أنت هنا

قراءة كتاب الفعل السياسي بوصفه ثورة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفعل السياسي بوصفه ثورة

الفعل السياسي بوصفه ثورة

كتاب " الفعل السياسي بوصفه ثورة " ، تأليف مجموعة مؤلفين ، الذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

ولإتمام هذه العزلة وذلك الضياع وقتل المبادرة والتلقائية الإنسانية وإمكانية الفعل السياسية واستعادة السلطة، يحاول النظام أن يخلق أجهزة متداخلة ومتضاربة في جسمه الإداري، فينتج بيروقراطية مقيتة تنهك الإنسان وتضلله أكثر مما هو فيه. فكلما طالت مدة بقاء نظام توتاليتاري معين في السلطة كلما تعاظم معه عدد الأجهزة والمراكز وكأنها استنساخ للحركة التوتاليتارية، فمع استحداث جهاز دون إلغاء للآخر الذي من المفترض أن يحل بديلاً عنه، تكثر الأجهزة وتفتقد النفوذ، دوماً، لصالح الآتي من ترهلات الزيادة في الهيكلية الإدارية. (79) نخلص مماسبق إلى أن التوتاليتارية ترافق وتنتج أو تعمد إلى تحقيق الآتي:

1 ـ تحطيم المجال العام/ النشاط السياسي.

2 ـ تحويل المجتمع بطبقاته إلى جماهير.

3 ـ اغتراب العالم.

هذه هي الإجابة على السؤال الذي وضعناه عن أسباب وكيفية اختفاء السلطة السياسية . وتغييب الفاعلية الإنسانية المتجددة ـ المجددة. وكلك نستطيع أن نميز أن للنظام التوتاليتاري سمات متداخلة هي: (80)

1 ـ إيديولوجيا رسمية مخلّصة.

2 ـ حزب جماهيري يحتكر السلطة وبزعامة ديكتاتور.

3 ـ نظام إرهابي تدعمه شرطة سرية.

4 ـ احتكار السيطرة على استخدام القوة.

5 ـ اقتصاد مركزي موجه.

ومن ذلك فقد عملت التوتاليتاريات على مسخ إنسانها، وتحويله من فاعل إلى كادح فقط! وجعله محصوراً بمايحتاجه لقوته دونما ما يجب أن يفعله بوصفه حرّاً! لذلك أطلقت آرنت عبارة «تفاهة الشر»(81) وصفاً على ما قام به أدولف ايخمان ( Karl Adolf Eichmann ) النازي في زجه وتحشيده لليهود في معسكرات الإبادة «الهولكوست» بصورة لاتتضمن شراً متجذراً (*) في ذاته بل لتفاهته وعاديته. لأن السلطة التوتاليتارية تجعل مرتكبي الجريمة بإيعازها لايشعرون بفظاعتها ومأساويتها، وإنما بأنها أمر عادي. وما القائم بهذه الجرائم، إلا أداة لها؛ لايعي مسؤوليته تجاه الإنسانية، بل تنفيذه لقرارات إدارية، وبطاعة عمياء فقط. لذلك بحثت عن صورة أخرى لاتهامه وهي اللامسؤولية تلك بالأصل علاوة على قبوله لأفكار تحدد من يستحق حياة دون غيره بسبب هويته، وذلك أيضاً يمكن تأوله بأنه لامسؤولية إنسانية. تقول آرنت: «إن العنف والرعب الممارسين في البلدان الكليانية لايمتان بصلة، طبعاً، إلى السلطة بمفهومها الحقيقي. ومعنى اختفاء السلطة هذا هو ببساطة، اختفاء الإرادة لتحمل المسؤولية، لأن السلطة الحقيقية تـرتبط، حيثما وجدت، بـالمسؤوليـة تجـاه مسـار العالم» (82) ، حتى إنّ «آيخمان» صرح في معرض التحقيقات معه أنه مستعد لأن يرسل والده للموت إن تلقى أمراً بذلك، أي أنه منفذ بلا إدراك للأسباب والأشخاص موضوع الحكم. وإن كان يريد من تصريحه أن يصف نفسه بالمثالية والكمال والإخلاص، توهماً منه في ذلك. (83)

