كتاب " إنهيار جدار عرب المشرق " ، تأليف إبراهيم عبد الطالب ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إنهيار جدار عرب المشرق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إنهيار جدار عرب المشرق
دولة العرب المركزية
لقد وحّد الإسلام العرب في دولة مركزية واحدة لأول مرة في تاريخهم، وكانت المدينة هي العاصمة الأولى للدولة الجديدة وأقام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دولة العرب المسلمين، وكانت المدينة القاعدة التي انطلقت منها القوات العربية لتوحيد كل قبائل العرب وتحرير أراضيهم في الشمال الغربي والجنوب الشرقي (الشام والعراق) من أيدي السيطرة البيزنطية والفارسية في المقام الأول، ثم استمرت عمليات الجيش العربي في تحرير الجزيرة العربية بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عشرة سنين (622-632) حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
استمرت عمليات تحرير أرض العرب من الروم والفرس لمدة 29 سنة، وشملت (العراق وجنوب القوقاز وكل الأراضي التابعة لإيران وأفغانستان)، سوريا الكبرى وجبال طوروس (في العصر الحديث: سوريا ولبنان وفلسطين والأردن)، ومصر والنوبة وليبيا. واستمرت عمليات الفتح للجيش العربي في عهد الدولة الأموية من سنة (661-750) لمدة (90) سنة أضافت فيها مساحات شاسعة في جنوب آسيا الوسطى (السند ـ باكستان حالياً ـ فرغانه وسنكيانج والتركستان) وما تبقى من شمال إفريقيا ومعظم جزر البحر الأبيض المتوسط.
لم يوجه الإسلام خطابهُ إلى العرب وحدهم، فمنذ البداية كانت لهُ رسالة عالمية واضحة، تدعو ليس فقط إلى الإخاء بين المسلمين كافة بغض النظر عن العنصر واللون واللغة، وأعلنت أنهم متساوون أمام الله والقانون وليس بالضرورة أن يعتنق سكان البلدان التي فتحوها الإسلام، فيما أبدت بلاد فارس رغبتها في اعتناق الإسلام (لأخلاق وسماحة العرب وإيمانهم المطلق بقوة دينهم الجديد).
وكان السؤال الذي يفرض نفسه ويستحق البحث عن إجابة وافية له هو: هل أحاط العرب بالتأثيرات السيئة التي لحقت بإمبراطوريتي الفرس والبيزنطيين من جراء الحروب الطاحنة التي أنهكت قواهما؟ وهل كان لسلسلة الحروب الفارسية البيزنطية دور كبير في تعجيل العرب حملاتهم في الاتجاهين؟ أو بالأحرى، لو عرف العرب أن تلك القوتين ما زالتا على ما عرف عنهما من قوة وبأس، فهل كان العرب سيقدمون على المضي في استراتيجيتي تحرير الشام والعراق ومصر؟ أما العمل العسكري العربي قد أعد ونفذ تطبيقاً لنظرية الجهاد في سبيل الله ومحاربة الكافرين والمشركين وكما جاء بها الإسلام وعدّها فرضاً على أولي الأمر والمسلمين كافة؟ أما إن كان العرب قد استندوا في عملياتهم العسكرية على حالة الضعف والوهن اللتين سادتا الامبراطوريتين المجاورتين فإن ذلك سيجرنا بدوره إلى سلسلة من الأسئلة حول القدر الذي تجمع لدى العرب من المعلومات؟ وكيف وما هي الوسائل التي استخدمت في جمع المعلومات عن موقف الأعداء؟ وما طبيعة أو حقيقة وتنظيم مؤسسات الاستخبارات «جمع المعلومات» دون أن ننسى إحدى القواعد الهامة في نظرية الجهاد الإسلامي، في أن «المؤمن قوي قادر مهما قلت وسائله فهو قوي بالحق، وأن الكافر والمشرك ضعيفان مهما تعددت وقويت وسائلهما فالباطل ضعيف»، دون إغفال لاستكمال أسباب القوة وعدم الاستهانة بالعدو مهما صغر حجمه أو قل شأنه تنفيذاً لقوله تعالى في سورة الأنفال ... (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقون من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون...