رواية «زمن القهر» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت_عمّان)، للروائي هشام صالح عبدالله، وهي رواية مستوحاة من أحداث حقيقية الكثير من أبطالها وشخصياتها حقيقيون، أما الشخصيات غير الحقيقية فليست بعيدة عن الواقع وهي مستلهمة من أعمال العديد من المن
أنت هنا
قراءة كتاب زمن القهر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
حيا مصطفى عددا من الحاضرين، وسلم باليد على البعض الآخر، قبل أن يجلس إلى طاولة صغيرة في إحدى الزوايا نهض عنها شابان في حركة لم تخف على مسعود، كان واضحا أن الهدف منها إخلاء هذا المكان لهما· استرعت الحركة انتباهه، لكنه لم يعرها كثير اهتمام· طلب مصطفى كوبين من الشاي بعد أن جلس قبالة رفيقه، وحياه مرحبا به مرة أخرى، قبل أن يقول:
- شوف يا أخ مسعود، سأحكي معك بصراحة· أنا سبق وأن رأيتك يوم تشاجرت مع مسؤول العمال اليهودي شلومو· وعرفت أنك لست من النوع الذي تكسر لقمة العيش رقبته· كان في وسع شلومو أن يطردك من العمل لكنك لم تكترث ورددت له الصاع صاعين· وهذا ما أعجبني فيك·
- هذا شلومو كلب يستقوي على الضعيف، والذي في رقبته كوم لحم عليه أن يطعمها· رد مسعود مؤيدا كلامه·
- وكان من حسن حظي أن مررت اليوم صدفة قرب ذلك المقهى لأرى كيف تصديت لهؤلاء الصيادين والبحارة ولم تتراجع رغم تكاثرهم عليك وكنت كفوا لهم· صمت مصطفى قليلا ثم واصل حديثه، هذان الموقفان بينا لي أنك بالفعل قبضاي، وأن معدنك صلب·
- والله يا أخ مصطفى، أنا لا أحب المشاكل لكن هؤلاء اعتادوا الاستهزاء بي، جاء الفلاح، راح الفلاح، وكلام من هذا النوع· أنا واحد كافي خيري شرّي، قليلا ما اختلط بالآخرين· وجه لحالي، كما يقال· وكان يجب أن أوقفهم عند حدهم· قال مسعود شارحا موقفه·
- معك حق أخ مسعود، أنا لا ألومك، بالعكس، أنا أحيي فيك روح التصدي لمن يحاولون الإساءة إليك·
أعجب مسعود بتفسير مصطفى لموقفه، وأعجبته أكثر عبارة روح التصدي التي وصفه بها، فاعتدل في جلسته، وارتاح لما سمعه من إطراء محدثه، وبدا أكثر استعدادا للتواصل معه·
- تعرف يا أخ مسعود، قال مصطفى مغيرا مسار الحديث، أنا من إحدى قرى الساحل، وكان من سوء حظ بلدتنا أنها قريبة من إحدى الكبانيات (المستعمرات) اليهودية، أو بالأحرى، محاطة بثلاث كبانيات· وكأن مضايقات المستعمرين اليهود واعتداءاتهم ورصاصهم لا تكفينا، فقد تسلط علينا الإنجليز أيضا· لا يمر أسبوع من دون تفتيش واستفزازات· أنت تعرف استفزازات الإنجليز ونكايات اليهود· وكيف يضايقوننا لحملنا على التخلي عن أرضنا وبيعها لليهود· وقد رأيت باخرة المهاجرين الجدد في الميناء·
قاطعه مسعود قائلا،
- نعم أعرف هذا كله، رأيت الكثير من هذه المضايقات في قريتنا وسمعت عن أشياء مماثلة في القرى المجاورة·
- صحيح، عندكم استفزازات ومضايقات، لكن هناك شيء لم تعانوا منه بعد، توقف مفكرا قبل أن يواصل، وهو أنهم لا يطمعون الآن بسلب أراضيكم· ثم أردف، هل ترى الشباب الجالسين هناك؟ معظمهم فلاحين وكل واحد منهم أصابته لدغة من الإنجليز واليهود·
جال مسعود ببصره في الحضور، وفهم الآن ما قصده صاحبه بكلمة أمثالنا· وأدرك أنه في أحد المقاهي التي يتجمع فيها الشبان الوطنيون، معظمهم من القرويين، لمتابعة آخر ما وصلت إليه أخبار القضية· شرد بفكره قليلا قبل أن يتنبه إلى صوت مصطفى وهو يقول ويومي برأسه إلى شاب يجلس على طاولة مجاورة، أترى الشاب الجالس وظهره إلى الحائط؟ هذا صديقنا ضاحي من عرب وادي الحوارث· هل تعرف قصة وادي الحوارث؟
هز مسعود رأسه بالإيجاب، سمعت عنها، لكنني لا أعرف التفاصيل·
- هذه يا سيدي أرض يقال أن مساحتها أكثر من 30 ألف دونم، من أفضل أراضي فلسطين، كان يمتلكها شخص اسمه أنطون التيّان مقيم في الخارج ويقال أنه رهنها لحساب شخص فرنسي مقابل دين مقداره 42 ألف جنيه لما توفي صاحب الأرض طالب الفرنسي الورثة بسداد الدين· لكن لم يكن معهم ما يكفي للسداد فعرضت في المزاد، وطبعا، عندما تعرض في المزاد فسوف ترسو على اليهود لأنهم أقوى ماديا· حتى شركة إنقاذ الأراضي الفلسطينية لم تكن تملك مبلغا يوازي المبلغ المطلوب للسداد· الخلاصة، رست على الصندوق القومي اليهودي، وفي اليوم التالي جاءت شاحنات معبأة بالجنود الإنجليز وطردت الفلاحين العرب العاملين فيها، وشردت الفلاحين الذين أقاموا وعملوا فيها منذ مئات السنين
- 30 ألف دونم!! هذه مساحة بلد، لا، شو بلد، ثلاث بلاد· رد مسعود مستعجبا ومستهجنا·


