أنت هنا

قراءة كتاب العلم وشروط النهضة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العلم وشروط النهضة

العلم وشروط النهضة

كتاب " العلم وشروط النهضة "، تأليف سمير أبو زيد ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2008 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 7

1 - السمات الأساسية للمعرفة العلمية

المبدأ الأساسي في العلم بمعناه الحديث هو التحليل(2)، أي تحليل العلوم الأكثر عمومية إلى العلوم الأكثر تخصصية. فالطبيعة كموضوع عام للعلم تنقسم إلى علوم جزئية مثل الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا. وكل علم جزئي له موضوعه المحدد والمنهج التجريبي المناسب له. وهذه العلوم الجزئية تنقسم بدورها إلى علوم أكثر تخصصية لها موضوعاتها الأكثر تحديدا ومناهجها الأكثر ملاءمة. وبالمثل فالعلوم المرتبطة بالإنسان، وتسمى بالعلوم الإنسانية تنقسم إلى علوم جزئية مثل علوم النفس واللغة والتاريخ والجغرافيا. وكل علم أيضا له موضوعه المحدد والمنهج العلمي المناسب له.
وعلى الرغم من أن هناك اختلافا أساسيا بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية يتمثل في طبيعة الموضوع محل البحث. والذي هو الموجودات المادية في الحالة الأولي والوجود الإنساني في الحالة الثانية. على الرغم من ذلك يمكن القول على وجه العموم أنه توجد أربعة سمات أساسية تميز المعرفة العلمية. وهي على التوالي التجريبية، والسببية، والتعميم من وقائع الخبرة، وشمولية وعمومية القوانين العلمية(3).
( أ ) التجريبية
والتجريبية على العموم تعني التعامل المادي المباشر مع الواقع واكتشاف حقائقه. وهي عكس التصورية التي تعني الاعتماد على العقل فقط لمعرفة حقائق الواقع. فالإنسان بواسطة التجريب استطاع أن يعرف المواعيد والأجواء المناسبة لزراعة المحاصيل المختلفة، فدخل عصر الزراعة. وفي نفس الوقت لم يستطع، اعتمادا على التصورات العقلية وحدها، أن ينتج معرفة صحيحة بخصوص طبيعة النجوم في السماء أو كيفية عمل الخلايا الحية، فظلت تصوراته عنها خرافية.
والتجريبية درجات، اقلها الملاحظة المباشرة للظواهر، كمثل ملاحظة حركات النجوم واستنتاج مواقعها وأعمارها. وفي درجة أعلى من التجريبية يقوم العالم باختلاق الظروف المناسبة التي تمكنه من ملاحظة ظاهرة معينة محل البحث. وذلك كأن يقوم عالم البيولوجيا بإضافة وسط كيميائي معين وملاحظة تأثير ذلك على الخلايا الحية في نسيج معين.
ولكن أعلى درجات التجريبية هي تصميم التجربة العلمية. ففي أحيان كثيرة، بل في أغلب الأحيان، مع تقدم العلم، يكون من غير الممكن ملاحظة الظاهرة الطبيعية محل البحث في سياقها الطبيعي. وفي هذه الحالة يقوم العلماء بتصميم تجربة علمية تتيح كافة الظروف اللازمة لإنتاج الظاهرة المطلوبة. وذلك كأن يقوم عالم الفيزياء بوضع بعض المواد الفيزيائية في درجات حرارة عالية جدا وضغط شديد لاختبار هذه المواد في ظروف مشابهة لبعض الظروف الطبيعية.
والتجربة العلمية، خصوصا بعد تقدم العلم، تمثل امتدادا لحواس الإنسان. فبدلا من النظر المباشر اخترعت الميكروسكوبات والتلسكوبات. وبدلا من السمع أو اللمس أو الشم تم اختراع الأجهزة الإلكترونية المختلفة. وهذه الأجهزة تعطي نتائجها في صورة قياسات رقمية وجداول بيانية. أي أنه بدلا من الإدراك الكيفي التقريبي الذي تتميز به الحواس الإنسانية تحقق التجربة إمكانية القياس الكمي للظاهرة محل البحث. وتأسيسا على القياس الكمي أصبحت الرياضيات أساسية في إجراء التجارب العلمية وفي البحث العلمي على العموم(4).
