أنت هنا

قراءة كتاب فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

فلسطين في العصور القديمة - الأراضي المقدسة

يجد المؤلف نفسه في إعطاء تقييم للأراضي المقدسة عند تفحص وتدقيق مواده سواء المقدمة باختيار تاريخ بسيط من جهة، أو وصف محلي فحسب من جهة أخرى؛ وستقرر ميزة كتابه بالطبع باختيار ما سيعمله في الطبعة الأولى أو الثانية لهذا الكتاب.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

أحداث تاريخية غابرة

مدى الأرض المقدسة. آراء كل من فلوري، سبانهيم، ريلاند، ولومان. مبدأ توزع القبائل القديمة في فلسطين. كل قبيلة اقتصرت على موقع منفصل. أعداد هذه القبائل. عدد الأسر الرئيسة. مجلس وطني. القضاة، طبيعة سلطتهم، ليسوا قضاة عاديين. ملوك، مجالس، مستبدون مختلفون. مؤسسات قضائية، قضاة وضباط، وصفوا من قبل المؤرخ جوسيفوس. وضع العدل بين القبائل العبرانية القديمة. تعلقهم بالحياة الرعوية، وقطاع طرق وقراصنة. هدف انفصالهم. مهنهم الموروثة. المدن القبلية، عددها واستخداماتها. وجهة نظر ملخصة لأزمنة وشخصيات القضاة العبرانيين القدماء.
لقد مارس الرجال المطلعون براعتهم طويلاً مع وجهة نظر تقرير دقة شكل الوضع الاجتماعي. فأول الأحداث التي وقعت بعد موت يشوع بدت لتنشئ حقيقة من أن كل قبيلة عبرانية كان عليها أن تدير شؤونها بنفسها، وحتى إلى المدى التي تكون فيه مخولة لشن حرب أو عقد سلم من دون مشورة أو موافقة مجلس الشيوخ العام. والحكومة الوحيدة التي كان أبناء يعقوب حتى الآن معتادين عليها هي أن معظم النظام القديم للحكم يمنح لكل رئيس قبيلة إصدار الأوامر والإشراف وتوجيه كافة أعضائها. فنجد آثار هذا الخضوع الطبيعي بينهم، حتى تحت ضغط الاستعباد المصري لهم. وخلال المفاوضات التي سبقت إطلاق حريتهم تحت قيادة النبي موسى، فقد كانت كافة الأوامر والرسائل التي خوطب فيها حكامهم أو آباؤهم الأوائل هي «امضوا لجمع كبار إسرائيل معاً»، فقد كان هذا أمر (يهوه) الرب لابن أمرام، عندما تلقى هذا الأخير تفويضاً لإنقاذ المنحدرين من نسل إسحاق من استبداد وطغيان فرعون. إلا أنه خلال التيه في البرية، وخصوصاً عندما اقتربت هذه القبائل من تخوم بلاد كنعان المخلصين، فقد أصبحت السلطة الأصلية لرؤساء القبائل تابعة للسلطة العسكرية لقائدهم الملهم، الذي أصبح كونه قائداً لجيوش هذه القبائل العبرانية موقراً ومطاعاً من قِبَل أتباعه كمساعد لسيد إسرائيل. وفي الحقيقة، فإن الأعمال العسكرية التي دعته إليها مهمته العسكرية، وضعت خليفة النبي موسى على رأس قومه بصفة أو رتبة جنرال، يرشدهم في مسيرهم أو ينظم جيشهم ويقوده في ميدان المعركة، فضلاً عن أنه معلم للحكمة أو حارس عقيدة وعبادة (دين) معين. ولغاية ما جرى تقسيم الأراضي التي احتلت بين القبائل المنتصرة فقد كان يشوع مجرد جندي قائد ليس أكثر، في حين، من جهة أخرى، فإن حشود العبرانيين، الذين ناصروا وأيدوا خططه العسكرية بشكل جيد، ظهرت على صفحات التاريخ بصفة ليس أكثر من كونها قوات مخضرمة، تقوم بعملها بصعوبة وبجهد بالخدمة الطويلة في مناخ قاس، وتؤدي مهمة جبارة بواسطة فنون الانضباط تحت إمرة قائد ماهر مولع بالحرب.
ومنذ الرحيل، باختصار، ولغاية نهاية قيادة يشوع، فقد فقدنا رؤية تلك الخطة البسيطة للإشراف المحلي التي أنشأَها وأسسها يعقوب بين أبنائه. وحول أمراء القبائل، ورؤساء الأسر إلى قواد الآلاف، مئات، خمسينات من الجند، ينظمون تحركاتهم على قرع الطبول، ويقضون أيامهم بالاستراحة ما بين الحذر واليقظة وتشكيل وإعداد معسكر منظم. إلا أنهم بعد تحولهم بوقت قصير تحولت سيوفهم إلى محاريث للأرض وحرابهم وسهامهم إلى مناجل، إذ إنهم رجعوا إلى شكل مجتمعهم القديم بشكل جماعي. وما أن بدا هنالك مساحة كافية من الأرض اغتُصبت من الكنعانيين وتعود لتلك القبائل المتواجدة على الجانب الغربي لنهر الأردن وهي إرث قانوني لهم، «أرسل يشوع الناس إليها، فتوجهوا إليها»؛ ومنذ تلك اللحظة فإن المظهر العسكري لمجتمعهم تحول إلى نموذج أبوي، وحملت مؤسساتهم كلها في الحقيقة مرجعاً مباشراً، وتم إحياء آمالهم ورغباتهم الأقوى الموجهة باستمرار.
