أنت هنا

قراءة كتاب حكايات عصفور النار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حكايات عصفور النار

حكايات عصفور النار

(حكايات عصفور النار)، لعلنا اليوم وبعد أن سقط النظام في بغداد ودخل العراق في ظلمات الاحتلال وتداعياته، نجد تلك الخصلة منتشرة، وبصورة مضخّمة ومقنّنة عرفاً وتشريعاً، وبارزة في سلوك الكثير من الأشخاص والأحزاب والوزارات والهيئات والمديريات، ولاسيما بعد تشكيل ال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 8
هل ورثنا مثلبة عثمان دون فضائله؟!..
 
كلنا يعلم سبق عثمان وتقواه وكرمه وحياءه وقربه من النبي بزواجه من ابنتيه حتى سمي ذا النورين بفضل تلك الخصلة التي أمتاز بها بين الصحابة الكرام..
 
ولما كان عثمان شأنه شأن باقي الصحابة العظام والمؤمنين من الناس ليس معصوماً من الخطأ، فلا بد إذن أن تكون له زلة أو أكثر كان قد اقترفها في سيرته الحافلة بالجهاد والتقوى والدعوة إلى الله سبحانه، وقد تكون بحسن نية ودون علم بآثارها، كما فعل في خلافته من تقريب ذوي رحمه وأقاربه وإسناد المناصب والأدوار المهمة لهم في دولة الخلافة الراشدة، مما فتح باب الجدل والنقد والتذمّر في عهده، ومهّد –دون قصد منه- للفتنة التي انتهت بمقتله واستشهاده..
 
ولعل هذه الخصلة هي المثلبة الوحيدة البارزة في حياته السياسية بعد خلافته، والتي يمكن أن نشير إليها في حياة هذا الصحابي الجليل، والتي أدت تداعياتها بعد مقتله إلى الشقاق والصراع والتصدّع والتفرّق بين المسلمين، وإلى تبني مبدأ الحكم الوراثي وإقصاء الشورى، والذي سار عليه المسلمون منذ الحكم الأموي حتى نهاية حكم العثمانيين، ولم يزل هذا المبدأ هو الأساس- إلى اليوم -في حكم الملوك والسلاطين عبر التاريخ العربي والإسلامي.
 
