أنت هنا

قراءة كتاب فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

يجد المؤلف نفسه في إعطاء تقييم للأراضي المقدسة عند تفحص وتدقيق مواده سواء المقدمة باختيار تاريخ بسيط من جهة، أو وصف محلي فحسب من جهة أخرى؛ وستقرر ميزة كتابه بالطبع باختيار ما سيعمله في الطبعة الأولى أو الثانية لهذا الكتاب.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

بيد أنه لا ينكر أبداً من أنه يوجد هناك اختلاف بارز ما بين جانب سلسلة الجبال التي تشكل سلسلة الجبال الوسطى لمنطقة القدس. وفي المنطقة الغربية المرتفعة، ترتفع التربة من البحر باتجاه أرض مرتفعة في أربع مصطبات بارزة وهي مغطاة بخضرة غير متناهية. ويمتد شجر المصطكاء الصمغي، وأشجار النخيل، وأشجار الكمثرى الشائكة على طول الساحل. وبالاتجاه إلى أعلى تظهر بوفرة أشجار الكرمة والزيتون وأشجار الجميز التي تدر دخلاً وافراً على المزارعين، وتنمو أيضاً بساتين طبيعية تتألف من أشجار البلوط والسنديان دائمة الخضرة، وأشجار السرو والصنوبر. ويكون سطح الأرض مزيناً بالنباتات والأزهار العطرية والزنبقية.
وباختصار، فإن خضرة هذه الجبال تقارن بخضرة جبال كريت (جزيرة كريت). وروي أن زائرين أوروبيين لفلسطين كانوا يتناولون غداءَهم تحت ظل شجرة ليمون كبيرة الحجم توازي واحدة من أقوى أشجار السرو عندنا، كما شاهدوا أشجار جميز، تكفي أوراقها لتغطية ثلاثين شخصاً مع جيادهم وجمالهم.
وعلى الجانب الشرقي، لا توجد سوى زراعة محاصيل ضئيلة، مع ذلك. وتُرى الصحراء من قمم الجبال ممتدة على طول بحيرة الإسفلتيت (البحر الميت)، لا تقدم سوى الحجارة والتراب، وبضعة شجيرات شوكية. وتتوسع جوانب الجبال لتظهر مظهراً كبيراً تارة وأرضاً جرداء أكثر تارة أخرى. وتتلاشى الخضرة الضئيلة شيئاً فشيئاً وتختفي؛ حتى المستنقعات والطحالب تختفي، ويظهر المظهر ذو اللون الأحمر المحترق على بياض الصخور. ويوجد في وسط هذه الأرض المنبسطة حوض جاف قاحل يشمل كافة الجوانب مع قمم متناثرة هنا وهناك عليها مكونة من حصى صفراء اللون، مانحة منفذاً وحيداً إلى الشرق، يظهر من خلالها سطح البحر الميت والجبال البعيدة للجزيرة العربية أمام النظر. ويقع في الوسط منها منطقة من الحجارة كما لاحظنا، مطوقة بسور، وأطلال وخرائب ممتدة، وأشجار سرو معوقة النمو، وأكمات من نباتات أو شجيرات الصبر والكمثرى الشائكة، بينما توجد بعض الأكواخ والسقائف الوضيعة جداً تشبه قبوراً بيضاء اللون وتنتشر على مساحة مهجورة فسيحة. فهذه البقعة كانت هي القدس.
فهذا الوصف الكئيب لمدينة القدس، لا يوحي بأنها كانت عاصمة أو حاضرة قديمة في القرن الثالث الميلادي ولا ينطبق عليها ذلك في الوقت الحاضر. إلا أن مشهد الطبيعة الخارجية لا زال نفسه، والمظهر العام لهذه المدينة الجليلة لم يتغير سوى قليل. إلا أنه بما أن الجمال يعتبر تعبيراً نسبياً بشكل صارم، وهو يكون متأثراً بشكل كبير في أي مكان بواسطة الترافق، فلا يجب أن نكون مندهشين عندما نقرأ في أعمال الكتاب الشرقيين المديح الوافر للمنطقة المجاورة للعاصمة المقدسة. فالمؤرخ العربي أبو الفداء لا يؤكد، على سبيل المثال، على أن فلسطين ليست جزءاً خصباً جداً من بلاد الشام فحسب، وإنما أيضاً المنطقة المجاورة للقدس تعتبر واحدة من أخصب مناطق فلسطين. وفي نظره، فإن كروم العنب، وأشجار التين، وبساتين الزيتون، والتي كانت تغطي مرة منحدرات جبال منطقة القدس الكلسية، وتبدو أكثر قيمة ومن أغنى عائدات المهارة الزراعية، وأكثر تعويضاً بالنسبة لغياب تلك الحقول المنتشرة الملوحة والمليئة بالمحاصيل، والتي تكون ضرورية لإمتاع الفكر الأوروبي بأفكار الخصب، والراحة، والوفرة.