ومدفوعين بمثل وجهات النظر هذه ربما أظهر العبرانيون نفاذ صبر غير ملائم للتمتع بثمار ونتائج غزوهم الناجح. فقد حاربوا، كما يجب أن يُرى، للحصول على إرث في بلاد غنية وسارة، بدلاً من أن يثأروا لقضية دينهم النقي أو لمعاقبة الممارسات الوثنية لأبناء عمون وموآب. لذلك ما أن انتشر الخوف من اسمهم وقوة سلاحهم بين سكان تلك البلاد المفتوحة، حتى بدأ العبرانيونَ بحرث وزرع الأرض، وأصبحوا راغبين أكثر لعقد اتفاق مع من تبقى من عدوهم، بدلاً من عقد سلام شامل ودائم يتحمل تعباً أقل ووقفاً للحرب، فتشوقهم لامتلاك الأرض التي تتدفق لبناً وعسلاً، تبدو أنها أجبرت يشوع (قائدهم وزعميهم) إلى تبني واعتماد إجراء أدى في فترة غير طويلة إلى ارتكاب ذنب أكبر، وعانى من جانب شعبه جراء ذلك. ووافق على أنهم يجب أن يحتلوا الحقول الشاغرة قبل أن تُقهر الشعوب التي احتُلت أراضيها نهائياً، فلا بد أن يكلف هذا كثيراً من أجل الاستيلاء على الأقاليم التي لا زالت في أيدي السكان الأصليين، وأنهم يجب أن يتوزعوا بين الجبال الممتدة والوديان الواسعة التي لم تُخضع بعد لسيطرة سيوفهم.
وسرعان ما أصبحت تأثيرات هذه السياسة الطائشة غير الحكيمة واضحة بأنفسهم، فقد تحققت كافة الشرور المتنبأ بها من قِبَل (خادم الله) المسن (يشوع)، عندما خاطب قومه في «شيشيم»، في وقت قصير وإلى مدى واسع جداً. فالعبرانيون لم يجدوا في الحقيقة بقايا من شعوب وأمم، الذين وافقوا على أن يسكنوا بينهم، راضين بهذا البلاء بينهم والأشواك في عيونهم، والذين كانوا لا يزالون قادرين على النزاع معهم للحصول على الأرض الجيدة التي تعلموا على اعتبارها كإرث مقدس، متباحثين معهم في منقبة وعد إلهي أُعطي لآبائهم. فعلى سبيل المثال، فإن مؤلف كتاب «الأحكام» يشير إلى أن «العموريين أجبروا أبناء دان على اللجوء للجبال، ولم يسمحوا لهم لأن ينزلوا إلى الوديان». وبذلك نفهم السبب لماذا لم ينجز الإسرائيليون لعدة مئات من السنين غزوهم لفلسطين. فقد تحرر الكنعانيون من الإرهاب الذي وقع عليهم في بدء الغزو العبراني، ولم يحاولوا استرجاع أراضيهم القديمة فحسب، وإنما أزالوا كافة الأضرار التي حلت بهم. فما هي التحركات التي قام بها الأسياد الصغار للبلاد، ولكي ينجز هذا الهدف، فإننا لم نبلغ من أية جهة بوضوح، مع أننا نجد، أنه من خلال التشاور التي عقد بواسطة قبائل عبرانية جنوبية، بعد وقت قصير من موت يشوع، ضرورة تجديد العمليات العسكرية ضد السكان المحليين، وإن ذلك لا يمكن أن يؤجل طويلاً. فتم التوصل إلى اتفاق وفقاً لذلك من أنه يجب أن يوحد يوداح وسيميون قواتهما وينزلا للميدان لمنع الغارات التي تشن على «حدودهم» في المقام الأول، وبالتالي لتقليص حالة الإخضاع التام للمدن والقرى التي تقع ضمن حدود مناطقهم.
ولكن بترك هذه الأمور التمهيدية، فإننا سنعالج ونستطلع مجموعة الرابطة العبرية قديماً، كما بدت عند إقامة أول استيطان لها تحت إمرة خلفاء يشوع؛ محاولين التحقق من الأسس التي أنشئ بموجبها الاتحاد الفيدرالي للقبائل العبرانية؛ وعلاقاتهم ببعضهم البعض تجاه الحرب والسلم؛ والمواد التي امتلكوها من أجل الغزو والحرب أو الدفاع الذاتي؛ وحقوقهم المدنية وامتيازاتهم «كدول مستقلة»؛ وقوانينهم وأنظمتهم القضائية؛ وفوق كل ذلك، طبيعة ومدى ملكيتهم، وأيضاً امتلاك الأراضي من قِبَل الأسر والأفراد. ويكون مرتبطاً بذلك بشكل وثيق بهذا الموضوع هو أخذ الاعتبار لذلك القانون الخاص بالأراضي الذي سُنّ من قِبِل النبي موسى وطبقه يشوع، والذي أوجد لا ليقرر فحسب، وإنما أيضاً ليضمن إرث كل عبراني يدخل (أرض الميعاد).

الصفحات