أنت هنا

قراءة كتاب العلم وشروط النهضة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلم وشروط النهضة

العلم وشروط النهضة

كتاب " العلم وشروط النهضة "، تأليف سمير أبو زيد ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 10

( ب ) الصورة الخاصة للمنهج العلمي
تختلف الصور الخاصة للمنهج العلمي بحسب طبيعة العلوم الخاصة المختلفة. فالمنهج العلمي في علم مثل الفلك يعتمد بشكل كامل على ملاحظة الأجسام السماوية، فليس هناك من وسيلة لعمل تجربة علمية يتم فيها عمل نموذج للنجوم والمجرات والكواكب. أما علم الكيمياء فيعتمد بشكل أساسي على التجارب المعملية. وعلم البيولوجيا يعتمد في جانبه الأكبر على عمليات الوصف والتصنيف..الخ من العلوم المختلفة.
بمعنى آخر أن لكل تخصص علمي المنهج العلمي الملائم له في حدود مفهوم المنهج العلمي بالمعنى العام. كما أنه من المعروف أن العلماء أنفسهم لهم أساليب مختلفة عديدة لتطبيق المنهج العلمي. ولذلك لا يمكن القول بأنه يمكن تحديد الأساليب العلمية في العلوم التخصصية بشكل دقيق.
ومن الأساليب التي يستخدمها العلماء في العلوم التخصصية، أسلوب الملاحظة، والتصنيف، وتحليل النتائج، والمقارنة، وإنشاء النماذج، وتثبيت بعض المتغيرات، والاستقراء، واستخدام الصيغ الرياضية، والتناظر بين الظواهر المختلفة، والتجربة والخطأ، والوظيفية، والتجارب الذهنية، والتجريب على الحاسب، والأساليب الإحصائية الاحتمالية، والمنهج التاريخي، ودراسة الحالة، والاستنباط المنطقي، والتحكم في الظواهر في الواقع، والاتساق المنطقي..الخ.
ولأن الأساليب العلمية التي يستخدمها العلماء في تخصصاتهم نابعة من خبرة العلماء أنفسهم في مجال تخصصهم والتجارب التي سبق إجراؤها. لذا فإننا نجد أن هؤلاء العلماء هم الأقدر على طرح تفصيلات الأسلوب العلمي المتبع في تخصصهم. وليس من المهم في هذا المؤلف أن نستعرض بشكل تفصيلي هذه المناهج الجزئية التخصصية، إذ يكفي ما عرضناه بخصوص المنهج العلمي بالمعنى العام.

3 - الفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية

تنطبق المفاهيم الخاصة بسمات العلم كنشاط إنساني وكمنهج علمي على العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية سواء بسواء. ولكن، عند التطبيق، هناك فروقا أساسية بين كل من هذين المجالين للعلم تؤدي إلى اختلافات أساسية في السمات الأساسية لكل منهما وفي المنهج المستخدم.
فالواقعة في العلوم الطبيعية هي حدث طبيعي ملموس يمكن إدراكه مباشرة بواسطة الحواس أو بصورة غير مباشرة بواسطة الأجهزة العلمية المختلفة. ولكن في العلوم الإنسانية لا تكون الواقعة ملموسة بواسطة الحواس أو الأجهزة وإنما تكون معبرة عن الإدراك الإنساني للواقع. فالواقعة في العلوم الطبيعية يمكن أن تتمثل في اصطدام جسمين أو تفاعل مادتين كيميائيتين أو انقسام خلية حية..الخ.
أما في العلوم الإنسانية فيمكن أن تتمثل في واقعة تاريخية لا يمكن إدراكها مباشرة الآن. وإنما ما ندركه هو ما حفظه الإنسان في ذاكرته أو كتاباته عنها. أو أن تتمثل في استخدام معين للغة الإنسانية بواسطة جماعة ما من الجماعات. فلا تتمثل الواقعة في الجانب المادي للغة (الكتابة ذاتها أو الأصوات)، وإنما في المعنى الذي يكتسبه استخدام اللغة. أو أن تتمثل في انخفاض قيمة سهم معين لمؤسسة اقتصادية معينة. فلا تتمثل الواقعة في أية مظاهر مادية لانخفاض السهم وإنما في المعنى الذي يدركه الإنسان من واقعة انخفاض السهم.
فالواقعة في هذه الحالة ليست واقعة مادية وإنما هي واقعة معنوية، أي ما يدركه الإنسان من معنى للأحداث المادية المصاحبة لها، وتسمى في الأدبيات بالواقعة غير الملموسة. ولذلك لا ترتبط الوقائع غير الملموسة بواسطة قوانين السببية المادية العادية وإنما بواسطة ما يسمى بالسببية المنطقية. ولأن الواقعة في العلوم الإنسانية تختلف اختلافا أساسيا عنها في العلوم الطبيعية فالاختلاف هو اختلاف أساسي بين المجالين.
ولأن الاختلاف بين المجالين هو فيما يخص طبيعة الوقائع التي هي الأساس في التعامل العلمي مع الموضوع. فإنه لا يمكن تطبيق القوانين الميكانيكية التي تتميز بها العلوم الطبيعية على العلوم الإنسانية. وظهرت بدلا من ذلك تصورات بديلة. فظهرت التصورات التي تحاول أن تطرح قوانين للمجالات المختلفة للعلوم الإنسانية تتسم بالسببية الحتمية. كما في نظريات الحتمية التاريخية، والنظريات البنيوية المختلفة في اللغة والأنثروبولوجيا، ونظريات المثير والاستجابة في علم النفس.
وفي مقابل ذلك ظهرت نظريات تعتمد على أنه لا يمكن التعامل مع موضوعات العلوم الإنسانية من خلال القوانين الحتمية على غرار العلوم الطبيعية. فظهرت النظريات التي تعتمد على قدر من الذاتية الإنسانية، أو الفهم الإنساني. وذلك كما في نظريات التحليل النفسي عند فرويد، والنظرية اللغوية التحويلية عند تشومسكي، والنظريات الحديثة في علم الاجتماع والتاريخ التي تعتمد على المشاركة الفاعلة من الباحث.
وليس هنا محل عرض التفصيلات الخاصة بالمشكلات الخاصة بالعلوم الإنسانية. ولكن ما يهمنا هو بيان أن هناك اختلافا أساسيا بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. وأن الخلافات حول طبيعة العلوم الإنسانية وهل هي علوم بالمعنى الدقيق كما في العلوم الطبيعية أم هي بصورة ما أقل علمية إن جاز التعبير هو خلاف لم يحسم حتى الآن. وهو خلاف يرجع بشكل أساسي إلى الخلاف بين النظرة الميكانيكية للعالم والتي ترى أنه يمكن رد كل التغيرات في الطبيعة بما فيها تلك المرتبطة بالإنسان إلى المادة وطبيعتها الميكانيكية. وبين النظرة اللاحتمية للعالم والتي ترى أن الطبيعة على وجه العموم، والنشاط الإنساني على وجه الخصوص، لا تخضع للحتمية الميكانيكية.

الصفحات