أنت هنا

قراءة كتاب العلم وشروط النهضة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلم وشروط النهضة

العلم وشروط النهضة

كتاب " العلم وشروط النهضة "، تأليف سمير أبو زيد ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 3

3 - اعتبارات منهجية
لذلك واتفاقا مع طبيعة الموضوع نوجه هذا المؤلف إلى عموم المثقفين ومتخصصي العلوم من ناحية وإلى متخصصي فلسفة العلم من ناحية أخرى. فالمؤلف سوف يغطي القضايا العلمية الأساسية من جوانبها المختلفة حتى يصل إلى الحالة الراهنة للفكر العلمي، ثم يتم تطبيق هذه التصورات على الثقافة العربية الإسلامية. ولكن الأسلوب الذي سنتبعه لن يكون ملتزما بأسلوب البحث العلمي الدقيق، كما في أبحاث فلسفة العلم. ولا أسلوب التعريف الدقيق بالموضوعات المطروحة والإحاطة الشاملة الدقيقة بها، كما في كتب الدراسة العلمية.
ولكن بدلا من ذلك سوف نركز على القضايا التي ترتبط بقضيتنا وهي تأسيس العلم كقيمة مجتمعية. ثم على عرض المفاهيم الأساسية المرتبطة بتلك القضايا باستخدام اللغة العربية البسيطة. واضعين في الاعتبار أن القارئ لن يحتاج سوى للثقافة العامة لفهم تلك التفاصيل. ولن يحتاج إلى أي معارف سابقة سواء في فلسفة العلم، والتي هي المجال الذي ينتمي إليه هذا المؤلف، أو في أي من العلوم التخصصية التي سنضطر إلى استعراض بعض مفاهيمها الأساسية.
ولكننا في نفس الوقت سوف نحتاج إلى أن نعرض للتفصيلات التخصصية لبعض القضايا الأساسية التي من المحتم أن نعالجها. وفي هذه الحالة سوف نحرص على أن يتم عرض التفصيلات التخصصية في هوامش كل فصل. وبذلك يكون القارئ المثقف ثقافة عامة، أو المتخصص في أحد العلوم التخصصية فقط، قادرا على قراءة المؤلف بشكل واضح بدون الرجوع للهوامش. أما بالنسبة للقارئ المتخصص فسوف يكون بإمكانه الرجوع إلى الهوامش لمتابعة التفصيلات التخصصية الدقيقة اللازمة. وكذلك يمكنه الرجوع إلى الإحالات والمراجع لمتابعة القضية المطروحة بشكل أكثر تفصيلية.
ولسوف يكون مهما على وجه الخصوص بالنسبة للقارئ المتخصص الأجزاء التي تطرح مشكلات فلسفة العلم المعاصرة والتغيرات المعاصرة في النظرة إلى العالم. كما ستقع التحليلات الخاصة بالعلاقة بين العلم والمجتمع وبينه وبين الفرد في مجال اهتمامه. لأنه من المعروف أن التوجهات العلمية المعاصرة تركز على الجوانب الاجتماعية للعلم وعلى ما يسمى بعلم اجتماع المعرفة وعلى أثر التوجهات الفكرية للعالم على نتاجه العلمي. فيمكن إذا للقارئ المتخصص أن يتابع السلسلة ابتداء من الفصول الخاصة بمشكلات فلسفة العلم والتصورات الجديدة بخصوص المعرفة العلمية.
وبالنسبة لطالب الفلسفة سوف يمثل الشرح المبسط للقضايا الأساسية في العلم نوع من المجال الأوسع للفهم يضاف إلى الكتب الدراسية التي تركز على الموضوع بشكل دقيق. أما بالنسبة للباحث لنيل درجة علمية فسوف يمثل هذا المؤلف بالنسبة له نوع من الطرح الأوسع للقضايا العلمية المرتبطة بالواقع. فيتيح مجالا أكبر لاختيار نقاط للبحث مرتبطة بواقعنا وتصوراتنا الحضارية. كما ستتيح له الهوامش والمراجع التي سنحرص على إضافتها مجالا أوسع للتعرف على الأعمال الأساسية والهامة في فلسفة العلم المعاصرة.
