كتاب " العلم وشروط النهضة "، تأليف سمير أبو زيد ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب العلم وشروط النهضة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

العلم وشروط النهضة
الفصل الأول : مفهوم العلم الحديث
ليس المقصود بمفهوم "العلم" الذي نعالجه في هذا المؤلف العلم بمعناه في اللغة كمعنى عام. وإنما المقصود هو نوع معين من العلم، هو العلم الحديث، الذي يتحدد بحدود معينة في موضوعه وحدود معينة في منهجه.
فالعلم الحديث يتسم بأن موضوعه هو الموضوعات الملموسة. سواء كانت الموجودات الطبيعية كمثل الجماد والمادة الحية والحيوان. أو الموضوعات المرتبطة بالوجود الإنساني، كمثل النفس الإنسانية واللغة والتاريخ..الخ. كما أن منهجه هو المنهج التجريبي الذي يعتمد على الاستقراء. والاستقراء، كلفظ، مشتق من "القراءة"، وهو يعني قراءة الطبيعة واستنباط ما تدل عليه ظواهر الطبيعة من حقائق.
والعلم بمعناه الحديث، اي العلم التجريبي، هو أحد الأساليب الثلاث الاساسية التي يتعامل بها الإنسان من العالم. فإلى جانب التعامل التجريبي مع الواقع، يتعامل الإنسان مع العالم من خلال تصوراته العقلية عنه. كما يتعامل مع العالم من خلال الاعتقاد المباشر بموضوعات الوجود المختلفة وطرح تصورات عن العالم مبنية على هذه الاعتقادات.
والعلم هو موضوع على درجة عالية من التعقيد ويتكون من موضوعات جزئية عديدة وله مستويات متعددة. فالعلم على مستوى الواقع الطبيعي، مثل الأحجار والأشجار، يختلف عن العلم على مستوى الكيانات دون الذرية، مثل الإلكترون والفوتون.
في الحالة الأولى تكون نتائج العلم حقائق ملموسة بشكل مباشر. أما في الحالة الثانية فنتعرف على نتائج العلم من خلال أجهزة ومؤشرات. فالطائرة التي ينتجها العلم تطير فعلا أمام أعيننا. اما إنتاج نظير معين من النظائر النادرة لليورانيوم مثلا، فلا يدل عليه سوى المؤشر الذي يشير إلى تفكك أو تركب ذرة ما وانطلاق إشعاع ما. وهو دليل ليس ملموسا ولا مباشرا، ونحتاج للثقة في آراء العلماء المتخصصين حتى نترجمه إلى واقع. ولذلك فهناك فرق كبير بين العلم على المستوى الطبيعي وبين العلم على المستوى دون الذري.
والعلم هو مؤسسة تتغير وتتطور باستمرار، فبعض النظريات العلمية تمثل حقائق في مرحلة ما من مراحل العلم. ولكنها هي ذاتها في مرحلة أخرى تصبح مجرد نظريات قديمة ليست لها قيمة علمية على الإطلاق. ومع ذلك فهناك ما يمكن أن نسميه بالحقائق المطلقة في العلم. فوجود المجموعة الشمسية، والتفرقة بين الكواكب والنجوم في الكون، هو من الاكتشافات المطلقة التي لا يمكن أن تتغير بتغير العلم. لذلك هناك نوع من الحقائق العلمية التي لا تتغير، وهناك نوع آخر من الحقائق العلمية التي يمكن أن تتغير مع تقدم العلم.
والعلم هو نشاط إنساني عام، فكل نظرية علمية جديدة تكون معتمدة على جماع المعرفة العلمية للبشرية ككل منذ نشأ البشر على الأرض. وكل موضوع علمي يساهم فيه أي فرد هو تلقائيا شريك لأي عالم آخر على وجه الأرض يبحث في نفس الموضوع، حتى ولو لم يتلاقيا أبدا.
ولذلك هناك فرقا بين معنى ونشاط العلم على المستوى الفردي أو الشخصي وبين معناه على مستوى الجماعة العلمية أو البشرية جمعاء. في الحالة الأولى يكون العلم ممثلا في الخطوات المنهجية التي يقوم بها الفرد المحدد. أما في الحالة الثانية يكون العلم ممثلا في أسلوب عمل الجماعة العلمية والمنظمات العلمية المختلفة التي تنشئها.
كما أنه هناك فرقا بين العلم بمعنى المعرفة العلمية القائمة، بتخصصاتها المختلفة، وبين العلم بمعنى "البحث العلمي". في الحالة الأولى يكون العلم هو جماع المعارف القائمة، أو صورة العالم في فترة معينة من تاريخ الإنسان. أما في الحالة الثانية فيكون العلم هو الأسلوب الذي يقوم به الباحث العلمي في التخصصات المختلفة.
فبالمعنى الأول هناك العلم العربي والعلم الحديث والعلم المعاصر بعد ظهور نظرية ميكانيكا الكم. وبالمعنى الثاني يكون هناك المنهج العلمي العربي والمنهج العلمي الحديث والتصورات المتعددة المعاصرة للمنهج العلمي. في الحالة الأولى العالم هو الدارس لتخصصه العلمي، وفي الحالة الثانية العالم هو الباحث العلمي القادر على خدمة البشرية من خلال تحقيق المزيد من الاكتشافات العلمية(1).
وعلى الرغم من هذه الدرجة من التعقد في مفهوم العلم، الذي هو أحد المفاهيم الأكثر عمومية للإنسانية، إلا أنه توجد سمات عامة مشتركة وثابتة للمعرفة العلمية.

