كتاب " إنهيار جدار عرب المشرق " ، تأليف إبراهيم عبد الطالب ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إنهيار جدار عرب المشرق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إنهيار جدار عرب المشرق
امبراطورية للعرب في القرن السابع الميلادي
اقترن ظهور العرب كقوة لها حضور فعّال على مسرح التاريخ العالمي ببزوغ فجر الإسلام في النصف الأول من القرن السابع الميلادي. فحتى ذلك الحين، كان قد ولدت دول محدودة التأثير لها ارتباط مع امبراطوريات ذلك الوقت في أطراف الجزيرة العربية. كانت دولة الغساسنة في الغرب (في منطقة الأردن وحدود العراق الغربية وفلسطين حالياً) أتباعاً للامبراطورية الرومانية، وغدت دولة المناذرة (اللخميون) في الشمال الشرقي (الآن جنوبي العراق) أتباعاً للامبراطورية الفارسية (دويلات حاجزة للامبراطورتين)، وتعاقب اجتياح الرومان والأحباش والساسانيين (الفرس) لليمن في الجنوب الغربي التي عاشت فترة ازدهار فيها مملكة سبأ في التاريخ القديم، وبذلك حرم العرب من أن تكون لهم دولة مستقلة في جانب أو آخر من أراضيهم.
أما الجزء الرئيسي من شبه جزيرة العرب، فقد كانت تسكنهُ قبائل عربية بدوية تنتقل من مكان لآخر طلباً للماء والكلأ، وأحياناً يظهر القتال فيما بينهم لإثبات قوة القبيلة أو القبائل المتحالفة وهيمنتها على ذلك الجزء من أراضي الرعي لماشيتهم، إلا أن أياًّ من هذه القبائل لم ترقَ إلى كيان دولة مهابة الجانب من قبل الآخرين.
مكة والمدينة
كان من بين المراكز المهمة في جزيرة العرب ذات الأهمية التاريخية، هما مكة والمدينة، ففي الأولى كانت قبيلة قريش تمثل مركز الصدارة بين كل القبائل الأخرى لأنها تولت (القوامة) على أكثر الأماكن المقدسة لدى حجاج وزوار الكعبة. وبسبب التنظيم والقوة الاقتصادية التي تمتعت بها قريش في ظل استمرار حروب الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية، فقد اختارت قريش طريقاً آخر للتجارة لعبت فيه مركز مكة دوراً محورياً، فأكسبها خبرة كبيرة وتحالفت مع قبائل أخرى لتوفير الحماية للغذاء والأقمشة وخدمات النقل والإدارة على امتداد طريق التجارة الذي كان يغطي شبه الجزيرة طولاً وعرضاً.
أما مكة نفسها فقد كان فيها مجلس يشترك فيه وجوه القوم الذين يمثلون مختلف العشائر داخل القبيلة، وهو مجلس يتمتع بكل الصلاحيات لأداء الوظائف المهمة وكأنهم في دولة مستقلة ولكنها ليست كذلك.
في يثرب التي سميت بالمدينة فيما بعد، فإنها كانت تمثل النمط الزراعي على نطاق واسع على الرغم من اشتغال آخرين في التجارة والحرف الصناعية البسيطة كالحياكة وصنع الأسلحة البسيطة.
كان العرب جميعاً، وأياً كان المكان الذي يعيشون فيه يتحدثون لغة مشتركة بلهجات مختلفة، ولكنها بقيت نفس اللغة ومفهومة للجميع. كما كان الجميع يؤمنون بأنهم ينحدرون من أصل مشترك تتبعوا مسارهُ واعتزوا به باعتباره تراثاً فريداً يختلفون به عن أصول الأقوام الأخرى، وكانت لهم ثقافة مشتركة منقولة شفهياً، لعب فيها الشعر البدوي دوراً رئيسياً، وقيم خاصة بحياة البداوة بكل فضائلها ورذائلها، ومنها عبادة الأصنام التي تمثل الألهة التي باعتقادهم تشفع لهم وتهديهم لجلب الخير، إلا أن هناك أقليات مبعثرة على أطراف الجزيرة كانت تعتنق الديانة المسيحية واليهودية.
وسادت فترة عدم نزول المطر في بداية القرن السابع فسبب حالة من القحط والغوث لدى معظم القبائل البدوية المتنقلة، فهجرت أصنامها وراحت تبحث عن الماء والكلأ أينما وجد، فهاجرت إلى أطراف نهر الفرات في العراق لتجد الاستقرار في بناء مساكن ثابتة بدلاً من حياة القسوة والعوز التي لازمتهم فترة طويلة من حياتهم، وبدأ العرب في كل مكان وكأنهم يتطلعون إلى من يقود قبائلهم العديدة.