ولعلنا اليوم وبعد أن سقط النظام في بغداد ودخل العراق في ظلمات الاحتلال وتداعياته، نجد تلك الخصلة منتشرة، وبصورة مضخّمة ومقنّنة عرفاً وتشريعاً، وبارزة في سلوك الكثير من الأشخاص والأحزاب والوزارات والهيئات والمديريات، ولاسيما بعد تشكيل الحكومة المؤقتة بأمر من المحتل وبإشرافه، وبعد إقرار وتنفيذ مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية السيئ الصيت الذي جاءت به قوات الاحتلال، والذي يراد منه تهشيم الضمير العراقي وتمزيقه إلى ضمير عنصري وعرقي متخلّف رغم أنفه، وتدمير الهوية الوطنية والدينية في بلادنا. وهكذا يجد المراقب في عالم الأحزاب اليوم، أنالطائفية والفئوية والعشائرية أصبحت تعشعش في سلوك أفرادها بشكل محزن وملفت للنظر في الوقت نفسه، وكذا في عالم الوزارات الجديدة التي خلفت وزارات النظام السابق، فإننا نجدها قد تجاوزت في سلبياتها وانحيازها وعشائريتها الوزارات التقليدية في عهد صدام نفسه. ومن وجهة نظر النقد الذاتي للكتلة السنّية ولفسح المجال للنقّاد والمفكّرين من باقي أخوتنا لكي يحذو حذونا في النقد الذاتي، نقول أن وزارة مثل وزارة الصناعة والمعادن -على سبيل المثال لا الحصر- قد تم اقتسامها بين فئات من الانتماء الحزبي والعشائري والجغرافي، والأمر نفسه يتكرر في الوقف السني وباقي المؤسسات بشكل أو آخر، وأصبح كل مسئول في معظم الوزارات والدوائر الحكومية -للأسف- يأتي أول ما يأتي في دائرته بابنه وأخيه وابن عمه وقريبه متأسياً في ذلك النهج بفعلة عثمان واجتهاده الذي تبين لنا تاريخياً خطأه، ومتذرّعين بالقول المأثور في الآية الكريمة الأقربون أولى بالمعروف.. فهل من المعروف -حقاً- أن يأخذ القريب حق المواطنين الآخرين الأكفأ منه والأقدر على القيام بدور معين لخدمة البلد الجريح؟!.. أم إنها نوع من الآصرة الغريزية المتخلّفة، وليست-بأي حال من الأحوال- بالآصرة الإنسانية والربانية التي يدعو لها الله سبحانه في قرآنه وبقيّة كتبه المقدسة، والتي تفوح منها رائحة العنصرية والعشائرية التي حذّر منها الإسلام ومن عواقبها وآثارها الاجتماعية المدمّرة؟!.. وهي في الوقت ذاته نوع من التجاوز والاعتداء والسرقة لحقوق الآخرين، والتي قال عن أشباهها ومثيلاتها النبي : (أتشفع في حدٍ من حدود الله يا أسامة، والله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطع محمدٌ يدها).. ترى لو لم يكن فلان وزيراً أو وكيلاً أو مديراً عاماً هل سيقوم من يدّعي الكرم والوفاء بتعيين ابن فلان أو أخيه أو قريبه في المكان الفلاني أو إيفاده أو إرساله للزيارة خارج البلد أو داخله لسواد عينيه؟!.. وقد كان عمر يقول لمن يفعل ذلك من الولاة ويقبل الهدية: هلاّ قعد في بيت أبيه وانتظر الهدية..ويقول لهم أيضاً: ترى لو كنتم في بيت أبيكم هل سيأتيكم أحد بهدية.
 
إنها الرشوة الخفيّة التي بات البعض يستمرئونها ويقبلونها تحت دوافع الوهن والضعف والحب الغريزي لذوي القربى وتحت تأثير مقولة الراشين (النبي قبل الهدية)، ونقولها بمرارة –مع الأسى والأسف-إن هذا النوع من الرشوة المبطّنة هو الذي مهّد للرشوة العلنية التي حذّر منها الشرع الحنيف والقانون الوضعي سواء بسواء، والتي استشرت في دوائر الدولة وفي أروقة الأحزاب والهيئات والمديريات.. حتى بات من يريد أن يعبر شارعاً أو يأخذ وقوداً أو يدخل دائرةً، لابد له من رشوة صغيرة أو واسطة معلومة، مما جعل (المحسوبية والمنسوبيه والفساد الإداري) من أبرز ما نعانيه اليوم، فضلاً عن حالة فقدان الأمن والفوضى التي يعيشها البلد منذ أن أطلّ الاحتلال علينا بظلاله الكئيبة في بلدنا المنكوب، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،قال تعالى: إن خير من استأجرت القوي الأمين.
 
فهل سنعود إلى ديننا وأخلاقنا وتقاليدنا الأصيلة التي أعزنا الله بها فيما مضى، ونتأسى بأخلاق النبي وجيل النبوة الطاهر، وننبذ تلك الخصال المذمومة والعصبيّة المقيتة؟.. وقد وُصف خلق النبي في الحديث المشهور بأنه: كان خلقه القرآن. فلا محاصصة ولا عنصرية ولا فئوية ولا طائفية ولا حزبية.. باسم صلة الرحم واستغلال الدين ولافتاته المنيرة، ومحاولات خلط الأوراق وخلط الحق بالباطل لتحقيق مآرب ذاتية دون أن يكون للدين والوطن والخير فيها نصيب .
 
1/12/2004م

الصفحات