(حكايات عصفور النار)، لعلنا اليوم وبعد أن سقط النظام في بغداد ودخل العراق في ظلمات الاحتلال وتداعياته، نجد تلك الخصلة منتشرة، وبصورة مضخّمة ومقنّنة عرفاً وتشريعاً، وبارزة في سلوك الكثير من الأشخاص والأحزاب والوزارات والهيئات والمديريات، ولاسيما بعد تشكيل ال
أنت هنا
قراءة كتاب حكايات عصفور النار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
وقد ردّ العديد من علماء الآثار ذلك الرأي الذي قال به شلوتسر ومن تابعه ورفضوا التأصيل العرقي الذي جاء به، وذلك لأنه يصطدم بعقبتين رئيسيتين -كما يقول الدكتور لطفي عبد الوهاب في كتابه (الساميين أو الشعوب السامية)- همامفهومي النقاء العنصري والنقاء اللغوي..فيقول: (إن الحديث عن الشعوب السامية كمجموعة بشرية تنتمي إلى جنس أو عنصر واحد له ملامحه وخصائصه الجسمية الخاصة والمميزة له، هو حديث لا يستند إلى أساس علمي لسببين: أحدهما يتصل بقضية النقاء العنصري والآخر يتصل بين العنصر واللغة. وفيما يخص السبب الأول فان تطابق الملامح والخصائص الجسمانية بين الشعوب السامية أمر غير قائم، فنحن نجد تبايناً واضحاً في هذا المجال بين هذه الشعوب من جهة، وثم في داخل كل شعب منها من جهة أخرى..وفي الواقع فان علماء الأجناس قد انتهوا منذ أواسط القرن الحالي إلى أن الحديث عن نقاء الأجناس قد اصبح في حقيقة الأمر (خرافة علمية) بحسب تعبير أحد علماء الأنثروبولوجية المعاصرين)(7) كما يوكّد في نفس كتابه على مفهوم علمي آخر هو إن اللغة لا تصلح كأساس لتحديد العنصر والعرق فيقول: (إن الثابت من الملاحظة التاريخية هو إن اللغة لا تصلح أساسا لأي تحديد عنصري لسبب بسيط هو أن الفئات البشرية لها قابلية غريبة لالتقاط اللغات إذا كان ذلك يخدم أهدافا مصلحية أو عمرانية). أما فيما يخص قائمة النسب التوراتية فهي أيضاً لا تتفق مع الحقائق العلمية والتاريخية المعروفة، حين تجعل منالكنعانيين حاميين –أي: من أبناء حام- وتخرجهم -عن قصد- من الأقوام السامية، بسبب موروث تاريخي عن صراعهم مع الكنعانيين (الفلسطينيين) منذ القدم، وتخرجهم -عن قصد أيضاً- من قائمة الساميين، في حين أن هنالك إجماع بين العلماء على إن الكنعانيين والعرب عموماً يكونون واحدة من الجماعات الكبيرة بين القبائل السامية على حد تسمية شلوتسر، ويرتبطون مع هذه القبائل بروابط تاريخية ولغوية متينة، بل إن اللغة العربية القديمة تعدّ من الناحية العلمية هي أمّ اللغات السامية التي تكلم بها الأكديين (البابليين والآشوريين) والآراميين والأحباش والفينيقيين والكنعانيين وغيرهم من الأقوام التي عاشت في المشرق العربي في التاريخ القديم. كما إن ما يؤخذ عن قائمة الأنساب التوراتية، فضلاً عن ارتباكها ومجانبتها الحقائق التاريخية، أنها تغالي في تأصيل تلك الأنساب إلى الحد الذي أرجعت فيه تلك القبائل إلى جد واحد مشترك هو نوح، ويعقب الأستاذ لطفي على ذلك بقوله: (إن الحديث في تأصيل النسب شيء والمغالاة فيه شيء آخر..فقد يكون منطقياً أن يعرف أبناء أسرة أو عشيرة نسبهم بشيء من الدقّة النسبية إلى حدود معينة، أما أن يدفع هذا النسب تأصيلاًإلى عهد سام بن نوح فأمر لابد وان يدخل فيه قدر كبير من النحت والخيال) (ص84). كما يؤكد المستشرق كويتن في كتابه (اليهود والعرب) بان الحديث عن أصل مشترك للمتكلمين باللغات السامية وعن خصائص طبيعية(جسمية) واجتماعية مميزة لهم، لا يقوم على أساس علمي إطلاقا(8).
وفي ذلك أيضا يقول المؤرخ د. جواد علي ما ملخصه: إني سأطلق لفظ (عرب) على جميع سكان الجزيرة بغض النظر عن الزمان الذي عاشوا فيه والمكان الذي وجدوا فيه..وعرب اسم علم لقومية خاصة ومصطلح ظهر متأخراً في حدود القرن التاسع قبل الميلاد، وتركّز وتثبّت قبيل ظهور الإسلام، وعلى هذا فالذين عاشوا قبل الميلادبآلاف السنين هم عرب وان لم يدعوا عرباً. ويستطرد قائلاً: إن الوقت قد حان لاستبدال مصطلح (سامي) و (سامية) بـ(عربي) و (عربية)، فقد رأينا إن تلك التسمية مصطنعة وتقوم على أساس التقارب في اللهجات وعلى أساس فكرة الأنساب الواردة في التوراة.. أما مصطلح (العرب) الذي يقابل السامية فهو الأقرب إلى العلم.. وليس بعيداً عن العلم والمنطق أن تعد السامية عربية لكونها ظهرت في جزيرة العرب، لأن كثير من العلماء يرون أن جزيرة العرب هي مهد الساميين)(9).
ويقول المؤرخ المعروف طه باقر أيضاً حول مصطلح السامية: إن هذه التسمية الشائعة، أي: السامية والساميون، غير موفقة ولا صحيحة -في رأيي- رغم شيوعها في الاستعمال. ولو إننا اسمينا هذه اللغات بلغات الجزيرة أو اللغات العربية، والأقوام السامية بالأقوام العربية أو أقوام الجزيرة لكان أقرب إلى الصواب(10).