كتاب " إنهيار جدار عرب المشرق " ، تأليف إبراهيم عبد الطالب ، والذي صدر عن دار زهران عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب إنهيار جدار عرب المشرق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إنهيار جدار عرب المشرق
المطاردة
لا يمكن عزل عمليات المطاردة التي أمر بها خالد في صفحة استثمار الفوز في معركة كاظمة عن نمط العمليات الذي فرضه خالد على الساحة، فقد أصر على جعل لقائه الأول مع الفرس مدوياً ورهيباً في قسوته كي لا ينسوه بسهولة، وليفرض على القوات الفارسية المزيد من الخسائر في الأرواح والأموال، ومنعهم من التقاط أنفاسهم والتهيؤ لمعركة جديدة سريعاً، مع إبقاء تحركاتهم تحت بصره ورصده (إدامة التماس) لحرمان العدو من أية فرص أو إمكانية لاستعادة المبادأة والتحكم بمسار الحرب، أما الغنائم وأموال هرمز والأبلة الكبيرة وبما فيها قلنسوته الذهبية(15) المرصعة بالأحجار الكريمة التي تعطي لمن «يتم شرفه» من قادة الفرس كنوع من التمييز، وقد أثارت هذه الغنائم دهشة المؤرخين على كثرتها وارتفاع أثمانها فقد باتت كلها في حوزة القوات الإسلامية كتحصيل حاصل.
التقرب غير المباشر
لا تذهب إلى الهدف مباشرة إن كان ذلك سيفرض عليك خوض معركة قاسية، فتش عن الطريق الأقل مقاومة، أو استدر حول هدفك فقد تجد قاعدة أو نقطة تمكنك من تحقيق هدفك دون دماء. ورغم اقتصار العمليات على أجزاء صغيرة من ساحة حركات العراق ورغم تقارب المسافة ما بين الحفير وكاظمه والأبلة إلا أن حجم الجيوش المتحاربة وسرعة تحرك جيش المسلمين تظهران لنا إحدى التطبيقات الرائعة لاستراتيجية التقرب غير المباشر إلى الأبلة التي وقعت في النهاية بين يدي خالد بسهولة، فقد دخلها رتل المطاردة دون مقاومة شديدة، ومع أنها تصالحت مع خالد في بداية الأمر إلا أنها نقضت عهدها معه بعد أن توجه نحو الحيرة فأمر خالد بالحملة عليها من جديد«احملوا عليهم إني أرى هيئة قوم ألقى الله في قلوبهم الرعب».شخصية القائد
كان موت أو خسران قائد المعركة في تلك الأيام ولا سيما في بداية المعركة أو في مراحلها الأولى كافٍ بحد ذاته لخسارة المعركة وغالباً ما كان يلي قتل القائد انسحاب أو اندحار جيشه لما يعنيه القائد بالأمس واليوم، كما كان موت القائد حدث جسيم يشهدهُ الجيشان المتحاربان عيانا، لذا تكون آثارهُ حاسمة ومباشرة إذ يبدو موته وكأنه قضاء على رغبة جيشه بالقتال إذ يصبح هم الآخرين النجاة بأنفسهم، رغم نجاح الكثير من محاولات إنقاذ الموقف وإعادة الجيش إلى القتال ثانية أو سحبه بانتظام إلى مأمن سيما عند تصدي أحد القادة المرؤوسين لتولي زمام الأمور كما فعل خالد بن الوليد في معركة (مؤتة) ـ وكان مجرد واحد من المجاهدين دون قيادة أو مسؤولية ـ بعد أن استشهد القادة الثلاث الذين أنيطت بهم قيادة الحملة بأمر النبي محمد (صلعم)، إلا أن مقتل هرمز في كاظمة كان أهم أسباب انهيار الجيش الفارسي رغم وجود اثنين من أمراء البيت المالك على ميمنة وميسرة الفرس، يضاف إلى ذلك التناقض الحاد بين شخصيتي قائدي الطرفين العربي والفارسي، إذ كان هرمز
نزقاً قليل الصبر ومغروراً مليئاً بالحقد ـ يرى الجنرال أكرم أنه شجاع محنك وإن لم يتصف بفروسية القادة لمحاولته الغدر بخالد أثناء المبارزة ـ حتى أصبح مثالاً للحقد والخبث، أما خالد بن الوليد فكان على العكس من ذلك مع حسن تدبير وروية وشجاعة فائقة وتحسب دقيق، إذ تفهم أهمية وطبيعة صدامه الأول مع الفرس، ومع أن الجنرال أكرم يرى أن خالداً قد أرسل رسالته الشهيرة إلى هرمز من اليمامة إلا أن طبيعة وتدبير خالد لا تتفقان وذلك ولا أحسبه قد أرسلها إلى هرمز إلا بعد اقترابه من الحفير كي لا يعطيه الكثير من الوقت لجمع قوات أكثر حتى ملاقاته عند الحفير وذلك أقرب إلى تفكير وبعد نظر خالد وقدرته على استباق الأحداث، لذا لم يكن صراعهما مثالاًً على صراع الإرادات وحسب بل على الصراع بين القدرة والمرونة وقابلية الحركة مع السكون والتبلد والطيش.