(حكايات عصفور النار)، لعلنا اليوم وبعد أن سقط النظام في بغداد ودخل العراق في ظلمات الاحتلال وتداعياته، نجد تلك الخصلة منتشرة، وبصورة مضخّمة ومقنّنة عرفاً وتشريعاً، وبارزة في سلوك الكثير من الأشخاص والأحزاب والوزارات والهيئات والمديريات، ولاسيما بعد تشكيل ال
أنت هنا
قراءة كتاب حكايات عصفور النار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون(14).
إن لهذا التكرار لعبارة (ملة إبراهيم حنيفاً) دلالة مهمة للإشارة إلى أن الإسلام في أصله ونبعه يعود إلى إبراهيم الخليل أبو التوحيد وأبو الأنبياء، وتعود تعاليم الإسلام إليه كرسالة ومنهج، كما تعود التوراة والإنجيل إلى هذا النبي الكريم سواء بسواء، وفي ذلك إشارة إلى وحدة الدين والرسالة ودعوة إلى الحوار الإبراهيمي والتعايش الديني والحضاري بين الأمم، ولاسيما أمم الشرق الإسلاميوالغرب المسيحي، وتشير أيضاً إلى أن الإسلام يمثّل الرسالة الخاتمة لتلك الملة الحنيفية (ملة إبراهيم)، وهي رسالة كاملة خالية من التزييف والتحريف الذي لحق بالنسخ السابقة لرسالة التوحيد بما استحفظه البشر لهذه الرسالات ولم يستطيعوا حفظها، كما أكدت البحوث العلمية والتاريخية حول تدوين الكتب المقدسة وشهد بها علماء الغرب أنفسهم، وفي الرسالة الخاتمة (رسالة الإسلام) يتعهد الخالق سبحانه بحفظها وصيانتها من التزييف والتحريف، قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. في الحقيقة إن مفهوم وحدة الدين والرسالة القرآني هو غير مفهوم وحدة الأديان التوراتي، والذي يدعو له البعض لجمع خليط ومزيج من النسخ المتعددة لرسالة التوحيد الصحيحة والمحرّفة في ميزان واحد، والدعوة إلى قبولها جميعاً على علاتها دون دراسة وتمحيص لفرز المحرّف عن الصحيح وتشخيصه وتحديده علمياً وتاريخياً ودينياً، فالقرآن يدعو إلى دين واحد ورسالة واحدة، هي رسالة التوحيد التي جاء بها الأنبياء جميعاً، كما قال تعالى: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وقال: إن الدين عند الله الإسلام فالإسلام هو رسالة التوحيد الأصيلة التي بشّر بها الأنبياء عبر تاريخ التوحيد من لدن آدم إلى ظهور الإسلام الصريح والأخير، وحفظها الله تعالى في الرسالة الخاتمة بحفظه للقرآن الكريم ووحيه الحكيم.
وبناءً على ما تقدم فان (الساميّة) خدعة علمية وتزييف تاريخي وأسطورة توراتية، الهدف الأول منها رفع منزلة اليهود فوق مستوى البشر، وجعلهم الشعب المختار زورا وبهتاناً، لأن الشعب المختار والأمة المجتباة ينبغي أن تكون -في المنظور العلمي والمنطقي والديني-هي الأمة التي تسير على منهج التوحيد وخطى الرسالة الإلهية التي جاء بها الأنبياء عبر العصور، وليس هناك أمة أو شعب أو عرق محدّد بعينه يمكن أن يوصف بأنه شعب الله المختار، إلا إذا استحق ذلك التشريف بعمله واتباعه للمنهج الإلهي القويم، ويستحيل على الله سبحانه خالق البشر أن يفضّل عنصر أو عرق ممن خلق على غيره من الأمم لذاته ويطلق عليه اسم الشعب المختار، وإنما يمكن أن يكون أي شعب من شعوب الأرض وفي أي عصر وأية بقعة من بقاع الدنيا، تنطبق عليه صفات إتباع منهج الله ورسالة التوحيد هو الشعب الذي يختاره الله ويشرّفه لهداية وقيادة البشرية نحو النور. والسامية –إذن- بذلك الاعتبار هي خرافة توراتية أخترعها المستشرقون اليهود وأذنابهم لربط التاريخ اليهودي بعصور موغلة في القدم -كما ذكرنا- تصل إلى عصر نوح ، وجعلهم من نسله ونسل ابنه المفترض سام، وجعلت التوراة باقي البشر من ابنيه حام ويافث، لكي يتفردوا بالشرف والتكريم دون سائر الأمم. والحقيقة التي يؤكدها القرآن ويؤيدها العلمأنه لم يثبت تاريخياً أن لنوح أبناء لهم تلك الأسماء من غير رواية التوراة والتراث اليهودي، والتوراة الموجودة حالياً بنسخها العديدة قد كتبت -كما نعلم- بعد ضياع التوراة الإلهية المنزّلة بعد فترة من السبي البابلي ، أي: بعد منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وإن صحة هذه الأسماء التوراتية بحاجة إلى دليل علمي وتاريخي لم يدّعيه أحد من العلماء والباحثين الآثاريين المحايدين وغير المعتمدين على ثقافة التوراة وتراثها والمتأثرين بمنهجها الأسطوري. أما الحنيفية الإبراهيمية أو ملة إبراهيم، فهي مفهوم قرآني رباني من جهة، وعبارة علمية وتاريخية دقيقة تشير إلى عصر إبراهيم التاريخي المعروف والذي يتفق عليه علماء الآثار وعلماء الدين للديانات الثلاث، وهو يشير إلى مفهوم وحدة الدين والرسالة التي جاء بها الأنبياء والرسل إلى البشر من جهة أخرى. وليس في هذه التسمية القرآنية أية دعوة عنصرية أو عرقية أو طائفية، بل العكس تماماً هي تسمية علمية تاريخية متوازنة ومنيرة تدعو إلى الوحدة والتقارب والتعايش والحوار الحضاري والديني، بخلاف تسمية السامية التوراتية والتي احتكرها اليهود لأنفسهم وقاموا باستبعاد الشعوب التي يفترض أن تعود معهم إلى نفس الأصل، والتي أثبتت الدراسات اللغوية والتاريخية وجود تشابه كبير بين لغاتهم وصلة وثيقة وتكامل فكري وتاريخي بين أعراقهم وآثارهم التي أكتشفها العلماء في المواقع الآثارية وفي بحوثهم العلمية المعاصرة، وأكد معظم العلماء إنهم يعودون من حيث اللغة والأرومة إلى أصل مشترك واحد.
ولعلنا نستطيع أن نقوم بمقارنة بسيطة بين مفهوم الحنيفية الإبراهيمية القرآني وبين نظرية السامية التوراتية في هذا البحث الموجز، وسنحصل على النتائج المثبتة في جدول المقارنة الآتي: