كتاب " إنهيار جدار عرب المشرق " ، تأليف إبراهيم عبد الطالب ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إنهيار جدار عرب المشرق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إنهيار جدار عرب المشرق
مواقف القوات العربية
انتهت معركة كاظمة باندحار الفرس وهزيمة فلولهم باتجاه محور دجلة ونجح خالد بالاستيلاء على مدينتي كاظمة والأبلة واستولى على غنائم هائلة وسبى كثير، والكثير من الخيول والسلاح كما أمر قواته بمطاردة فلول الفرس ووجه المثنى وأخاه نحو حصن ونهر المرأة وتابع المثنى فلول الفرس نحو المذار كما نشر خالد العيون والأرصاد في المنطقة لإبقاء الفرس تحت رقابته الشديدة، كما استخدمت خيالة المثنى الخفيفة في المطاردة وتحقيق التماس مع الفرس حتى وصل موضع المذار وبعد أن أدرك المثنى متانة وضخامة القوات الفارسية أرسل رسولاً إلى خالد بـ (وجود قوة معادية كبيرة عند نهر الثني)، كما أمر خالد أحد قادته وهو (معقل بن مقرن) بالسيطرة على الأبلة وسار خالد نحو المذار واجتمع بالمثنى في 3 نيسان 633 (1 صفر 12هـ)، وبعد استطلاع شخصي لموقع الفرس لم يجد مجالاً للالتفاف حول جناح الفرس كما لم يجد وسيلـــــــة
لإغراء أو إجبار الفرس بترك الموقع المستند على النهر لذلك لم يجد بداً من خوض المعركة مع الفرس بالأسلوب التقليدي أو الهجوم الكتلوي بعد بدأت المعركة بسيل من المبارزات الفردية، كان قارن قد أبقى عدداً كبيراً من القوارب جاهزة في دجلة وقريباً من مواقع قواته. ولا تتوفر تفاصيل كثيرة عن كيفية انفتاح القوات الإسلامية وأين كانت خيالة المثنى وكلما نعرفه أن خالداً وضع كلاً من عاصم بن عمرو وعدي بن حاتم الطائي لقيادة الجناحين في مقابلة قائدي جناحي الفرس (قباذ) و (أنوشجان) واختار خالد بن الوليد وقارن بن قريانس قيادة قلب قوتيهما.
كان قارن أول من خرج طلباً للمبارزة وعندما هم خالد بالخروج له سبقه فارس آخر هو معقل بن الأعشى وتمكن من قتل قارن فخرج القائدان قباذ وأنوشجان فقابلهما قائداً جناحي المسلمين فقتل عدي بن حاتم قباذ وقتل عاصم أنوشجان، عندها أمر خالد بشن الهجوم العام فاندفع المجاهدون لمهاجمة جيش الفرس الأكثر عدداً، ورغم انهيار معنويات الفرس وحصرهم في ذلك الجيب حتى لا مجال لديهم بالحركة أو الانسحاب كما يشاؤون إلا أنهم كما يبدوا قاتلوا دفاعاً عن حياتهم ونجحوا بصد صولات المسلمين الأولى ولفقدهم قادتهم الثلاث سرعان ما انهارت صفوفهم وأسرعوا نحو النهر، وقد نجا الكثيرون منهم بالوصول إلى القوارب وعبور النهر وقد تمكن المسلمون من قتل الآلاف منهم وبلغ عدد القتلى حوالي الـ (30) ألف رجل ولعدم امتلاك المسلمين لوسائط العبور توقفت المطاردة والمعركة معاً على ضفة النهر وكانت غنائم المسلمين في هذه المعركة تزيد على غنائم كاظمة.
وزع خالد بعض الحاميات الصغيرة للسيطرة على المنطقة كما أمر (سويد بن مقرن) بفتح مقر له في (الحفير) كأمير أو حاكم للمنطقة وأناط به مسؤولية جباية الجزية، ولم ينسى بث العيون والأرصاد وراء جيش قارن لمتابعة تحركاته.
وكانت معركة المذار (النهر) نصراً رائعاً للمسلمين وتأكيداً لقدرات خالد بن الوليد وبراعته في المناورة إذ نجح بتدمير جيش فارسي كبير أحسن إعداده وإختيار موقع المعركة، أي أن الفرس هم الذين اختاروا مكانها ولعدم تيسر فسحة كافية للمناورة لم يجد خالد بداً من خوضها، إلا أنه أدرك عندها ضخامة الموارد الفارسية وقدرتهم على حشد الجيوش ولعله تذكر ساعتها تحديد مقر الخلافة للعمليات بمحور الفرات والحيرة أو تجنب الدخول في العمق الفارسي، ونجح خالد حتى الآن بدحر الفرس في معركتين كبيرتين حشدوا لهما قوات ضخمة. «كان يفكر بطريقة منطقية، فهو أول قائد مسلم ينطلق على رأس قيادة مستقلة والاصطدام بقوات دولة قوية»، كان خالد استراتيجي بارع في تقديره للموقف، كما وزع شبكة اختار عناصرها بدقة من الجواسيس والعيون معتمداً على القبائل العربية التي بدأت تقتنع بفكرة تحريرها من نير الفرس وبدأت المعلومات (المواقف) تصله تباعاً عن تحركات أعدائه، وعرف بتحرك الأندرزغز من طيسفون (المدائن) وعن العناصر العربية في جيشه ومن التحق به من قوات قارن التي نجت من معركة المذار، كذلك جاءته بعض المعلومات عن جيش (بهمن جاذويه)، والهدف النهائي لكل هذه التحركات (الولجة) أو (الشطرة حالياً) (20).
بين الكوت والناصرية، ولم يكن من السهل غربلة مثل هذه المعلومات بسرعة كما تأخر وصول الكثير منها بسبب طبيعة المنطقة وصعوبة التنقل فيها لكثرة القنوات و(البثوق) والبساتين ولم يكن بوسع خالد التحرك بسرعة نحو الولجة لسببين:
أولاً. انتشار قواته على مساحة واسعة، والحاجة إلى راحة قواته.
ثانياً. صعوبة التنقل من المذار إلى الولجة أي عبور الرافدين في الوقت الذي لم يعتد فيه خالد استخدام السفن كما لا يملك منها شيئاً.
لذا قرر خالد العودة من حيث أتى وكان ذلك بعد شهرين من دخوله العراق سيما وأنه أمن حماية كافية لطريق مواصلاته بالحاميات التي تركها في الأبلة وكاظمة والحفير مفضلاً ذلك على الطريق (العرضاني) والأقصر بين المذار والولجة تجنباً لعبور الأنهر والأهوار، وعبر خالد دجلة العوراء (شط العرب) على الجسر الأعظم بعد أن أصدر تأكيدات جديدة لحامياته بالحذر والتنبه لتحركات الفرس كي لا يؤتى من خلفه.
وكانت المعضلة الكبرى التي تشغل كل تفكير خالد هي الطريقة التي سيواجه بها جيشي (الأندرزغر) و(بهمن جاذويه) في الولجة. أما الأندرزغر فلعله كان يتعجل لقاء خالد قبل وصول بهمن جاذويه وتوليه قيادة الجيشين ولعل الأندرزغر كان يحلم بنصر سريع يكفل له قلنسوة الشرف.