أنت هنا

قراءة كتاب زمن القهر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
زمن القهر

زمن القهر

رواية «زمن القهر» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت_عمّان)، للروائي هشام صالح عبدالله، وهي رواية مستوحاة من أحداث حقيقية الكثير من أبطالها وشخصياتها حقيقيون، أما الشخصيات غير الحقيقية فليست بعيدة عن الواقع وهي مستلهمة من أعمال العديد من المن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
- لعلمك، صارت هذه موضة· الغالبية العظمى من الناس يرفضون بيع أرضهم لليهود رغم كل الإغراءات والتهديدات، لكن بعض ضعاف النفوس، خاصة من غير أهل البلد، من المقيمين في الخارج، وأقول المقيمين في الخارج لأن ارتباطهم بالأرض ضعيف، صاروا يورطوا أنفسهم بالدين عمدا، أو يتظاهروا بالتورط بالدين، ويرهنوا الأرض لكي تباع بالمزاد· وسلطة الانتداب تسهل ذلك وترفض سن القوانين التي تمنع بيع الأرض للأجانب· بل أن جميع القوانين التي أصدرتها سلطة الانتداب هدفها نزع الأراضي من العرب وتسليمها لليهود· طبعا ليست كل الأراضي مثل وادي الحوارث، ولا مساحتها 30 ألف دونم· وهناك أيضا أناس يبيعون أرضهم لليهود مباشرة·
 
صمت مصطفى ونظر إلى الشاب الجالس أمامه الذي بدا مهتما بالمعلومات المفصلة والأفكار والتعابير الجديدة التي يتفوه بها محدثه، أراد أن يطرح عليه السؤال الذي من أجله جاء به إلى هذا المقهى· لكنه تمهل وقرر قبل أن يعرف رأي الشاب الجالس أمامه بقضية بيع الأراضي أن يشحنه بجرعة قوية أخرى تدور حول الموضوع نفسه،
 
- هل ترى الشاب الجالس أمامه، هذا جميل أصله من منطقة الجليل، طرد مع أهل قريته وسكان عدد من القرى تلك المنطقة عندما باع تاجر من بيروت أراضي مرج ابن عامر للصندوق القومي اليهودي، قبل 15 عاما··· هل تعرف كم تبلغ مساحة مرج ابن عامر؟ 230 ألف دونم· كان هؤلاء الناس يعيشون عليها ويعملون فيها منذ قرون عديدة، طردوا طبعا بالتعاون مع الإنجليز· جميل كان صبيا صغيرا عندما حدث ذلك، وقد لجأ مع أهله وأناس كثيرون إلى منطقة حيفا والقرى المحيطة بها، هو وأهله استقروا في بلد الشيخ وهو يقيم هناك منذ ذلك الحين·
 
صمت مصطفى لحظة قبل أن يفجر السؤال الذي اصطحب هذا الشاب إلى المقهى من أجله،
 
- ايش رأيك يا أخ مسعود في من يبيع أرضه لليهود؟
 
- هذا لازم ينطخ طلقين في صباحه· رد مسعود بحدة وحماس·
 
- أليس كذلك؟ هذه الأرض وطننا· والوطن يا أخ مسعود لا يباع·
 
بدا مصطفى راضيا عما سمعه من الشاب الجالس أمامه، ويبدو أنه اكتفى من الحديث عن بيع الأراضي فغيّر موضوع الحديث قائلا:
 
- شوف يا أخ مسعود، نحن نأتي إلى هنا لمتابعة آخر أخبار البلد، ما يحدث في القدس ونابلس والخليل وصفد، وغزة، كل فلسطين· هذه بلدنا، واليهود طامعين فيها، فليس أقل من أن نعرف ما يجري· في بعض الأحيان نحضر جريدة أو منشور للقوى الوطنية، ونقرأه أمام الجميع، بعد انتهاء دوامك تعال اشرب كوبا من الشاي وتحدث مع الإخوان· ثم قطع حديثه ونهض قائلا، تعال أعرفك على بعض أصدقائنا، حتى إذا جئت ولم تجدني تجد من تتحدث إليه·
 
- هذا ضاحي تبع وادي الحوارث، وهؤلاء جميل، وعبدالرحمن، وصالح، واسماعيل، كثيرون منهم من أبناء منطقتك، من قرى نابلس أو جنين· ثم استدار يعرّف الشباب على القادم الجديد، وهذا مسعود زميلنا في الريفايناري، وهو من قضاء نابلس من منطقتكم يا أخ اسماعيل·
 
صافح مسعود الشبان الخمسة، وأسعده اهتمامهم الواضح به· وشعر بالزهو لأن مصطفى كان يخاطبه باحترام، ولا يدعوه باسمه مباشرة من دون إضافة كلمة أخ· فهو لم يعتد أن يخاطبه أحد بهذه الطريقة· الطريقة التي حدثه بها مصطفى والشباب الآخرون، أشعرته بأهميته·
 
بعد جلسة مع الشبان تعرف فيها عليهم، وتجاذبوا أطراف الحديث عن مواضيع عامة، العمل، واليهود، والإنجليز، والأوضاع السائدة في فلسطين ومعاناة الناس من سلطات الانتداب، ومن فظاظة الجنود الإنجليز· أشعرته الساعة التي قضاها معهم مستمعا إلى أحاديثهم معظم الوقت، بأن له مكانا في هذا الكون، فخرج منتشيا وكأنه وجد الهدف الذي كان يفتقده، ولم يدر في خلده قط أن هذه الزيارة القصيرة ستغير مجرى حياته إلى الأبد·

الصفحات