في أعقاب السرد المتنور للكاتب مالت - برون، سيجد القارئ بأن منطقة جنوب شرق دمشق، وهي النقطة التي يمكن أن يقال بأن فلسطين الحديثة تبدأ منها، وهي المناطق التي كانت تدعى أيام الرومان أورانيتس وغولونيتس، تتألف من سهل واسع ممتد، ومحاطة في الشمال بجبل الشيخ، ومن جهة الجنوب - غرب بجبل عجلان، وفي الشرق بحوران. ولا يوجد في جميع هذه المناطق نهر واحد يمكن أن تتدفق مياهه في الصيف؛ فمعظم القرى تكون لها خزانات مياه تملؤها خلال موسم الأمطار. ومن أخصب هذه المناطق هي منطقة حوران، المشهورة بزراعة القمح، حيث لا تماثل حقولها الواسعة الممتدة كالمحيط في مهب الريح أية منطقة أخرى. ولا تحتوي منطقة «بطينة»، من جهة أخرى، سوى على جبال كلسية، حيث توجد هناك كهوف واسعة، وحيث كان يعيش فيها الرعاة العرب كمثل حياة ساكني الكهوف القديمة. وهنا، في هذه المنطقة، اكتشف رحالة حديث، الدكتور سيتزن في عام 1816، آثار جراسا البارزة، والتي تدعى الآن جرش، حيث يوجد هناك ثلاثة معابد، ومدرجان رائعان من الرخام، وآلاف العمدان، لا زالت قائمة وباقية بين صروح وأبنية رومانية أخرى. إلا أن الشيء الأروع من كل ذلك أنه رأى شارعاً طويلاً محاطاً من كلا الجانبين بعمدان رائعة من فن البناء الكورنثي الإغريقي القديم، وينتهي بمساحة مفتوحة نصف دائرية الشكل محاطة بستين عموداً آيوني الطراز (طراز يوناني إغريقي قديم). وفي الجوار نفسه تتميز جلعاد القديمة بغابة من أشجار البلوط والسنديان الضخمة، التي تمنح وتزود السكان بالوفرة والاستخدام. وتقدم منطقة «بيريا» في مصطباتها الزراعية العديدة خليطاً من أشجار الكرمة والزيتون والرمان. ولا تزال موآب الكرك، العاصمة المتطابقة لعاصمة الموآبيين الأصليين القدماء، تسر النظر، بيد أنها ليست متطابقة مع بلدة أخرى ذات اسم مشابه في الصحراء العربية الحجرية.
تقع المناطق التي وصفت للتو على الجانب الشرقي من نهر الأردن. بيد أن هذا النهر نفسه يشكل في الجزء الأعلى من مجراه الحدود ما بين «غولونيتس» ومنطقة الجليل الخصبة، التي تعتبر متماثلة مع منطقة صفد الحديثة. ويُعتقد بأن هذه البلدة، التي تتميز بموقعها الجميل بين بساتين الآس (نباتات عطرية)، على أنها هي بلدة بيثوليا القديمة، التي حوصرت من قبل الهولوفرنس. وتحتل طبرية، وهي منطقة مهملة، موقع «تيبيرياس» القديمة، والتي منحت اسمها للبحيرة الموجودة فيها والمعروفة عموماً ببحيرة جينساريت، أو بحر الجليل، بيد أن مهنة صيد السمك قد تبددت تقريباً، ولم يعد صيادو السمك يرمون شباكهم من قواربهم على سطح مياهها. ولا زالت الناصرة تحتفظ بجزء ما من وضعها السابق. ويتواجد على بُعد ستة أميال منها إلى الجنوب جبل «تابور»، الذي كان يدعى أحياناً «إيتابيريوس»، وهو يمثل هرماً متوجاً بخضرة أشجار الزيتون والجميز. ويظهر من على قمة هذا الجبل كل من «طور» الحديثة، ومناظر من شرق الأردن، وإلى الأسفل مشهد لنهر الأردن، وبحيرة جينساريت (طبرية)، والبحر الأبيض المتوسط.
يقول كاتب مطلع عن منطقة الجليل، من أنها يمكن أن تكون جنة، إذا ما سكنت بشعب حرَفي في ظل حكومة متنورة. ويمكن أن ترى من هنا كروم العنب بأغصانها الملتوية وعناقيد العنب كبيرة الحجم التي يبلغ قطر الواحد منها قدماً ونصفاً، والقناطر الضخمة ومروج الخضرة الممتدة. ويمكن لعنقود العنب، الذي يبلغ طوله ثلاثة أقدام، أن يوفر عشاءً لعائلة بكاملها. وتُشغل سهول «إيسدرالون» بخيام القبائل العربية، بنية اللون، والتي تحوم قطعان الماشية حولها وترعى، وعند حلول المساء تحضر لزرائبها.
كانت هذه البلاد الجميلة تئن وتنزف لسنوات عديدة تحت حكم الاستبداد العثماني. فقد تُركت الحقول من دون استصلاح، وأصبحت المدن والقرى تعيش بفقر شديد؛ بيد أن آخر التقديرات من فلسطين تشجعنا على التمسك بالأمل من نشوء إدارة (حكومة) أكثر اعتدالاً التي سرعان ما ستغير هذه المظاهر، ويمكن أن تمنح الأقاليم السورية على نطاق واسع بعض الفوائد، جراء السياسة الليبرالية لمحمد علي باشا (حاكم مصر آنذاك).

الصفحات