أنت هنا

قراءة كتاب العلم وشروط النهضة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلم وشروط النهضة

العلم وشروط النهضة

كتاب " العلم وشروط النهضة "، تأليف سمير أبو زيد ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 9

2 - المنهج العلمي

كما ذكرنا سابقا يمثل الاستقراء السمة الجوهرية للعلم. وذلك باعتبار أن جوهر العلم هو التعامل المباشر مع الواقع واستخلاص القوانين التي تحكمه. ولكن على الرغم من ذلك، المنهج العلمي، كمفهوم، هو أكثر تعقيدا من مجرد استخدام الاستقراء في صورته البسيطة التي أوضحناها فيما سبق.
والمنهج، لغة، هو الطريق أو السبيل المؤدي إلى مكان محدد. وهو في الفكر، على وجه العموم، مجموعة من الخطوات الخالية من المضمون والتي يتم تطبيقها وتكرارها بشكل منظم على الموضوع محل البحث. فمثلا، مجموعة المواد الدراسية التي يدرسها التلاميذ بشكل منظم على مراحل ابتدائي ثم إعدادي ثم ثانوي ثم جامعي تمثل، بغض النظر عن المضمون، منهج تعليمي يهدف إلى الوصول إلى الحد الأدنى من المعرفة الأساسية للطالب. ويمكن أن يتغير مضمون هذه المواد ويظل المنهج كخطوات قابلا للتطبيق.
ولا يختلف المنهج العلمي عن ذلك، فهناك مجموعة من الخطوات التي يقوم بها الباحث العلمي حتى يستطيع أن يصل إلى الهدف المطلوب، وهو تحقيق الكشف العلمي وتفسير ظواهر الطبيعة. ويمكن القول بأن المفهوم "المنهج العلمي" له مستويان أحدهما هو صورته العامة عندما نتعامل مع أي موضوع بصورة علمية. والثاني هو صورته الخاصة التي يطبقها العلماء، كل في تخصصه، عند إجراء الأبحاث العلمية الدقيقة. لذلك هناك أسس عامة للمنهج العلمي تنطبق بصورة عامة على كل العلوم، سواء كانت علوم فيزيائية أو بيولوجية أو علوم الإنسان، وصور تطبيقية متعددة بحسب طبيعة العلم محل التطبيق.
( أ ) الصورة العامة للمنهج العلمي
تتمثل الصورة العامة للمنهج العلمي في سلسلة من الخطوات المحددة. تبدأ بتحديد الموضوع محل البحث بشكل واضح. ثم يتم ملاحظة الظواهر الطبيعية المرتبطة بالموضوع. ويلي ذلك استنتاج الفرض العلمي من خلال معارفنا المسبقة عن الموضوع ومن خلال استقراء الظواهر التي تمت ملاحظتها. وبعد التوصل إلى الفرض العلمي يتم تأكيده من خلال إجراء تجارب عديدة عليه في ظروف مختلفة. وإذا تأكد الفرض تحول إلى نظرية يتم اختبارها بشكل مستمر في المجتمع العلمي حتى يثبت خطؤها أو حاجتها إلى التعديل. ويتم إعادة خطوات اختبار النظرية وتعديلها بشكل مستمر.
تحديد الموضوع
الخطوة الأولي في أي تعامل علمي مع أي ظاهرة هي تحديد الموضوع محل البحث بشكل واضح. فظاهرة كمثل حركة النجوم يمكن أن تنتمي إلى علم الكوسمولوجي كما يمكن أن تنتمي إلى علم التقاويم. ودراسة التربة يمكن أن تنتمي إلى علم الإنشاءات الهندسية كما يمكن أن تنتمي إلى العلوم الزراعية. فإذا تحدد موضوع البحث بشكل واضح أصبح من الضروري الالتزام بالموضوع محل البحث عند معالجة الظاهرة وعدم الخلط بينه وبين أي موضوع آخر.