والسبب في توجهنا إلى هذه المستويات الثلاث من القراء هو طبيعة الموضوع نفسه، الذي يطرح العلم باعتباره نشاطا إنسانيا مجتمعيا عاما. وهو الطرح المبني على النظرة المجتمعية الكلية للعلم التي لا تجعل العلم منعزلا عن المجتمع في إطار من الأكاديمية. وتجعل العلماء بمثابة كهنة المعبد والعالمين بالحقيقة المطلقة.

4 - تقسيم الموضوع
وتطبيقا للشروط السابق بيانها نقسم معالجتنا لقضية تأسيس العلم كقيمة في المجتمع إلى بابين وأربعة أقسام بحيث يتضمن كل باب قسمين منها. فيتضمن الباب الأول القضايا النظرية، فيشتمل في القسم الأول على التعريف بالعلم كتصور نظري، وفي القسم الثاني على التعريف بطبيعة العلاقة بين العلم والمجتمع. ويتضمن الباب الثاني القضايا التطبيقية، فيشتمل في القسم الثالث على العلاقة بين العلم واعتقاداتنا الدينية، وفي القسم الرابع على العلاقة بين العلم والمفهوم الصحيح للمواطنة.
فنخصص القسم الأول لاستعراض مفهوم العلم وطبيعته ومشكلاته. فنقوم بالتعريف بالمفاهيم الأساسية والمستقرة حاليا للعلم الحديث. ثم نعرض بشكل موجز للكيفية التي نشأ وتطور بها العلم الحديث. ابتداء من جذوره في العلم العربي، حتى القرن العشرين الميلادي. ثم نعرض للمشكلات التي قابلت تلك المفاهيم والمحاولات التي يقوم بها المفكرون والفلاسفة للتغلب عليها. وننتهي على صورة العلم في أوائل القرن الحادي والعشرين.
وفي القسم الثاني نعالج علاقة المجتمع ككل بمفهومنا عن العلم. ولسوف نبين في هذا القسم أن العلم هو مفهوم مرتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة المجتمع ومرحلته الحضارية. ونبين أن العلم في الحضارة العربية الإسلامية القديمة قد ارتبط بمفهومها عن وظيفة الإنسان في العالم، والتي هي إعمار الأرض. وأنه في الحضارة الغربية الحديثة قد ارتبط بتصورها عن وظيفة الإنسان في العالم، وهي إخضاع الطبيعة واستغلالها لمصلحته. وأن التصورات الجديدة عن العلم تربط بين النظرة الإنسانية إلى العالم وبين طبيعة العلم.
أما القسم الثالث فنخصصه لبحث العلاقة بين مفهومنا عن العلم الحديث وبين معتقداتنا الدينية وتصوراتنا الأساسية عن العالم. ولسوف نبين في هذا القسم أن مشكلات التوافق بين التصورات الحديثة عن العلم وبين تصوراتنا عن العالم، والنابعة من حضارتنا العربية الإسلامية كانت ناتجة بشكل أساسي عن المفهوم الحتمي الكلاسيكي للعلم. وأن التصورات الجديدة للعلم التي تتشكل الآن، والتي استعرضناها في نهاية القسم الأول، لا تتناقض بشكل أساسي مع نظرتنا إلى العالم وإنما إذا طرحت بشكل صحيح سوف يمكن أن تتسق معها. وطرحنا في هذا القسم المنهج الصحيح لمعالجة القضايا المشتركة بين الدين الإسلامي والعلم، وعالجنا بعض المشكلات المطروحة في المجتمعات العربية والإسلامية كتطبيق لهذا المنهج.
