أنت هنا

قراءة كتاب الفعل السياسي بوصفه ثورة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفعل السياسي بوصفه ثورة

الفعل السياسي بوصفه ثورة

كتاب " الفعل السياسي بوصفه ثورة " ، تأليف مجموعة مؤلفين ، الذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

يعد موضوع إعادة قابلية الفعل السياسي بصورة ثورية لخلق الجدة والحياة من جديد له، والبداية والولادة، قائماً على فرضيتين حددهما مسار النسق الآرنتي، الذي رسمناه، وهما:

أ ـ إن الفعل السياسي إنما هو فعل السلطة التفاعلية في الميادين العامة والتي تكشف عن ذواتنا أمام الآخرين، وذلك يعني الحرية في الفعل والقول؛ وكذلك المساواة في ذلك الحق. وعليه يلزمنا أن ندافع عن إعادة تجسيد هذه الصورة السياسية للسلطة في وضعنا الإنساني الراهن والذي يزداد سوءاً وانهياراً وتشظياً واستهلاكاً لكل القيم.

ب ـ يلزمنا أن نجعل السلطة مقابلة للعنف؛ ذلك لأن العنف كما قلنا أدواتي وإنما يحل في الوضع السياسي حينما تغيب السلطة. أي أن السلطة التي تعنى بالرأي والرأي الآخر، والحجاج والمشاركة السياسية، في الفضاء العام كما في الـ«اغورا»، إنما تعني انعدام الحاجة إلى العنف لأن الحجة والاتفاق هما سيدا الموقف. بينما العنف هو ما يقيل إمكان الحجة والاتفاق أصلاً، لذلك يعد سبيلاً لاعقلانياً في أغلب صوره. نعم أقول: في أغلب صوره، لأن آرنت قد بينت لنا أوجه تلك العقلانية أو المقبولية باستعمال العنف:

1 ـ في حالة الدفاع عن النفس، فلا يمكن لعاقل أن يقول إنه إن تعرضت حياته للخطر بتهديد من آخرين لايدافع عن نفسه بوسائل عنفية قد تساوي قدرة المعتدي أو تفوقها أو تقل عنها؛ ما يهمنا هو استعماله للعنف المشروع بهذه الحالة.

2 ـ وهنالك حالة أخرى يؤدي فيها العنف دوراً أكثر تميزاً وأهميةً؛ ذلك حينما يحاول المعنِّف أن يضيف طابعاً مؤثراً على صورة مطالبه، محاولاً في ذلك إيصالها إلى الرأي العام! (88) وذلك ما تسميه آرنت العنف المرتبط بأهداف على المدى القصير.

أما العنف بصوره اللاعقلانية، والتي أشرنا لها سابقاً بنوع من الإجمال، فهو ما يخرج عن إطار المدى القصير والدفاع عن الذات، ولذلك فهو يتبدى غير ذي جدوى بالنسبة لنوعية الأهداف ذات المدى الطويل، أو التبديلات البنيوية في النظام، وإن تجاوز مدياته الصغرى فسيكون كما ترى آرنت محتماً عليه أن يغلِّب الوسيلة على الغاية، وذلك لأن تأخير تحقيق الغايات زمنياً مرافقة للتعنيف سيؤدي إلى الهزيمة وبالتالي إدخال العنف إلى الجسم السياسي كله. (89)

ـ العنف: من التخريب إلى الثورة

سار التحول في العنف من آلية جذب الاهتمام لقضية ما في الشأن السياسي، إلى آلية من آليات الحكم. هذه صورة تخريبية للمؤسسات السياسية من جهة، وللممارسة السياسية نفسها من جهة أخرى أهم. فتنشأ الأنظمة البوليسية القمعية التعنيفية، وتلوح في الأفق رايات الحروب. وتبدأ مسيرة القمع والإقصاء، لأن السلطة قد غابت. والجسم السياسي أصبح منخوراً بالعنف. فتعد الثورة ، حينها، ملاذاً.

والحق إن مطلب الحرية يعود ليظهر بوصفه مطلباً لإعادة الأمور إلى نصابها في هذه الحالات. تقول آرنت: «إن فكرة الحرية قد فرضت نفسها في السنين الأخيرة على أخطر المناقشات السياسية الحاضرة والخاصة بالبحث في موضوع الحرب وموضوع الاستخدام المبرر للعنف. إن الحروب من الناحية التاريخية هي من أقدم الظواهر في الماضي المدون، في حين أن الثورات بنوع خاص لم تكن موجودة قبل ظهور العصر الحديث، لا بل أنَّها من أحدث الوقائع السياسية الرئيسية. وعلى عكس الثورة فإن الغرض من الحرب لم يكن مرتبطاً بفكرة الحرية إلا في حالات نادرة». (90)

ولايكفي العنف وحده لوصف ظاهرة الثورة، فآرنت تلحق ظواهر عدة لتحقيق معنى الثورة: (91)

1 ـ التغيير، فلايمكن الحديث عن الثورة دونما أحداث تغيير ويكون بمعنى بداية جديدة.

