(حكايات عصفور النار)، لعلنا اليوم وبعد أن سقط النظام في بغداد ودخل العراق في ظلمات الاحتلال وتداعياته، نجد تلك الخصلة منتشرة، وبصورة مضخّمة ومقنّنة عرفاً وتشريعاً، وبارزة في سلوك الكثير من الأشخاص والأحزاب والوزارات والهيئات والمديريات، ولاسيما بعد تشكيل ال
أنت هنا
قراءة كتاب حكايات عصفور النار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
البطلفي السينما المصرية
لعله من الطريف والمستهجن في آن واحد، أن يتربى أطفالنا -كما تربينا نحن ومعظم الجيل العربي خلال العقود الخمسة المنصرمة- على إنتاج السينما المصرية من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، وعلى شخصية البطل فيها منذ أيام أنور وجدي وأحمد رمزي وفريد شوقي في منتصف القرن الماضي إلى محمود ياسين وعادل إمام ونور الشريف فيما تلا تلك الحقبة، وغير هؤلاء ممن جسدوا شخصية البطل في العقل السينمائي المصري، وهو يصول ويجول والكاميرا تدون حوله أينما دار وسار وتلتقط حركاته وسكناته وكأنه مركز الوجود ومدار الإثارة والاهتمام، سواء في البيت أو السوق أو المعمل والمستشفى، فلا شيء في الوجود ذو قيمة سوى عالمه الشخصي وما يحب ويكره، وما يفكر فيه ويطمح إليه أو يعاني منه، فهو مركز هذا العالم، وكل شيء لا قيمة له إلا إذا ارتبط بالبطل الأسطوري والساحر بطريقة أو أخرى، وهكذا وجدت طريقة التفكير في العالم العربي ولقنت إلى الأجيال الناشئة لتقتدي به سواء أكان هذا البطل رجلاً أم امرأة، وسواء أكان في عالم السياسة أم التجارة أم الاجتماع، وسواء أكان في عالم الطفولة أم الشباب أم الكهولة، لا شيء في الوجود-إذن- له قيمة أو اعتبار إلا إذا ارتبط بشكل أو آخر بالذات ومصالحها وآلامها وآمالها، ليس هناك قيم حقيقية تخص الأمة والمجتمع أو الوطن وما يرتبط به من واجبات والتزامات، لقد أصبحنا نعيش في عالم يقدّس المصالح الشخصية ويعطيها الاعتبار الأول والأخير في الحياة، واصطبغت حياتنا وسلوكنا الاجتماعي والأخلاقي بشيء من الذاتية والأنانية المفرطة -إلا من عصم ربي ورحم فنجّاه من تلك اللوثة والسلوك المنحرف- بحيث أصبح كل فرد في المجتمع يتمنى لو أن كاميرة الحياة تدور حوله، وتتبعه دون غيره من الناس، وأصبح التكالب على الدنيا وحب المال والجاه هو الغالب في سلوك السواد الأعظم من الناس رغم الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة والتحديات القاسية التي تواجهها اليوم، حتى أصبحنا نعيش في دوّامة البحث عن الألقاب والكنى والثراء الفاحش بغض النظر عن مصدره وشرعيته، والذي أصبحنا نطمح أن يتحوّل مع الزمن الذي صيرناه رهاناً للمنافسة الشريفة وغير الشريفة، إلى ترف ليس له مثيل في حياتنا الفانية حتى لكأنه لا يدانيه ثراء قارون نفسه،وأصبح هم التكاثر ولهوه ولغوه هو ما يفكر فيه معظم أفراد الجيل الصاعد ويعيش من أجله في كل ما يتصل بذاته، متناسين السبب الحقيقي والجوهري لوجودنا في الحياة، وهو خلافة الأرض وإعمارها وعبادة الخالق -سبحانه- بالعمل الصالح والدؤوب لتغيير المجتمع نحو العلى والفضيلة واصلاح عيوبه ومداواة آفاته، والالتزام بما كلّفنا الله به من واجبات والتزامات تعطينا الحق والشرعيةبأن نكون جزءاً مهماً من المجتمع ومكوناته الأساسية، إن هذا المنهج المعوج، منهج الأنا والذاتية واتباع الهوى والشهوات، هو بعينه منهج تكريس الذات ونكران مصلحة الأمة وحقوقها والتي كانت الأجيال السابقة تقدسها وتفني حياتها في خدمتها ناكرة ذاتها ومصلحتها الشخصية والآنية طالبة الأجر والثواب من بارئها، لا تريد من أحدٍ جزاءاً ولا شكورا، فسادت العالم بذلك الخلق القويم، وهو في الوقت نفسه منهج التفرّق والتشرذم والشقاق والنفاق والعصبية المقيتة، وهو الحال الذي نعيشه اليوم والذي أوصلنا إلى حالة من الوهن والضعف حتى جعل الأعداء من أقصى الأرض يطمعون فينا وفي استعمارنا وادارة شؤوننا وتشكيل حياتنا كما يشاءون مستعينين علينا بضعفنا وتفرقننا وأنانيتنا وحبنا لذاتنا، فجاءوا عبر البحار والمحيطات وهم على بعد آلاف الكيلومترات كما جاءوا أول مرة قبل قرن من الزمان. قرروا المجيء إلى بلادنا واستلاب حريتنا وسيادتنا باسم الحرية نفسها التي وعدوا بأن يمنحونها لنا، وتقصدوا إذلالنا واستعبادنا حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة الغاشمة بالغزو والاحتلال، وفي هذا المعنى وذلك المكان السحيق الذي حذرنا منه معلمنا وقائدنا يقول المصطفى :
يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟.. قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم لكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟.. قال: حب الدنيا وكراهية الموت.
22/11/2004م