وفي القسم الرابع والأخير قدمنا معالجتنا لقضية العلاقة بين الفرد العربي والعلم متمثلة في طرح مفهوم "المواطن العلمي". والمواطن العلمي هنا ليس المواطن الذي يستطيع أن يمارس العلوم التخصصية، وإنما المواطن الذي يتعامل مع المجتمع بحسب المنهج العلمي بالمعنى العام. ذلك أنه إذا اتسقت اعتقادات وتصورات الفرد عن العالم مع مفهومه عن العلم أمكن أن يتحول العلم إلى مكون أساسي في طبيعة الفرد.
وفي ظل هذا الاتساق سوف يكون ممكنا أن نبين أن حياة الفرد العربي الاجتماعية والنفسية والتي تسيطر عليها في النسبة الاغلب المبادئ الدينية والتقاليد الاجتماعية يمكن أن تتفق مع المفهوم الصحيح عن العلم. فإذا أصبح العلم مكونا أساسيا غير متناقضا مع مبادئ الفرد واعتقاداته الأساسية كان ممكنا أن يقوم بدوره في المجتمع بالشكل الصحيح. وأن يتحمل مسئولياته المجتمعية والسياسية لتحقيق نهضة المجتمع، متخليا عن السلبية التي تسيطر على مجتمعاتنا حاليا. وبهذا يكون المؤلف قد بدأ بالقضايا النظرية مقدما التصورات المعاصرة للمعرفة العلمية ومنتهيا بالمشكلات العملية مقدما تصورا تطبيقيا لتحقيق التصورات النظرية في أرض الواقع.
وبهذا التقسيم يعبر هذا المؤلف عن تصورات إنسانية عامة، وليست عربية أو إسلامية فقط. فإنشاء العلاقة بين الخلفيات الثقافية والمجتمعية، على العموم، والعلم يؤدي إلى إنهاء سيطرة ثقافة واحدة على الفكر العلمي، هي فكر الحداثة. وإلى استبدال ذلك بالفكر العلمي الذي تشارك في تصوراته كافة الثقافات والنظرات المختلفة للعالم. لذلك فالفكر المطروح في هذا المؤلف هو فكر إنساني عام في المقام الأول، وفكر خاص بالثقافة العربية الإسلامية على وجه العموم، وبالمجتمعات العربية على وجه الخصوص.
التصورات الجديدة للمعرفة العلمية
موضوع هذا المؤلف هو إنشاء العلاقة، النظرية والعملية، بين العلم وبين فكر النهضة العربية. وإنشاء هذه العلاقة يعني إنشاء العلاقة بين النظرة العلمية إلى العالم وبين نظرة الثقافة العربية الإسلامية لنفس العالم. وبذلك تصبح الخطوة الأولى في معالجة هذه القضية هي طرح النظرة العلمية المعاصرة للعالم.
وبصفة عامة يمكن القول بأن معالجتنا الحالية لهذا الموضوع تختلف عن المعالجة الأولى لفكر النهضة العربية في بديات القرن العشرين لنفس الموضوع في سمتين أساسيتين. الأولى هي أننا نأخذ في الاعتبار بشكل أساسي الفرق بين نظرة الثقافة العربية الإسلامية وبين النظرة العلمية إلى العالم. في حين أن المعالجة الأولى لفكر النهضة لم تضع مثل هذا الفارق في الاعتبار. وكان ذلك طبيعيا لأن العلم في بدايات القرن العشرين لم يكن يفهم سوى باعتباره مفهوما موضوعيا بشكل تام لا يختلف من ثقافة لأخرى أو من مجتمع لآخر، وهو المفهوم المعروف لفكر الحداثة.
والثانية هي أننا نربط بشكل أساسي بين العلم كتصور نظري وبين العلم كممارسة مجتمعية عامة، وليس فقط كممارسة للمتخصصين في العلم، اي العلماء. في حين أن المعالجة الأولى تعاملت مع العلم باعتباره نشاطا تخصصيا لفئة معينة من المجتمع، وأن المطلوب من المجتمع هو أن يحقق الشروط التي تؤدي إلى إنتاج العلم بواسطة مؤسسات خاصة بهذا النشاط.