إن التفاهة تكمن في استقالة العقل والضمير من تحمل المسؤولية بوعي، لأن من قام بهذه المجازر من ايخمان وغيره من جلاوزة السلطات الشمولية لم يكونوا سوى جزء صغير وتافه من ماكنة البيروقراطية التوتاليتارية التي لاتدع لهم أي مجال في أن يحسوا بإنسانيتهم ومن ثم أن ينتظر منهم العمل باتجاه ما هو إنساني. وذلك ليس تسويغاً لفعلتهم بل إدانة بصورة أخرى أشمل من اختزالهم بالحادثة وإنما في كينونتهم الإنسانية واستحالتهم إلى كائن لامعنى له .

وبسبب تشخيصات آرنت التي نتجت من حضورها لجلسات محاكمة «ايخمان » وتجسدت، بدورها، في كتابها «ايخمان في أورشليم/ القدس» وما قدمته من شواهد وتقريرات عنها، بل وتصريحاتها التي خالفت بعض السذاجة وفكر تحصيل الحاصل الذي حوّل المحاكمة إلى مسرحية وفرجة على حد قول آرنت، إذ رأت أن اليهود الالمانيين والمجريين وغيرهم علاوة على المؤسسات الصهيونية كانوا هم بأنفسهم من تسبب بإ بادتهم في الفترة النازية وغيرها. لأن المقاومة انتفت والبلاهة التي أطبقت عليهم حينما اقتيدوا إلى محتشدات الإبادة كقطعان مقادة للذبح. كل ذلك جعل آرنت محط أنظار المهتمين من مفكرين وسياسيين، وكذلك موضوعاً لانتقادات لاذعة منها: وصفها بالنازية، واتهامها باللاموضوعية، لعدم حضورها كل جلسات المحاكمة، وإنما البعض منها فقط، مما يجعل تقريرها غير دقيق، إلا أن ردها كان ببساطة أنها تعاملت مع ما جرى في المحاكمة ووضعت فيه تقريراً ليس إلّا. (84)

نعم، فكتاب «ايخمان في أورشليم»، حسب وصفها، لم يكن سوى تقريرٍ لماحصل من حقائق داخل قاعة المحكمة، من ضمنها الحوارات والاستجوابات وخطابات المدعي العام وتوجه القضاة وردود ايخمان، وإفادات الشهود، ولادخل للأمر بفرضيات أو نظريات انطلقت منها لتطبيقها على ايخمان ومحاكمته. (85) وقد ردت حَنّه آرنت في أكثر من محفل ومناسبة على اللغط الذي دار حول كتابها هذا. وحتى بعد أن وصل الأمر إلى وصفها بالنازية، وأنها تحاول أن تخلق أعذاراً غير مباشرة للمجرمين النازيين، نراها، مصرة على موقفها وفاضحة لزيف هذه الاتهامات، فقد أجابت: إن هنالك اتجاهين في الأمر: الأول، تشويه وتحريف متعمد وخبيث قد حصل للكتاب؛ والثاني، حصول سوء فهم حقيقي له. ولايمكنني تصور أن أحداً ممن قرأ الكتاب أن يدعي أنني كنت أخلق أعذاراً لايخمان أو أبرر المجزرة بحق اليهود ومافعله النازيون من جرائم. (86)

وبالرغم من النتيجة التي قد تتصور بأنها ستضعف من آرنت ونشاطها! إلا أنها صرحت في أكثر من مرة أن محاكمة ايخمان حولتني إلى تفضيل الحياة النشطة على الحياة الفلسفية ـ التأملية، فقد غيرت منظورها للعلاقة بين الفكر والعالم. (87) هكذا بدت آرنت وبنقدها للممارسة التغريبية التوتاليتارية قاصدة إلى تسليط الضوء على إمكان استعادة الفعل السياسي ومعنى السلطة. وبذلك فالشمولية هي قتل للحرية ونفي لها. وبذلك فالمهمة الأساسية التنظيرية لآرنت هو البحث في برمجة استرجاع تلكم الحرية.

الفعل بوصفه ثورة : أو تحرير الفعل السياسي

اعتماداً على دلالات ثورية وعنفية!

الصفحات