أنت هنا

قراءة كتاب فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

يجد المؤلف نفسه في إعطاء تقييم للأراضي المقدسة عند تفحص وتدقيق مواده سواء المقدمة باختيار تاريخ بسيط من جهة، أو وصف محلي فحسب من جهة أخرى؛ وستقرر ميزة كتابه بالطبع باختيار ما سيعمله في الطبعة الأولى أو الثانية لهذا الكتاب.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

بالانتقال من الجليل باتجاه الحاضرة (القدس)، ندخل أرض فلسطين الغربية، وتشمل المناطق الحديثة لنابلس وعريتا. ونجد في المنطقة السابقة بقايا مدينة قيسارية، وعلى خليج «القديس جان» تقع مدينة حيفا، حيث يوجد هناك مرسى جيد للسفن. وتمتد على الجهة الجنوبية - الغربية لهذا الخليج سلسلة جبال تنتهي بنتوء الكرمل (جبال الكرمل)، وهو اسم مشهور في المصادر التاريخية للدين المسيحي. فهناك أثبت النبي إيليا بالمعجزات ألوهية مهمته؛ وهناك التجأ وسكن آلاف المسيحيين الملتزمين، في القرون الوسطى للمسيحية، فراراً بدينهم ليقيموا في الكهف بين الصخور. وكان جبل الكرمل حينئذ مليئاً بالكنائس الصغيرة والحدائق، بينما الآن لا يوجد شيء سوى الخرائب الموجودة بين غابات الصنوبر والبلوط والسنديان وأشجار الزيتون، والخضرة النضرة تنتشر فقط بين بياض الصخور الكلسية. وتتمتع جبال الكرمل، التي غالباً ما كانت معروفة، بنقاء وصفاء الجو المفعم بالنشاط والحيوية، في حين أن أراضي غرب فلسطين المنخفضة والجليل تكون مظللة بالغيوم الكثيفة جداً من فترة لأخرى.
ولا زالت «شيشيم» في الكتاب المقدس، والمعروفة على التوالي باسمي نيوبوليس ونابلس، تحتوي على عدد كبير من السكان، مع أن مساكنها تعتبر متواضعة وسكانها فقراء. وأطلال وخرائب غرب فلسطين نفسها مغطاة الآن بالبساتين، وقد نسي سكان هذه المنطقة لهجتهم الأصلية، وربما أيضاً خلافاتهم الغاضبة مع اليهود السومرة، الذين يمارسون طقوسهم الدينية على سفوح جبال جرزيم الخضراء.
وتشمل فلسطين أيضاً المناطق التي سكنها الفلسطينيون القدماء، الأعداء اللدودونَ للقبائل العبرية القديمة قبل عهد الملك (النبي) داود. ويقع بالقرب من غزة، وهي مدينة رئيسة، ميناء يافا الشهير التي تتطابق مع مدينة «يوبا أو جوبا» قديماً والمذكورة في المصادر الدينية القديمة. وقد حصنت هذه المدينة بشكل متكرر ثم فُككت، فهذا الميناء الشهير قد شهد عدة مظاهر وتحولات بحيث أن الوصف الذي أطلق عليه في عصر ما من الصعب أن ينطبق على وصف آخر لوضع آخر تالٍ له.
تعتبر بيت لحم، وهي المكان الذي وُلد فيه المسيح، قرية كبيرة مسكونة بالمسلمين والمسيحيين بشكل مختلط، الذين يتفقون على مقت الاستبداد الذي يتعرضون له بشكل لا يُرحم. ويوجد موقع المغارة التي وُلد فيها السيد المسيح (والمذود أو المعلف المقدس) داخل كنيسة أنيقة وكبيرة، مزينة ومزدانة بالمنح والهدايا المقدمة من كافة الدول الأوروبية. إلا أنه ليس قصدنا من هذه الملاحظات التمهيدية الدخول في بحث تفصيلي للتقاليد والعادات القديمة. ويفي بالغرض ملاحظة أنها تقدم غموضاً كثيراً، ممزوجاً بجزء ليس صغير لحقيقة لا شك فيها. وفي كافة الأحوال، فلا يجب أن نشكك بالحقيقة نفسها التي تقول بأن الخليل تحتوي على قبر النبي إبراهيم وتجذب على هذا التقدير توقير وتبجيل كل من المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء.