وكل من هاتين السمتين يعبر عن التحول في طبيعة المعرفة العلمية منذ بداية القرن العشرين حتى الآن. ويمكن القول بأن هذا التحول الأساسي في طبيعة المعرفة العلمية قد بدأ مع الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي. فظهرت بشكل تدريجي التصورات العلمية التي تتعارض مع فكرة الموضوعية الكاملة للمعرفة العلمية . فبدأت بالاعتراف بتأثير الانحيازات الذاتية للعالم القائم بالبحث العلمي ثم بعدم إمكانية معرفة الطبيعة في حقيقتها بشكل كامل ثم إلى الاعتراف بأن النظرة إلى العالم تؤثر على المعرفة العلمية.
وعلى التوازي مع هذه التحولات ظهرت أيضا بشكل تدريجي التصورات التي تربط بين المجتمع والمعرفة العلمية. فبدأت بالاعتراف بتاثير الاختلافات الثقافية على المعرفة على وجه العموم، ثم بالاعتراف بأن الاختلافات الثقافية والمجتمعية تؤثر على توجهات البحث العلمي من مجتمع لآخر، ثم بالاعتراف بأن هذه الاختلافات تؤثر حتى على الأبحاث العلمية ذاتها وعلى نتائجها.
وهناك مستويان لعرض التصورات المعاصرة للعلم، والتي تنتج في مجموعها النظرة العلمية المعاصرة للعالم. الأول هو مستوى التصورات العلمية النظرية التي تتناول مشكلات الفكر العلمي المجرد. مثل مفهوم السببية والقانون العلمي والتفسير العلمي للوجود الطبيعي والإنساني..الخ، وهي المشكلات التي تصنف علميا في مجال فلسفة العلم. والمستوى الثاني هو مستوى العلاقة بين التصورات العلمية المختلفة، من ناحية، والمجتمع وخلفياته الثقافية والحضارية، من ناحية أخرى. وهذه تصنف علميا في مجال علم اجتماع المعرفة.
ومن الضروري بيان أن الوضع الحالي بالنسبة للنظرة العلمية سواء على مستواها النظري المجرد أو على المستوى المرتبط بالمجتمع ليس على اتفاق. وأنها حاليا تعد منقسمة انقساما أساسيا بين اتجاهين متضادين.
الاتجاهات التي لا تزال تؤمن بعلم الحداثة وتعترف بالمشكلات العديدة التي تقابله حاليا كنتيجة لتطورات واقعية عديدة. وتعترف بأن العلم الحديث لم يستطع أن يتغلب على تلك المشكلات ولكنها تعتقد في أنه سوف يستطيع أن يتغلب عليها في المستقبل من خلال تجديد أفكاره بما يتلاءم معها. وهذه الاتجاهات تنقسم هي الأخرى إلى اتجاهات جزئية عديدة تختلف بحسب الأسلوب الذي تراه ملائما لتجديد العلم الحديث بما يتلاءم مع متغيرات الواقع.
والاتجاهات التي ترى أنه من اللازم الاعتماد على تصورات علمية جديدة بشكل كامل استجابة للمتغيرات الواقعية التي فرضتها المعارف الجديدة عن الطبيعة والعالم. وهذه الاتجاهات هي الأخرى تنقسم إلى اتجاهات جزئية عديدة لا يجمعها تصور واحد حتى الآن وإن كان من الممكن رصد ملامح عامة لها.
أي أن الصورة الآن ليست صورة بسيطة كما كان الحال في الماضي في عصر استقرار العلم الحديث حتى أوائل القرن العشرين. لذلك يصبح من الضروري استعراض هذه الصورة بشكل يتيح متابعة التدرج في التحول من العلم الحديث إلى العلم المعاصر، وفي نفس الوقت يتيح معرفة الحالة الراهنة للمعرفة العلمية بتوجهاتها المختلفة. ولأن القضية هي قضية خلافية في المقام الأول فسيكون استعراضنا لهذه التطورات معتمدا اعتمادا تاما على استعراض الأعمال الحديثة والمعاصرة التي تعبر عن هذه التحولات.

الصفحات