كتاب " الفلسفة والتسامح والبيئة "، تأليف فريال حسن خليفة ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الفلسفة والتسامح والبيئة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الفلسفة والتسامح والبيئة
2 - نشأة الفلسفة بوصفها معرفة دنيوية هى بداية الصراع مع الأسطورة:
مع نشأة الفلسفة كمعرفة دنيوية كانت بداية الصراع مع الأساطير والعقائد الدينية المسيطرة على تفكير الإنسان ووعيه . وبدأ تفكير البشرية يتخلص شيئا فشيئا من الأساطير والغيبيات ليقترب من العقل ويتوجه به . ومن ثم تراجع فهم المعرفة باعتبارها منحة للمصطفين من البشر باختيار الآلهة ، وإن كان معني الحكمة باعتبارها معرفة لم يتغير ، ولكن كان التغير واقعا ليس فقط على المصدر الأسطوري للمعرفة ، بل وأيضا على منهجية المعرفة .
وعلى هذا أصبحت الفلسفة بمعنى محبة الحكمة هي المعرفة التي يمكن الوصول إليها من خلال قدرات الإنسان المعرفية وجهده الخاص . وتنحصر آليات هذه المعرفة في الحواس والعقل وعن طريق الملاحظة والاستدلال والبرهان . والدليل على ذلك أن طاليس 624-546 ق . م عندما يقول : " الماء هو المادة الأولى والجوهر الأوحد الذى تتكون منه الأشياء " هو لا يقول بذلك المبدأ أخذا عن الأساطير والتراث الموروث ، ولكنه يقول به على أساس موقف معرفي ، مؤسس على منهج الملاحظة والاستدلال :
" إن النبات والحيوان يتغذيان بالرطوبة ، ومبدأ الرطوبة الماء ، وما منه يتغذى الشيء فهو يتكون منه بالضرورة ، ثم إن النبات والحيوان يولدان من الرطوبة ، فإن الجراثيم الحية رطبة وما منه يولد الشيء فهو مكون منه . بل إن التراب يتكون من الماء ويطفو عليه شيئا فشيئا كما يشاهد في الدلتا في نهر أيونيه حيث يتراكم الطمي عاما بعد عام ، وما يشاهده في هذه الأحوال الجزئية ينطبق على الأرض بالإجمال فإنها خرجت من الماء وصارت قرصا طافيا على وجهه في بحر عظيم ، وتستمد من هذا المحيط اللامتناهي العناصر الغازية التي تفتقر إليها فالماء أصل الأشياء"(7) .
وشكل المعرفة المؤسسة على الملاحظة والاستدلال عند طاليس نجده أيضا عند انكسمانس وانكسمندريس ، بل يمتد أيضا إلى هيراقليطس . " فالفلسفة عند هيراقليطس هى أن تعرف العقل الذى به تتحرك كل الأشياء "(8) . وإذا كانت الأشياء هي التي ترى وتسمع وتتعلم فإن الطبيعة المعنية في تلك الأشياء هي الكلى وهو في أحد جوانبه العقل أو اللوغس ، وفي الجانب الآخر هو النار الأبدية . " فالعالم واحد للجميع لم يخلقه إله أو بشر لكنه كان ، وهو كائن ، وسوف يكون نارًا أبدية تشعل نفسها ، بمقاييس منتظمة وتخبو بمقاييس منتظمة"(9) . فالنار الأبدية سيلان أبدى فكل شيء ينساب ولا شيء ويسكن فالكلى في تغير أبدى ، متخلل كل شيء يشتمل على كل شيء ، وبه يتلاشى كل شيء ولا يوجد شيء بمعزل عنه أو يستطيع الانفصال عن هذا القانون الكلى.
" والكلى موضوع للفهم لا موضوع للتعلم والفهم خاصة الفلاسفة لا العامة ، لأن كثرة التعلم لا تعلم الفهم . فالباحثون عن الذهب يحفرون كثيرا في التراب ثم يعثرون على القليل ، والقليل هو الذهب ، هو الحكمة ، هو معرفة الكلى ، هو عمل الفيلسوف ومعنى الفلسفة"(10) .
فمعنى الفلسفة عند الفلاسفة الملطيين ، بوصفها الحكمة أو محبة المعرفة بعد فصلها عن مصدرها الأسطوري ، هي معرفة دنيوية إنسانية حتى وإن كان السؤال الأساسي في المعرفة خاصًا بأصل الوجود ، أو المبدأ الأول . فالطابع العام لفلاسفة مالطية كما يقول تيدور أويزرمان أنهم قد انتهوا إلى " علمنة الحكمة"(11) .

