تنطلق هذه الدراسة من فرضية أساسية مفادها : إن فكرة أرض الميعاد تعد من أهم المرتكزات الفكرية التي استند عليها الفكر الإسرئيلي المعاصر، و لذلك تسعى هذه الدراسة للإجابة عن جملة تساؤلات منبثقة من هذا الافتراض العلمي لعل اهمها ما يأتي:
أنت هنا
قراءة كتاب أرض الميعاد في الفكر الإسرائيلي المعاصر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أرض الميعاد في الفكر الإسرائيلي المعاصر
المقدمة
كثيرة هي البحوث والدراسات التي عالجت تاريخ اليهود ، وبحثت في الصهيونية، وطبيعتها ، ومشاريعها ، وارتباطاتها الخارجية ، بيد أنها إغفلت السجل العقائدي الإيديولوجي الإسرائيلي ، والذي تمثل فكرة (أرض الميعاد) ، وفكرة (الشعب المختار) ، وفكرة (المسيح المنتظر) المحور الذي تدور حوله الأفكار والممارسات السياسية الأخرى .
فضلا عن ذلك لم تولِ الكثير من هذه الدراسات الأهمية الكافية للدور الذي أدته ومازالت تؤديه فكرة (أرض الميعاد) في الحياة السياسية سواء قبل قيام (الكيان الإسرائيلي) أم بعده .
إذ شكلت فكرة (أرض الميعاد) العمود الفقري في المشروع الصهيوني الذي جاء أساسا ليقيم (الدولة اليهودية) على ما يعرف بـ (أرض إسرائيل) ، فقد تم إحياء هذه الفكرة وإخراجها من حيز الحلم الديني إلى حيز الوجود والواقع بعد أن وظفت سياسيا من قبل الحركة الصهيونية التي عدّت كافة اليهود (شعبا واحدا) على الرغم من اختلاف انتماءاتهم وجنسياتهم ، فرأت في فلسطين المكان الملائم لجمعهم فيها كدولة خاصة بهم إذكاءا للروابط الدينية والتاريخية والتي تتجسد في العوده إلى (أرض الميعاد) .
وهكذا نشأت (الدولة اليهودية) مستندة إلى (شرعية) دينية مزعومة بعد إن كانت شبه عاجزة عن تسويغ برنامجها السياسي الداعي إلى تكوين هذه الدولة على غرار مثيلاتها من الدول القومية التي ارتدت وشاح العلمانية والقومية والدعوة إلى انصهار التوجهات الدينية ، والعرقية ، والعنصرية في البوتقة القومية .
ومن هنا تنبع أهمية الدراسة التي بين أيدينا والتي تحاول الكشف عن ماهية فكرة (أرض الميعاد) وتطورها ، فضلا عن تسليط الضوء على الدور الذي مارسته في إنشاء (الكيان السياسي) وتقصي الأثر الذي تركته هذه الفكرة بعد قيام (الدولة الإسرائيلية) .
والحقيقية إن هذه الدراسة تتميز عن غيرها من الدراسات السابقة لها بتركيزها على هذه الفكرة دون غيرها من نسيج المعتقدات والأفكار اليهودية الأخرى وبيان جوانبها وأثارها السياسية وتبعاتها .
إذ انقسمت الدراسات السابقة التي عالجت هذا الموضوع إلى نوعين أساسيين هما:
1- الدراسات غير المباشرة: وهي الجهود العلمية التي تناولت الموضوع بصورة ضمنية ، ومن ابرز هذه الدراسات الدراسة التي قدمها (كولن تشابمن)_أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية اللاهوت للشرق الأدنى في بيروت_ حملت عنوان (أرض الميعاد لمن؟) ، والتي ركزت على الأهمية الدينية التي تتمتع بها (فلسطين) في الديانات السماوية الثلاث (اليهودية ، المسيحية ،الإسلامية) وما يؤخذ على هذا المصدر تركيزه على دراسة الجانب اللاهوتي الصرف دون الجانب السياسي ، وهذا ما حفز الباحثة للبحث في هذا الموضوع ومحاولة توسيعه من الناحيتين الفكرية والسياسية .
وكذلك الدراسة التي قدمها (موسى مطلق إبراهيم) ، والتي حملت عنوان (وعد التوراة من إبرام إلى هرتزل) ، والتي ركزت على فكرة (الوعد الإلهي) في التوراة من حيث تعدده لأكثر من موعود ، واختلاف جغرافيته من وعد لآخر ، وما يؤخذ على هذا المصدر : انه أعطى مساحة واسعة للجانب النظري بيد انه اغفل اثر هذه الفكرة في السياسة الإسرائيلية .
وأخيرا الدراسة التي قدمتها المفكرة العربية (أبكار السقاف) ، والمعنونة بـ (إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة) ، والتي حاولت البحث عن منبت هذه الفكرة ،وتكونها ، وأسباب نموها وذلك من الزاوية اليهودية المحضة . من خلال نقد الإسفار التي استندت عليها الصهيونية كسجل شرعي يمنحها (فلسطين) ملكا ، وما يؤخذ على هذه الدراسة إغفالها للمراجعات الفكرية أو الفقهية التي طرأت على الفكرة بعد قيام (الدولة الإسرائيلية) في العام (1948) ومدى تأثيرها على حركة المجتمع (الإسرائيلي) وتياراته الفكرية المختلفة ، إضافة إلى موقف الأحزاب والقوى الأصولية اليهودية والصهيونية من الفكرة .
2- الدراسات المباشرة: وهي الدراسات التي كرست لهذه الفكرة ولعل أبرزها الدراسة التي قدمها الكاتب اليهودي (موشيه برافر) والتي حملت عنوان (حدود أرض الميعاد) ، والتي ركزت على احتساب (دولة إسرائيل) حقيقة مسلمة ، وغير قابلة للنقاش ، فهي قائمة منذ ما قبل الميلاد ، ومازالت إذ مرت بمراحل مختلفة إلى إن وصلت إلى ما هي عليه اَلان ، وان (أرض إسرائيل) التي أقيم على جزء منها هذه (الدولة) في بعض المراحل هي الأخرى أرض منزلة لليهود منذ القدم ، وتم (التطاول) عليها في بعض مراحل التاريخ من قبل (الغزاة) .