2 ـ يستخدم العنف لتكوين شكلٍ جديدٍ ومختلفٍ على مستوى الحكومة ولتأليف كيان سياسي مغاير.

3 ـ التحرر في الثورة بقصد الخلاص من الاضطهاد وتكوين الحرية.

وتتضمن الثورة فعل التأسيس لكيان سياسي جديد، والذي يعمل على تصميم هيئة جديدة للحكومة، ولذلك يلزم أن يكون ثمة وعي كاف للقائمين بهذا العمل الخطير بالطاقة البشرية لمطلب التجديد والبداية الدائمة (92) ، فذلك قد يكون منزلقاً في عدم الحفاظ على مكتسبات الثورة في خلق شيء دائم! ولابد من أن نشير إلى أن فهم الثورة بهذه الصورة هو فهم حديث ارتبط باندلاع الثورتين العظيمتين في القرن الثامن عشر في أميركا وفرنسا، ترى آرنت إن المفهوم الحديث للثورة ملتصق بالفكرة التي تقول بأن مسار التاريخ قد بدأ من جديد فجأة، وبأن قصة لم تكن معروفة مسبقاً ستروى الآن أو أنها على وشك الظهور (93) .

وبناءً على ما تقدم، تشكل الروحية الثورية الناجمة عن فعل الثورة من تأسيس الجديد، محاولة في خلق شيء مستمر، لذلك ستكون المؤسسة المسؤولة عن الثورة مهددة البنية بسبب الروحية الثورية في أنها قد تكون في خطر الإحباط. (94) ، ومن ذلك يلزم أن نفهم الثورة بأنها خلق روحية تتحول إلى تفاعل بعد الإنجاز! أقصد أن تكتسي وشاح الفعل (Action) وذلك في فهم الثورة وماهيتها في البدء بالجديد بأنه معنى الفعل السياسي داخل الحيز العام لإعادة مكانة السلطة بمعناها في (Polis) الأثينية. لعل المخرج الذي نربطه هنا هو مخرج بدوره لنسق آرنت من مشكل تهديم المؤسسات المتمخضة عن ولادة النظام الجديد بعد الثورة، وحفظ للحريات وتمكين الفعل.

وهنا نعود إلى رهان التحرر من حكم بيئة الضرورة، فإنه وإن كان قد بدأ في أول الأمر في خلاص الإنسان من ضرورات الحياة بالعنف ضد الآخرين وجعلهم يتحملون عبء المسؤولية الضرورية من قبل آخرين خاضعين لهم! بصورة العبودية. ولذلك فالعنف الذي يمارس اليوم يختلف عن حال الحرية التي يتمتع بها الناس بعد تحررهم من العبودية، وعليه نفهم اختراق الخاص للعام أو العائلي ـ السوقي للسياسي هو المشكل الجديد، بسبب التطور الهائل للتقنية وتجليات العقل الأداتي الغائي في الهيمنة على الإنساني. وقتل روحية الإبداع وتلقائيته وحريته. فما الحل؟

ـ مقومات الفعل بوصفه سلطة

تكمن الإجابة على التساؤل السابق الذكر، في لزوم استعادة مقومات الفعل، الذي شرحَنا كيفية وأسباب غيابه. وسأقدم هذه المقومات بوصفها برنامج تحرر هو (95) :

1 ـ التأكيد على ضرورة الرضى المتجدد كأساس ومصدر لمشروعية السلطة دائماً، فهي محاولة في المبادأة وإنشاء المشروعات الجديدة دوماً، وذلك يحمل معنى الثورة التي يتضمنها الفعل بصورته الخَلقية التجديدية للتحرر من المؤسسات السياسية التقليدية بما فيها التوتاليتارية.

2 ـ إن القبول بأمر ما أو التعهد به إنما غايته تحرير فعلنا من القيود الخارجية المفروضة عليه، وعلى ذلك فعلى الفعل أن يضمن إرادة العيش المشترك وهذه التعهدات والوفاء بها ما يخلق مجتمعاً متناغماً قادراً على تجنب العنف وأشكال الخلاف.

3 ـ ينتج من النقطة السابقة، أن جميع أفراد المجتمع لن يتحركوا من منطلق مصالحهم الأنانية المتضاربة، ما دام التناغم هو شكل العلاقة بينهم وهو الذي يحدد حركتهم فيها، ولذلك سنجدهم يتحركون باتجاه الإرداة العامة انطلاقاً من مبدأ التضامن الذي ألمحَنا له سابقاً في ثنايا البحث.

4 ـ التعويل على دور المثقف، المجسد لفكرة «المنقذ السياسي الأسمى» وهو الذي يدخل حلبة السياسة لتأدية دور لاانحياز فيه، ومهمته الأساسية منحصرة في تقرير الحقيقة، وبذلك سيواجه المثقف رمزاً مقابلاً له هو الدجال السياسي، وهو الذي يستهدف تشكيل العالم طبقاً لرؤيته الفاسدة، مجسداً بمؤسسات منظمة من وسائل الإعلام والدعاية التلقينية وماتقوم به من الأعيب، فإذا فشل الأمر وهيمن الكذب والدجل، نتجت التوتاليتارية.