( صدق الله العظيم. كما أشار القرآن الكريم صراحة إلى الحرب التي دارت بين الفرس والروم والتي تصادفت وأوائل الدعوة إلى الدين الإسلامي، وأن الروم ورغم خسارتهم في البداية إلا أن كفتهم سترجح وسينتصرون على الفرس في بضع سنين، والأهم من كل ذلك أن انتصار الروم القريب هذا ليس أكثر من بشارة صريحة للعرب بالنصر في حروبهم المقبلة في سبيل الله ضد الفرس والروم، إذ قال الله سبحانه في سورة الروم ... (ألم*غُلبت الروم*في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون*في بضع سنين لله الأمر من قبلُ ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون*بنصر الله من يشاء وهو العزيز الرحيم...( ولم أجد لدى المؤرخين إجابات شافية حول ماذا عرف العرب عن حرب الفرس والروم التي استمرت ما بين عامي (602-627م)، إلا أنه يمكن استنتاج ما يلي:
أ. كانت القوافل التجارية والركبان أهم مصادر المعلومات عند العرب عن الأقوام الأخرى حتى غدت علامة كل خبر طريف ومهم أنه «بات حديث الركبان».
ب. فرح مشركو قريش بانتصارات الفرس الأولية فكلاهما من عبدة الأوثان ولأن الطرف الخاسر من أهل الكتاب.
ج. فرح المسلمون بوعد الله (الروم) بالنصر وذلك لأنهم أهل كتاب ولأن انتصارهم القريب بشرى بانتصار أكبر وأقرب أي انتصار جيوش المسلمين على أهل الشرك.
د. كان انتصار الروم إحدى علامات النبوة ودليل على أن الله سبحانه قد أطلع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على بعض من علم الغيب، حتى عُدَّت هذه إحدى العلامات الخمس «الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم»(2).
ه. مواصلة العرب تتبع أخبار هذه الحرب بشكل يفوق مجرد دافع الفضول حتى أن أبي بكر رضي الله عنه «أخذ يصيح في نواحي مكة بمطلع سورة الروم في تحد سافر منه للمشركين حتى أنهم راهنوه حول من ستكون له الغلبة في النهاية في قصة طريفة في كتب التفسير (القرطبي ص5084 والطبري ص12، وابن كثير ص342).
و. وصلت أخبار انتصار الروم إلى المدينة المنورة بعد سنتين أو ثلاث أو تسع سنين وصادف وصولها يوم معركة بدر الكبرى أولاً ومن ثم في صلح الحديبية أو يوم بيعة الرضوان ثانياً أي في يومين حاسمين في تاريخ الإسلام.
ز. يروي لنا ابن كثير عن «العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم كل ذلك في خمس عشرة سنة»(3).
ح. يروي لنا القرطبي رحمه الله رواية أخرى عن فرح المسلمين، «قال النحاس: وقول آخر وهو أولى أن فرحهم إنما كان لإنجاز وعد الله تعالى، إذ كان فيه دليل على النبوة لأنه أخبر تبارك وتعالى بما يكون في بضع سنين فكان فيه. قال ابن عطية (حسان بن عطية) «ويشبه أن يعلل ذلك بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر لأنه أيسر مؤنة، ومتى غلب الأكبر كثر الخوف منه، فتأمل هذا المعنى» مع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجاه من ظهور دينه وشرح الله الذي بعثه وغلبه على الأمم. وإرادة كفار مكة أن يرميه الله بملك يستأصلهُ ويريحهم منه، قلت (أي القرطبي) ويحتمل أن يكون سرورهم بالمجموع من ذلك فسرّوا بظهورهم على عدوهم وبظهور الروم أيضاً وبإنجاز وعد الله. ويلاحظ هنا فرح قادة المسلمين بنصر العدو الأقل قوة أو الأقل خطراً والأبعد مسافة إنما يعكس تصوراً استراتيجياً مبكراً لمعارك وحروب قادمة، وهو عين ما تفعله أمم هذا العصر أو ترجوه من انشغال أعدائها فيما بينهم.