رواية «زمن القهر» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت_عمّان)، للروائي هشام صالح عبدالله، وهي رواية مستوحاة من أحداث حقيقية الكثير من أبطالها وشخصياتها حقيقيون، أما الشخصيات غير الحقيقية فليست بعيدة عن الواقع وهي مستلهمة من أعمال العديد من المن
أنت هنا
قراءة كتاب زمن القهر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
- الأمر الثاني يا مسعود، نحن عملنا سري للغاية، وما تعرفه أنت لا تطلع أحدا عليه حتى الإخوان الذين يعملون معنا· أي شيء تعرفه لا تخبر به أحدا، ولا تسأل أحدا عن شيء سوى الشخص المسؤول، يعني قائد العصابة· عيون سلطة الانتداب تلاحقنا، وإذا انكشف الواحد منا فلا سبيل أمامه سوى الفرار إلى الجبال، هذا إذا لم يقع في يد زبانية السلطة· لذلك يجب أن تواصل عملك كالمعتاد، وتبقى في مكان إقامتك كما أنت عامل عادي يسعى لكسب رزقه· وإذا تعارض عملك مع عملياتنا فاتركه وجد عملا آخر في الميناء مثلا· مستقبلا إذا تيسرت الأمور وتمكنا من جمع تبرعات فقد تتفرغ كلية للنضال، هل فهمت ما أقصد·
- نعم· قالها مسعود وهو يهز رأسه·
- جيد، مرة أخرى أؤكد عليك أن تصون لسانك، وتنتبه لتصرفاتك، فكلمة أو حركة واحدة قد تودي بك أو بأحد زملائك· ما تحدثنا به الآن لن يعلم به أحد، ثمة أمر آخر، حاول ألا تحضر أحدا من معارفك إلى مقهانا، اتفقنا؟ توقف مصطفى قليلا ونظر في عيني صاحبه وكأنه يؤكد ما قاله، ثم أردف، ها قد وصلنا إلى المقهى، وسوف نتحدث غدا في باقي الأمور·
لم يستطع مسعود النوم في تلك الليلة، بقي شاردا واجما، أثار وضعه انزعاج رفيقيه في الغرفة التي يسكنها، محمود وسليمان، وهما من أبناء قريته، فألحا في سؤاله عما به وعن سبب شروده، فاعتدل في جلسته، ونظر في وجوه أصحابه،
- الصحيح يا إخوان، أنا أفكر بالالتحاق بالثوار، لقد غاظني رئيس العمال قبل أيام، وأتمنى أن أحصل على مسدس أو بندقية لأنسفه·
- طوّل بالك يا رجل، أنت تعرفه، هذا واحد متعجرف وحقير ويعمل كل ما في وسعه لتطفيش العرب، وجلب يهود مكانهم· من الأفضل أن تبقى قاعدا على قلبه·
- لا أعلم، كلما فكرت فيه، وفي تصرفاته الحقيرة، أشعر أنني على وشك الانفجار·
- لست الوحيد الذي يعامله بهذه الطريقة، على الأقل أنت لا تسكت له·
- أنا أريد أن أخرسه وأمنعه من إيذاء العمال العرب الآخرين·
- يا مسعود إذا راح فقد يأتي من هو أحقر منه، أقعد واسكت، وخلي هالمركب ساير·
كان مسعود يكابد لكتمان ما حدث معه اليوم، وكانت تتملكه رغبة جامحة في أن يبلغ الجميع بما ينوي أن يفعل، وأن يحدثهم عن حقيقة مصطفى والشبان الآخرين، الذين سبق أن أتى على ذكرهم بشكل عابر كرفاق يتحدثون ويتسامرون ويلعبون الورق وطاولة الزهر· شعر بالراحة بعد أن أفضى بجانب مما يعتمل في نفسه، وما يرغب في فعله، دون أن يحنث باليمين الذي قطعه لمصطفى· وكان راضيا أكثر لأن زميلاه لم يأخذا ما قاله على محمل الجد· تمدد بعدها في فراشه وسرح بفكره بعيدا· أخيرا وجد الطريق التي يحقق فيه ذاته· تخيل نفسه بطلا يرى الإعجاب في عيون الآخرين، وشهيدا تزغرد النساء ويهتف الشباب تحية له· قال في نفسه نعم، هذا هو طريقك يا مسعود، وأي طريق آخر يمكن أن تسلكه في هذا الزمن الأغبر، هذا زمن الجنود والثوار وكل ما عدا ذلك لا قيمة له· ثم غلبه النعاس فنام ولم يصح إلا على صوت زميليه يوقظانه للذهاب إلى العمل·
نهض مسعود من فراشه مسرعا، غسل وجهه، ولبس ثيابه، وقبل أن يغادر الغرفة المتواضعة، التي يسكنها ويتقاسم أجرتها مع رفيقيه، إلى العمل أخرج جنيهات قليلة كان يخبئها في إحدى زوايا المكان ودسها في جيبه، وخرج مسرعا إلى عمله·
مضت الساعات بطيئة، وكان بين الحين والآخر يسأل عن الوقت، ما أثار استغراب العاملين معه· كان يتعجل انتهاء فترة عمله ليخرج إلى الشباب ويدفع النقود للحصول على المسدس· في النهاية حلت ساعة المغادرة· خرج مسرعا ووقف يجول بعينيه بحثا عن مصطفى، متأملا أن يكون قد تأخر في الخروج من العمل، لم يره، أسرع يغذ الخطى نحو المقهى، لم يجده هناك· سأل عنه فقالوا له أنه لم يحضر بعد، أراد أن يحدثهم عما جرى بينه وبين مصطفى لكنه تذكر اليمين الذي أقسمه وتأكيده بألا يحدّث أحدا بما ينويان عمله، فصمت وجلس بينهم يتحدث في أمور عامة·