وإلى الجهة الشمالية - الشرقية من القدس، يقع الغور في وادٍ خصب وفسيح، ويروى بنهر الأردن، فنجد هناك أيضاً قرية «راح» أو «رحاح»، وهي أريحا القديمة، التي أُشير إليها من قبل النبي موسى على أنها مدينة النخيل. ولا تزال تلقب بهذا الاسم، بيد أن أشجار بلسم مكة (وهي نباتات عطرية)، اختفت منذ وقت طويل، ولم تعد موجودة أيضاً بالجوار تلك الأزهار الفريدة التي كانت تنبت حول هذه الأشجار والتي كانت معروفة أيام الصليبيين باسمها المألوف أزهار أريحا. وعلى مسافة صغيرة إلى الجنوب توجد هناك سلسلتان جرداوتان قاسيتان من الجبال تشمل على منحدراتها الشاهقة المظلمة حوضاً طويلاً مشكلاً من أرض طينية صلصالية مختلطة مع قار بيتومين وملح الصخور. والمياه المحتوية في هذه الحفرة مختلطة بمحلول من مواد ملحية مختلفة، تحتوي على الحامض، والمغنيسيوم والصودا في القاعدة أو القاع، وهي محيدة جزئياً بحامض المورياتيك والحامض الكبريتي. ويكون الملح الذي يحدث أو ينتج بالتبخر حوالي ربع وزنه. وترتفع مادة قار البيوتومين للأعلى من وقتٍ لآخر من قاع البحيرة، وتعوم على السطح، وتُقذف على جوانب البحيرة، حيث يجري جمعها لأغراض اقتصادية مختلفة. ومن المؤسف له أن هذه البحيرة الداخلية لم تُفحص بعد وتولَ الاهتمام الذي تستحقه. وقد أُعلمنا، في الحقيقة، من قبل عدد كبير من أولئك الذين زاروا هذه البحيرة، أنه لا يوجد سمك أو صدف في مياهها، وأن البخار ينبعث باستمرار من قاعها، وأن ضفافها، السيئة والمجدبة والمقفرة بشكل شديد، لا تشهد أي نوع من أنواع الطيور. إلا أنه أُقر من قبل نفس هؤلاء الرحالة بأن السكان هناك ليسوا منزعجين أو متحسسين من أية مظاهر ضارة أو مؤذية نتيجة لبخارها، بينما التقديرات السابقة التي اعتقدت من أن الطيور المهاجرة التي كانت تحاول التحليق فوقها كانت تسقط وتموت، تعتبر عموماً خرافية الآن. وتدعم النواميس أو المصادر القديمة رواية الكتاب المقدس إلى حد بعيد، من أن قناة البحر الميت كان تعتبر في يوم من الأيام وادياً خصباً، تعتمد جزئياً على كتلة مائية تحت أرضه، وتتألف جزئياً من طبقة من قار بيتومين، وبأن ناراً متوهجة أتت من السماء على هذه المواد القابلة للاحتراق، ففاضت هذه الأرض الخصبة في أعماق هاوية، حيث تسببت في دفن «سادوم وعمورة» جراء حريق هائل.
إن هذا الاعتقاد الذي يلخص الحدود والميزات الجغرافية والمادية لفلسطين القديمة، يمكنه أن يبرهن ويثبت ذلك بشكل وافٍ كتمهيد لتاريخها القديم. وتوجد هناك تفاصيل كثيرة جداً وافرة موجودة في كتب وأعمال عديدة، التي اهتم وشغف مؤلفوها بالأحداث الماضية المثيرة للاهتمام والتي يكون كل موضوع يتعلق بفلسطين ملائماً لأن يُبين. وقد حاولوا الطبع على عقول قرائهم الانطباعات العميقة التي جربوها بأنفسهم من استعراضاتهم ومراجعاتهم الشخصية للمشاهد والصروح الأثرية القديمة، إلا أنني أحجم حالياً قصداً عن وصف دقيق لهذا الموضوع المغري جداً بشكل طبيعي، لأنه في جزء لاحق من كتابنا، فإنني سأكون منقاداً بشكل لا يمكن تجنبه إلى سلسة من التفاصيل الخصوصية المحلية، بينما نمضي قدماً في تقديم الوضع الفعلي للبلاد ولآثارها الباقية الموقرة. في غضون ذلك، نورد في الجدول التالي، وسائل مقارنة تقسيم أو توزيع الكنعانيين والقبائل العبرانية القديمة والتي اعتُمدت من قبل الرومان خلال القرن الأول للميلاد.
ففي بلاد رعوية كمثل التي تقع خلف نهر الأردن، خصوصاً حيث تكون الصحراء في معظم الأجزاء بمحاذاة الأراضي الزراعية، فإن حدود العديد من الأراضي لا يمكن أن تكون مميزة في معظم الأوقات. ومن المعروف أنه إضافة إلى أن السكان الأصليين للبلاد لم يطردوا تماماً من قبل القبائل العبرية الغازية، بل إنهم ظلوا في أراضيهم، وبالقوة أحياناً، أو بعقد معاهدات في أحيان أخرى، وفي قسم كبير من الأراضي تقع ضمن حدود جميع القبائل، وهي حقيقة مرتبطة بالعديد من الارتدادات والقلاقل التي حطت في مناطقها القبائل العبرانية القديمة فيما بعد.

الصفحات