكون مع اليهود في المظاهرات أم يهاجمون المستعمرات اليهودية! هذا ما لم يستطع الإجابة عليه· وفي أحد الأيام أنفرد به مصطفى في المقهى وبادره بسؤال غير متوقع:
- مسعود، هل لديك سلاح؟
- نعم، معي موس كبّاس·
- أقصد سلاح ناري، مسدس أو بندقية؟
- من أين لي أن أحصل على مسدس أو بندقية؟
- أنا أستطيع أن أتدبر لك مسدسا كي تتدرب عليه، فإذا أردت أن تحمل مسدسا فلا بد أن تحسن استخدامه·
- أنا أستطيع استخدام السلاح، وقد سبق لي أن استخدمت بندقية الصيد التي لوالدي، ومع ذلك أتمنى أن أتدرب على استخدام السلاح، وأن أحصل على مسدس· رد مسعود بحماس·
- هل تعلم أن حمل السلاح هذه الأيام مسؤولية؟ إذا قبض عليك فقد تصادره السلطات، وتتعرض لمشاكل كثيرة·