أنت هنا

قراءة كتاب إنهيار جدار عرب المشرق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إنهيار جدار عرب المشرق

إنهيار جدار عرب المشرق

كتاب " إنهيار جدار عرب المشرق " ، تأليف إبراهيم عبد الطالب ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 1

مسـارات التاريخ

ليس التاريخ قرصاً يدور على محور ثابت، ولا هو عقرب ساعة كبيرة كالحياة، إلا أن التمعن الواعي والنقدي في التاريخ يسمح للباحث بتفهم الماضي بعمق ودقة من جهة، وإلى توقع، أو على الأقل افتراض مسار تقريبي للأحداث القادمة وليس ذلك بالأمر اليسير ولا حتمياً أو لعله بعض ما خص الله به الأنبياء والعباقرة، فالتاريخ لا يعيد نفسه حرفياً ولا مرة بعد أخرى، إلا أن عدم انتظام وتسلسل الأحداث كما توقعنا أو أردنا لا يبرر لنا تجاهل أو إغفال التفحص الدائم للتاريخ، وبالمعنى والطريقة التي يستخدمها القادة وتلاميذ المعاهد العسكرية العليا في تفحص ساحات المعارك الحاسمة لا لكي يخوضوا معاركهم المقبلة فوقها ـ رغم أن ذلك قد يحدث بل وقد حدث فعلاً ـ بل لفهم ما حدث وللبحث عن مسالك جديدة للعمل ولتحري الأشكال والمفاهيم الجديدة التي يحتمل أن تسود الحروب القادمة ما دام مصير تلك الحروب سيحسم فوق الأرض. وللعرب تاريخ عسكري عريق تمتد جذوره إلى ما قبل الإسلام رغم قلة المصادر وشحتها عن تلك الفترات ولعلها قد تكتشف في يوم قريب. أما أحداث ما بعد ظهور الإسلام فقد حضيت بالتدوين والصيانة (رغم الكوارث والحروب التي أتلفت الكثير جداً من ذلك التراث) على تعدد واختلاف الروايات وغير ذلك من هنات وعوادي الزمن، وقد تولى ذلك رجال مشهود لهم ـ أو للكثيرين منهم ـ بالكفاءة والأناة وطول الباع في علوم عصرهم وكفاهم فخراً أنهم صانوا لنا ذلك التراث، وإن تعذر على الكثيرين منهم دراسة ذلك التراث وتحليله بعلمية أو منهجية، فما من سبيل إلى لومهم في ذلك، بل إن بعضهم قد أجاد في اختيار منهجه في البحث والتأليف وفي أسلوب الكتابة، وما علينا إلا العمل على تلافي مثل تلك النواقص والهنات وإعداد الخرائط والمخططات الضرورية لفهم المعارك والتحركات والعمليات العسكرية لا سيما بعد أن تحددت وتبلورت المفاهيم والمبادئ والاعتبارات واتخذت أشكالاً واضحة ومحددة يرقى العديد منها إلى مصاف العلوم والنظريات المؤكدة التي تزخر بها علوم الحياة الأخرى، وكل ذلك مما ييسر للباحث دراسة وتمحيص ذلك التراث التاريخي. كما تستلزم مهمة إعادة كتابة التاريخ أن نحسن قراءته أولاً، ولعل هذا هو ما تطمح إليه هذه الدراسة في جوانب منها دون أن يعني ذلك محاولة إلباس تاريخنا العسكري نفس المبادئ والمفاهيم المعاصرة، غربية كانت هذه أم شرقية وبطريقة قسرية فجة، أو أن نحوره بأي كيفية أو وسيلة كي ينسجم وتلك المفاهيم المعاصرة، فلسنا بحاجة إلى كل ذلك الجهد والمعاناة ـ إن لم نقل والتشويه أيضاً ـ بعد أن أثبتت العلوم والمبادئ العسكرية، بما فيها مبادئ وفن الحرب إنها واحدة من حيث الجوهر «هناك على مدى التاريخ كله مبادئ أساسية للحرب ... ثابتة لا تتغير، ومستقلة عن كل أنواع الأسلحة، أو المكان أو الزمان، ويتوقف عليها الوصول إلى النتائج الجيدة المرجوة في الحرب، وبعد أن تأكدت صحتها وديمومتها على مر العصور واختلاف الأسلحة والأساليب التعبوية وميادين وساحات المعارك، أما ذلك التنوع والاختلافات في سلم الأهمية وأسبقيات المبادئ والأسس العسكرية في التطبيق ما بين دولة وأخرى وعصر وآخر فليست أكثر من ضرورات تفرضها تطورات الفكر والأحداث أو ظهور أسلحة جديدة أو بداهة وإبداع نوعية متميزة من القادة غير التقليدين، وأساليب ومجالات العمل المتاحة، وتنوع وتعدد الاستراتيجيات والأهداف العليا ـ سياسية و/أو عسكرية ـ والأهداف الميدانية التي تحددها الدول والجيوش لنفسها لا سيما عندما تتصادم الإرادات والخيارات (كما في الحروب الكبرى والحربين العالميتين). لذا لا بد من تركيز البحث والمقارنة على الفكر العسكري فهو الأساس والقوة المحركة للتاريخ العسكري والعقل المفكر الذي يضع أحداثه وحتى تفاصيله وخططه، يلي ذلك في الأهمية التخطيط الاستراتيجي الذي يعكس قوة وصحة الفكر العسكري فهو المجال الحي لنشاطه، وأداته الأولى في صناعة وصياغة أحداث التاريخ العسكري، كما يمثل وفي حالات عديدة التعبير الحي عن قوة وروعة المدرسة العسكرية في أوج مدها وكما سيتضح ذلك لنا في تخطيط استراتيجية وعمليات تحرير مصر والشام والعراق ومعارك الخندق وحنين وكاظمة والمذار وغير ذلك.

ما من شك في أن الفكر العسكري والتخطيط الاستراتيجي هما أقوى وأكثر أهمية ـ وأمانة ـ من الموضوعات والجوانب التعبوية (المعارك والاشتباكات) وحيث يطلق العنان للخيال القصصي والصور التاريخية التي تضفي الكثير من الغموض واللاواقعية والسحر على الحقائق التاريخية والعسكرية، دون أن نسعى إلى إغفال الدروس والأحداث التعبوية الرئيسية ما دامت تلك «النتائج التعبوية الكبرى هي وحدها القادرة لأن تقود إلى نتائج استراتيجية كبرى»(1) .. فالبحث في الفكر العسكري وفن الحرب العربيين على ضوء المفاهيم العسكرية المعاصرة أو (الحرب الحديثة) وإجلاء غوامضه وتفسير أحداثه وإبراز معالمه وأطره الأساسية ومفاهيمه الاستراتيجية التي وجّهت عمليات التحرير والفتوح العربية الإسلامية، تظل المهمة الأولى للمؤرخ العسكري في سبيل بناء المدرسة العسكرية العربية ووضعها في إطارها التاريخي وبيان إسهاماتها في الفكر العسكري العالمي.

الصفحات