رواية "ظلال العشق" للكاتب غول شاه إليلك بانق، التي ترجمها إلى اللغة العربية محرم شيخ ابراهيم، نقرأ من أجوائها:
أنت هنا
قراءة كتاب ظلال العشق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
ظلال العشق
الصفحة رقم: 5
الليالي المظلمة ـ أسكيشهير/1988
في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل لم يعد للحبيبين قدرة على مزيد من الجدال، فجلسا متجانبين صامتين. لاشكّ أنهما مشغولان في العثور على كلمات تعنيهما على مواصلة الشجار. ما الذي يختلفان عليه يا ترى؟ ما عادا يذكران لماذا نشأ الجدال وكبُر إلى هذه الدرجة. في مثل هذه الأثناء كثيراً ما تنشأ بينهما ملاسنة تبدو مجهولة السبب، في حين لابدّ أن يكون لها سببٌ خفيٌّ. هي ملاسنات لا يُعرف فيها فائزٌ أو محّق. كان الجدالُ بينهما يفتر فقط حين يضنيهما الصراخ في وجه بعضهما أو يعيا كلّ واحدٍ منهما في أن يثبتَ أنه على حقّ. في تلك الليلة كانا مرهقين، ولكنهما كانا عازمين على بلوغ نقطة معينة. بعد كلِّ هذا الحبّ المتبادل، بعد كلِّ هذا الضيق ذرعاً بالفراق ولو كان ليوم، كيف ينتهي لقاؤهما بالصمت دون أن تمضي عليه ساعة من الوقت؟ لم يكونا يدريان!... هما ذان ينتظران صامتين دون أن يعرفا إلى أيّ وقتٍ تشير ساعة الجدار. كان كلّ واحدٍ منهما متوثباً لمن يبتدر بالحديث أولاً... هذه المرّة كانت زينب حقاً متعبة، مرهقة، فهمّتْ بأن تبتدر بالحديث بهدوءٍ، إلا أنها لاذتْ بالصّمت من جديدٍ ما إن لمست يد أحمد. أسندتْ رأسها على كتفه. تنفستْ. وحين شهقتْ رائحته تذكرتْ: كيف كانت حياتها باهتة قبل أن تتعرف على هذا الجسد وهذه الرائحة. في تلك اللحظة دبَّ في نفسها خوفٌ من أن تفقده، فلاذت به معانقة. أخذ أحمد يدها بين يديه، وطبع على جبينها قبلة صغيرة ناظراً في عينيها.
ثم كوّر عينيه بسرعة:
ـ "لماذا تظنين نفسكِ دائماً على حقٍّ..". سأل أحمد، وأردف:
ـ "لماذا تجدين كلّ هذه الصعوبة في أن تثقي بي؟ الصراحة: أنا لا أصدّقُ يا زينب!".
تسمَّرتْ زينب في مكانها ناظرة في عيني حبيبها. فهذا كلامٌ يختلف جدّاً عمّا كانت تنتظره منه. هي لم تدرِ أبداً بأنّ انعدام ثقتها بأحمد واضحٌ كلّ هذا الوضوح وملموسٌ، ومحاولتها إظهار ذاتها على حقّ دائماً بيّنٌ جليٌّ. هو الآخر طرح هذه الأسئلة على نفسه طوال الليالي، لكنه لم يجرؤ على أن يجيب عليها. من لا يقوى على محاسبة ذاته كيف له أن يحاسب غيره؟. أو كيف يُقنع غيره بما لا يعرف له جواباً؟. أو كان يعرف الجوابَ، لكنه يخشى أن يصرّح به؟... أخذ يطرق بضيق على الطاولة بأنامله. لاشكّ أنه لم يكن يتوقع أنَّ الجوابَ عسيرٌ إلى هذه الدّرجة. في البداية تنهدَّتْ زينب تنهيدة عميقة ثمَّ انقبضتْ وكأنّ كلَّ ما في الكون من توتر قد ملأ جوفها. كان واضحاً بأنه لا سبيل لتجاهل السؤال. فإمّا أن تقرّ بالحق وإما أن تستره بكذبةٍ جديدةٍ، وتضيف بذلك إلى المسائل المؤجَّلة مسألة جديدة.
ـ "يبدو أننا سنسهر حتى الصّباح. سأصنع لنفسي قهوة. هل تريد أنت الآخر؟". سألتْ زينب.
قد تتوارد ـ أثناء صنع القهوة ـ إلى ذهنها إضاءاتٌ منطقية من النوع الذي يمكن أن يُصاغ في عباراتٍ، فعليها أن تكسب مزيداً من الوقت.