أنت هنا

قراءة كتاب فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

يجد المؤلف نفسه في إعطاء تقييم للأراضي المقدسة عند تفحص وتدقيق مواده سواء المقدمة باختيار تاريخ بسيط من جهة، أو وصف محلي فحسب من جهة أخرى؛ وستقرر ميزة كتابه بالطبع باختيار ما سيعمله في الطبعة الأولى أو الثانية لهذا الكتاب.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

إن هذا الجزء من بلاد الشام الذي مُنح للأمة العبرانية تم تقديره بشكل مختلف. فمن وجهة نظر هيكاتيوس، وكان من أهالي أبديرا قديماً، الذي نقل عن المؤرخ اليهودي يوسيفوس، أن حدود الأراضي التي احتلها العبرانيون تقدر بثلاثة ملايين إكر (الإكر يساوي حوالي أربعة آلاف متر مربع). واعتماداً على هذا الأساس، فقد استهل الأب فلوري وكُتّاب آخرون لإثبات أن مساحة الأرض التي ذكرت من قِبَل هيكاتيوس يمكن أن تكفي فقط لثلاثة ملايين وثلاثمائة وخمسٍ وسبعين نسمة، لأن يسكنوا ويعيشوا فيها، وهو حساب أو عدد عرضة لاعتراضات عديدة، ولذلك فإنه لا يقبل عموماً. فمن الواضح على سبيل المثال بأن هذا الكاتب وغيره، الذي عاش أيام حكم الإسكندر الكبير، والذي يقال إنه ارتبط فيما بعد بشخص أول ملك إغريقي لمصر، قد وصف المنطقة التي عاش فيها اليهود كما رآها تحت حكم أمير سوري آنذاك لخط حكم مقدوني. لذلك، ووفقاً لذلك، فقد شاهد فقط الأراضي التي سكنت فيها القبيلتان اللتان عادتا من الأسر البابلي، فاقتصر تقديره بذلك على الأقاليم التي سمح له بزيارتها، ولم يأخذ بالحسبان تلك المناطق الممتدة التي تم الاستيلاء عليها من قِبَل القبائل العبرانية العشر، والتي كانت في أيامه تقع في أيدي عرق مختلط من الناس المنحدرين من مستعمرين آشوريين الذين وضعهم هناك الملك الآشوري شلمانصر (858-824 ق.م).
حسب تقديرات الكاتب سبانهيم، فإن أبعد نقاط فلسطين القديمة، التي احتُلت من قِبَل الملك (النبي) داود، كانت تقع على مساحة ثلاث درجات خط عرض، وعدة درجات خط طول، بحيث تتضمن جميعها حوالي ست وعشرين ألف ميل مربع. فإذا ما كانت هذه الحسبة صحيحة، فقد كان في حوزة القادة العبرانيين أرض كافية تتيح لكل عبراني، قادر على حمل السلاح وقتذاك، قطعة من الأرض تساوي عشرين إكراً؛ ويبقي من أجل الاستخدامات العامة، وأيضاً بالنسبة للمدن أو مدن قبائل اللاويين العبرية القديمة، حوالي عُشر هذه المساحة بكاملها. ومن المحتمل، مع ذلك، فإذا ما عملنا تعويضاً مناسباً بالنسبة للبحيرات، الجبال، والأرض البور غير المنتجة، فإن تلك الحصة لكل أسرة لن تكون كبيرة جداً حسب التقدير الذي بُيِّن الآن. ولكن حتى إذا ما قلصت هذه الحصة إلى النصف، فإنها كانت لا تزال توفر وسائل وافرة لوفرة ومتعة اقتصادية رخيصة، فالشعب الروماني تحت حكم الإمبراطور رومولس، وبعده بوقت طويل، لم يكن كل جندي فيلقي يمتلك حينذاك سوى إكرين، وحتى في الأيام الأكثر ازدهاراً للإمبراطورية الرومانية، فإن الحصة لم تزد عن أربعة إكرات. وبذلك، فإن أربعة إكرات تعتبر تعبيراً يشير إلى وفرة وغنى ورضا للشخص الروماني العامي آنذاك، وهو تعويض للكد والبذل في ساحة الحرب للجندي الروماني قديماً، وإغراء وافٍ في كافة الأوقات لأن يحمل السلاح دفاعاً عن الجمهورية (الرومانية).