وأهمية تحديد الموضوع تكمن في أن العلم هو في الحقيقة عملية تراكمية للمعارف البشرية عبر التاريخ. وتحديد الموضوع معناه الاعتماد على هذه المعارف السابقة في التعامل مع الظاهرة. فمثلا، إذا أردنا أن نتعامل بشكل علمي مع ظاهرة معينة في السلوك الإنساني، كمثل عقدة الخوف من الأماكن المغلقة. يجب أن نتعامل معها في سياق المعارف العلمية السابقة عنها. ولا يكفي أن نتعامل معها علميا انطلاقا من ملاحظاتنا للظاهرة فقط.
تحديد الوقائع
تتحدد الظاهرة محل البحث من خلال تحديد وقائع محددة تمثل في مجموعها هذه الظاهرة. والتحديد العلمي للوقائع يجب أن يتم بشكل دقيق وبحسب المعايير العلمية التي يحددها المجال العلمي الذي تنتمي إليه الظاهرة. ففي علوم الفيزياء تتحدد الوقائع بواسطة مقاييس علمية دقيقة، يمكن أن تصل كمسافة إلى النانومتر (10-9 متر) وزمانا إلى الفمتوثانية (10-15 ثانية). أما في البيولوجيا فتتحدد الوقائع بشكل اقل دقة. وفي بعض الحالات تكون الوقائع محددة بشكل تقديري غير كمي، كما في علوم الطب عند تحديد شدة الآلام أوكفاءة عمل أعضاء الجسم.
الفرض
يلي تحديد الوقائع العلمية والوصف الدقيق للظاهرة في أحوالها المختلفة، وضع الظاهرة في إطار الخبرة السابقة. أي وضع فرضية معينة بخصوص الظاهرة بحيث تتسق هذه الفرضية مع خبراتنا السابقة عن الموضوع الذي تنتمي إليه. فإذا ثبت أن هذا الفرض يتسق مع باقي الخبرات يتم اختبار هذا الفرض في ظروف مختلفة وبصور مختلفة. فإذا ثبت أن هذا الفرض هو فرض صحيح في كل تلك الحالات المختلفة أصبح ممكنا اعتباره قاعدة عامة ثابتة أو قانونا.
والفرض يمكن استنباطه بواسطة الاستقراء كما بينا سابقا. كما يمكن أن يعتمد على الحدس أو الشعور الداخلي المبني على الخبرات السابقة. وفي كل الأحوال يتم التوصل إلى الصورة النهائية للفرض والتي ستتحول إلى قاعدة أو قانون بصورة تدريجية. فيمكن أن نبدأ من استقراء الوقائع واستنتاج الفرض ثم اختباره في الواقع. أو أن نبدأ من الخبرة السابقة وتحديد الوقائع ثم وضع الفرض بواسطة الحدس ثم اختباره. وفي الحالين يتم تعديل الفرض بشكل مستمر حتى يتسق من ناحية مع الوقائع ومن ناحية أخرى مع الخبرة السابقة حتى يصل إلى صورته النهائية.
الاختبار التجريبي
كل خطوات المنهج العلمي تعبر عن التعامل التجريبي مع الواقع. ولكن الاختبار التجريبي للفرض العلمي يتميز بأن التجربة في هذه الحالة يتم تصميمها بحيث تهدف إلى اختبار الفرض في ظروف عديدة مختلفة عن الظروف التي تمت فيها ملاحظة الوقائع واستنتاج الفرض في سياقها. ذلك أن الفرض يمكن أن يكون ملائما فقط لمجموعة الظواهر التي تمت ملاحظتها بشكل استثنائي. ولكن إذا تأكدت صحة الفرضية في ظروف عديد مختلفة بشكل كاف وبدقة رياضية عالية بشكل كاف أيضا، فإنه يتحول في هذه الحالة إلى قاعدة ثابتة أو نظرية.
التفسير والتنبؤ
وإذا تم اختبار الفرض بشكل كاف وتحول إلى نظرية أصبح ممكنا استخدام النظرية في تفسير الظواهر المختلفة المرتبطة بها والتي لم تكن قابلة للتفسير فيما سبق. كما تستخدم النظرية في التنبؤ بالظواهر المستقبلية. فإذا ثبتت عدم قدرة النظرية على تفسير بعض الظواهر المرتبطة بها، أو ثبت خطأ التنبؤ بواسطتها في حالة معينة، كان ذلك دليلا على أن النظرية ليست صحيحة في كل الحالات. وأنه إما أنها تحتاج إلى تعديل أو إلى استبدالها بنظرية أخرى أكثر شمولا(11).

الصفحات