وتصميم التجربة العلمية يتضمن في طياته عملية النمذجة (Modeling). فحتى تحقق التجربة ما هو منتظر منها من نتائج يحتاج من يصمم التجربة إلى عمل نماذج مشابهة للظروف الواقعية في الطبيعة. كما يضطر إلى التركيز على جوانب معينة من هذا الواقع وتجاهل جوانب أخرى. فتتحول التجربة إلى نموذج تقريبي للواقع ولكن لا يكون مطابقا له مطابقة تامة.
ولأن التجريبية هي مبدأ قبل أن تكون إجراء معين ظهر في العلم ما يسمى بالتجربة الذهنية "Thought Experiment". حيث يطرح العالم تصورا لتجربة حقيقية ثم يقوم، منطقيا، بإثبات أنه إذا أجريت التجربة في الواقع فإنها سوف تثبت أو تنفي حقيقة معينة. وهذا النوع من التجارب يتمبشكل أساسي في الأحوال التي يكون من غير الممكن إجراء التجربة في الواقع، أو أنه لا حاجة فكرية لإجراءها نتيجة أنه يمكن توقع نتيجتها منطقيا(5).
(ب) السببية
السببية "Causality" في أدنى تعريف لها هي أنه لكل شيء سببا. والسببية هي مبدأ عام مشتق بشكل تلقائي مباشر من تعاملنا مع الواقع. فنحن نتوقع دائما وجود سبب معين وراء وقوع أي حدث طبيعي، لذلك هي مبدأ غير قابل للإثبات. ولذلك ايضا ظهرت تصورات تنكر مبدأ السببيةوترى أننا ننشئ فكرة السببية نتيجة فقط لملاحظتنا للارتباط بين الأحداث في الماضي، ولكن لا شيء في الواقع يفرض هذا الارتباط مستقبلا(6).
ولكن على الرغم من الاختلاف حول مبدأ السببية، إلا أنها في الواقع المبدأ الجوهري في المعرفة العلمية. فالتغير في الطبيعة يظهر في شكل حركة للأجسام "تتسبب" في الأحداث المختلفة. فحركة الجسيمات داخل الشمس تتسبب في تفاعلات نووية تؤدي إلى إطلاق حرارتها. وحركة جزيئات المادة الكيماوية في درجة حرارة معينة "تتسبب" في تفاعلها مع مادة أخرى. وحركة الخلايا في مخ الإنسان " تتسبب " في أدائه لوظيفته، وهي التفكير .. وهكذا .
ولذلك كان الهدف الأساسي في التجربة العلمية هو محاولة التوصل إلى السبب الأساسي في وجود الظاهرة. ولذا يتم تصميم التجربة بحيث تستبعد بقدر الإمكان كافة المؤثرات التي لا يتوقع أن تكون سببا في حدوث الظاهرة. وبحيث يتم التركيز على الحدث الذي يتوقع العالم، نتيجة لملاحظة الظواهر، أن يكون سببا لها.
ومعرفة أسباب الظاهرة يمكن أن تأخذ الصورة الكمية، وفي هذه الحالة يكون السبب مطروحا في صورة علاقات رياضية. كمثل قانون التربيع العكسي للجاذبية، أو قانون التناسب بين الضغط والحرارة في الغازات. ويمكن أن تكون معرفة الأسباب كيفية، وفي هذه الحالة يكون السبب مطروحا ضمن علاقات تقديرية غير رياضية. وذلك كأن نفسر مرض معين بأن سببه هو العدوى بفيروس معين، ونقول بأن العدوى قوية أو ضعيفة أو متوسطة.
والسببية في العلم هي علاقة حتمية، أي أن العلاقة بين السبب والنتيجة هي علاقة ثابتة في كل الظروف والأحوال. ومع تقدم العلم ظهرت أنواع من السببية. فهناك السببية الاحتمالية "Probabilistic Causality" حيث تكون النتيجة المحددة مترتبة على حركة عدد كبير جدا من الأجسام، كما في ضغط الغاز الناتج عن حركة الجزيئات. وهناك السببية العقلية "Mental Causality" والتي تنشئ العلاقة السببية في العقل الإنساني بين الذاكرة مثلا، وبين الاعتقاد في حقيقة معينة.
ولأن اكتشاف الطبيعة هو في واقع الأمر اكتشاف للعلاقات بين الكيانات الطبيعية. مثل أن اكتشاف الذرة هو اكتشاف للعلاقة بين مكوناتها من الكترونات ونيوترونات وبروتونات، وأن اكتشاف الخلية الحية هو اكتشاف للعلاقة بين مكوناتها من بروتينات وجينات وبروتوبلازم..الخ. لذلك فالسببية في العلم هي اكتشاف العلاقات بين كيانات الطبيعة، بغض النظر عن التعريف النهائي لمفهوم السببية ذاته(7).

الصفحات