وزعت الأراضي بشكل متساوٍ على القبائل والأسر العبرانية القديمة وفقاً لأعدادهم، كما اختير أشخاص ليشرفوا على هذا العمل، وكانوا كلاً من اليعازر، الكاهن الأكبر، ويشوع، الذي مثّل شخصية القاضي آنذاك، والأمراء الاثني عشر أو أسباط إسرائيل كما يدعون. وبذلك فقد وضع تحت ملكية كل قبيلة مقاطعة منفصلة، لا يكون شاغلوها من الإسرائيليين فحسب، وإنما أيضاً من العرق نفسه، أو المنحدرين من الجنس البشري نفسه. وضعت عدة أسر مرة ثانية في الجوار نفسه، وتلقوا أرضهم في نفس شبه تقسيم للقبيلة؛ أو بمعنى آخر، فيمكن أن يقال بأن كل قبيلة كان عليها أن تعيش معاً في أرض المقاطعة نفسها؛ وأن تعيش كل أسرة في الأرض نفسها؛ وبذلك يكون لكل جوار علاقات مع بعضهم البعض، ومع الأسر نفسها وسكان المكان نفسه أيضاً. وسُنَّ قانون لتأمين الديمومة والاستقلالية المشتركة لكل قبيلة يُشترط بموجبه على أن كل أرض منحت لكل عبراني يجب أن لا تحول لشخص آخر. ومهما كانت العوائق كالديون والرهون التي يمكن أن تقع على مالك حقل ما، ومهما كانت الالتزامات التي ألزم نفسه بها لدائنيه، فإنها تطلق وتعفى من كافة المطالبات في سنة الغفران.
يمكن أن يلاحظ القارئ المهتم بالقانون الموسوي، بأنه مع أن الشخص العبراني كان لا يمكنه أن يجرد نفسه من أرضه للأبد، إلا أنه كان يمكنه أن يضعها في ملكية شخص آخر خلال عدد معين من السنين، ويبقي لنفسه ولأقربائه الحق في استعادتها، ويكون متأكداً في جميع الأحوال من استعادتها في فترة أو عام الغفران. فهذا في رأي مشرع القانون، فإن تحويل الأرض لشخص آخر لم يكن يعتبر على أنه عملية بيع لها، وإنما فقط من أجل المحاصيل لعدد معين من المواسم. فيمكن أن يعتبر هذا ببساطة عملية إيجار واستئجار، لا تُلزم صاحب الأرض أو أهله المقربين، لأن يتمتعوا بميزة مواصلة إشغال الأرض كلما استطاعوا أن يعيدوا دفع المبلغ الذي استخدموه لقاء تخليهم عن الأرض مؤقتاً.
وكانت البيوت المبنية في الحقول أو القرى ينطبق عليها نفس مبدأ تحويل الملكية لأشخاص آخرين، وتوضع على وتيرة الأراضي نفسها؛ فتكون قابلة للاسترداد في كافة الأوقات، وتعاد إلى أصحابها (الأصليين، والمغتصبين لها أصلاً) في سنة الغفران. إلا أنه من الجدير بالملاحظة، أن البيوت في المدن والبلدات الكبيرة، عندما كانت تباع، فإنها تكون خاضعة للاسترجاع خلال سنة واحدة فقط، وبعد ذلك فإن الاتفاق المعقود بين الطرفين يصبح للأبد. وكان هنالك في الحقيقة استثناء حتى في مثل هذه الحالة لصالح اللافيين، الذين يمكنهم في أي وقت «استرجاع بيوتهم في المدن إلى ملكيتهم»، والذين علاوة على ذلك كانوا يتمتعون بفائدة وفيرة كاملة لمدة خمس عشرة سنة.
إن العبرانيين، مثلهم مثل معظم الأمم الأخرى في وضع مجتمع مشابه، قد أبقوا على الأراضي التي اغتصبوها على أساس الخدمة العسكرية. وقد أثبتت الأسس التي وُضعت من قِبَل النبي موسى، من أنه كان كل رجل كُفْءٍ ملزماً بأن يحمل السلاح دفاعاً عن بلاده، جدواها - وهي نتيجة كانت واضحة بشكل لافت بإرجاء مجلس الشيوخ أو رؤساء القبائل في الحرب الكئيبة التي بوشرت من قِبَلهم ضد أبناء بنيامين. فعند حشد الجيش عندما تجمع في «مزبح»، فقد اكتشف بأنه لم يرسل أي رجل من «جابيش - جلعاد» للانضمام لمعسكر الجيش؛ عندئذ تقرر أن يُرسل فوراً 12 ألف جندي لقتل كافة سكان تلك البلدة. وأُمرت هذه القوة من الجند من قِبَل هؤلاء الرؤساء بقولهم «اذهبوا واقتلوا وأبيدوا «جابيش - جلعاد» بحد السيف، مع نسائها وأطفالها»؛ فالسبب لهذا الأمر العنيف، هو أنه عندما استُدعي الرجال، لم يكن هناك رجال من «جابيش - جلعاد».

الصفحات