5 ـ التأكيد على الدلالة السياسية لفكرة «الصفح»: إن القدرة على الصفح تحرر الآخرين من تبعات أعمالهم في حال أو زمن ما لغرض التسامح، ولذلك ينتج تفاعل أفضل وصورة جذابة للعلاقات البينذاتية للمواطنين. والتي ألمحَنا لها في ما أبقته آرنت من الفكر التقليدي المسيحي.

ـ موقف نقدي

لا يمكن أن يمر مشروع آرنت وما قدمته من نصوص في الفلسفة والسياسة، دون أن يأخذ حيزاَ من الجدل، وسأقف هنا على عتبة النقد في موضوع تصنيفها للحياتين الفكرية والنشطة وإمكان الفصل، بل بداهته لديها، اعتماداً على المنجز الأرسطي، والذي هو منجز يحكي حالاً وبيئة مختلفة زمكانياً عما نحن عليه اليوم. علاوة على أننا حينما نفهم دور الفيلسوف أو المثقف في كونه الفعال والناقد فإنه يلزم أن نتصوره سابراً لأعماق الممارسات في الحياة النشطة، وذلك يزيد هوة الإشكال في التصنيف. وإن كانت آرنت فهمت ذلك أيضاً، إلّا أنها تصر على استقدام تلك الصيغة الأرسطية للشطر بين العالمين وكـان المفروض العمل على الصيغ الناقدة أو إبداع واحدة أخرى في قبالتها.

كما أن التصنيف الثلاثي في الحياة النشطة هو الآخر يعتريه الشك في دقته وعدم التباس أحدها بالآخر من كدح وعمل وفعل، فهذه الأنشطة يصعب تصورها كذلك في وضعنا المعاصر لتداخلها بل وغياب ذلك الفصل، وذلك ما تنقده آرنت. ولكنها من جهة أخرى، تقرر الوضع الإنساني وكأنه الواقع بما يقابله من أنشطة وفعاليات، وتبدأ بالتمثيل له في الكادح الحيواني والصانع الإنساني والفاعل الحر، وتحاول إثباته تاريخياً إلى يومنا الحاضر. وتسجل غياب الفعل دون غيره، بينما تتكلم عن واقع الثورات العظيمة وواقع الأنظمة الديموقراطية المخالفة للتوتاليتاريات، وهي حاملة لمعنى الفعل في التأسيس واجتراح الجديد مشاركة في التنفيذ والتشريع، ومثالها الأوضح في ذلك أميركا! لعل هذا الاشتباك لا انفكاك له في غزل آرنت.

يبقى أمر اختلاط الاجتماعي بالسياسي، وكيف أنها رأت أن تداخلهما يفضي إلى هيمنة الأول على الثاني. والأول هو حامل لمعاني الضرورة والقسر بينما الثاني بالضد منه حامل لنظام الحرية والتعدد، ويحق لنا التساؤل عن كيفية وضع حدود لهذه الجغرافيات الفكرية، فهل يمكن أن يتصور هذا الفصل حقاً؟ أم أنه مجرد وهم لأن الاجتماعي بضرورياته هو يمثل ذوات مساهمة في السياسي، لا يمكن أن تتنازل عما لديها من مكسب اجتماعي لغرض نقاش في الشأن العام، لأن أفراد البيئة الاجتماعية هم أنفسهم من يسهم في ذلك الشأن؛ اللهم، إلّا إذا فهمنا الاجتماعي كقناع تفرضه الضرورة والسياسي ككشف للوجود جهاراً بلا أقنعة فحينها سيكون تصوراً يوتوبياً وفنياً جميلاً، إلا أنه يخالف الواقعية التي تحلم بها آرنت. ولا يمكن أن نتناسى قبولها ليوتوبيا اليهود في إسرائيل وما فعلته في دعمها للمنظمات الشبابية التي قصدت الهجرة إلى فلسطين في نهاية الثلاثينيات ومطلع الأبعينيات؛ وإن كنت أرى أن أمر الوطن المقدس هو موضوع مسوغ في كل الأديان، إلا أن ما تنتقده من سوء تدبير للمؤسسة الصهيونية مرة، نجدها في مرة أخرى لا تلحظ تضمينها للعكس بإسناد أفعالها في الهجرة نحو القدس، إلا أنها تخلت عن دعوتها هذه في نهاية الأربعينيات لتقف موقفاً حازماً بوجه الحركات الصهيونية وموقفها من الوضع الفلسطيني وبالتالي رأت أن تقف موقفاً سلبياً ورافضاً من إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وهنا تحول آخر قد يعيد ترتيب أوراق آرنت.

الصفحات