أنت هنا

قراءة كتاب نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

كتاب " نزار مروة في عوامله الثقافية وفي دروب حياته " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

3

كانت المرحلة الأولى في بيروت بعد عودتنتا من العراق امتداداً لمرحلة العامين اللذين قضيناهما، نزار وأنا، معاً بين الكاظمية وبغداد والكرادة الشرقية. وما أغناهما. وما أكثر الذكريات فيهما. إنهما العامان اللذان أسسا لصداقتنا وأسسا للوعي الذي تكونت حياة كل منا انطلاقاً منه وبالاستناد إليه. وهكذا كانت المراحل اللاحقة. إلا أن الزمان الذي اختلف كثيراً وظروف الحياة التي اختلفت هي الأخرى قد أعطت أشكالاً ومضامين جديدة للعلاقات التي استمرت بيني وبين نزار بوجه خاص، وبين كلينا في العلاقة مع «أبي نزار» في مجالات الثقافة والفكر والسياسة. افترقنا في المكان. أقام هو مع أهله في بيروت في شارع حمد أولاً، ثم في شارع بربور بعد ذلك بأعوام. أما أنا فذهبت أولاً إلى صور مكان إقامة أهلي لمتابعة دراستي. ثم ذهبت بعد عام إلى بلدة شمسطار في البقاع كمعلم رسمي ابتدائي في مدرستها. وخلال العامين اللذين قضيتهما في بلدة شمسطار كنت أتردد بصورة دائمة إلى بيروت متابعاً، في ظروف مختلفة، ومعمقاً وموسعاً، مع نزار في الأغلب، العلاقات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي كنا قد بدأناها في العراق. وكثيراً ما كنا نلتقي أصدقاء عراقيين ممن كانوا يأتون للاصطياف في لبنان، أو ممن كانت بيروت ممراً ضرورياً لسفراتهم إلى أوروبا الشرقية والغربية على حد سواء في مهمات من شتى الأنواع، حزبية على وجه الخصوص، وثقافية بشكل عام. إلا أن الجامعة الأميركية التي انتسب إليها نزار لاستكمال تخصصه في الرياضيات كانت بؤرة علاقات جديدة وجميلة مع طلاب لبنانيين وعرب، شيوعيين ويساريين. وهي علاقات كانت ترفدها بصورة دائمة صداقات «أبي نزار» في الوسطين الأدبي والسياسي. وكان الشاعر عبد المطلب الأمين صديقاً مشتركاً لكلينا. لكن تلك العلاقة مع عبد المطلب توطدت بيني وبينه أكثر من علاقة نزار معه. إذ كنت أكثر من نزار رفيقاً له في تحركاته المختلفة، ومنها تلك السهرات الليلية الجميلة في بارات العاصمة.

بعد انتهاء العامين من التدريس في شمسطار نلت شهادة البكالوريا ونجحت في امتحان القبول للدخول إلى الجامعة اللبنانية في العام الثاني لتأسيسها (1952). وكان أهلي قد انتقلوا من صور إلى بيروت للسكن والعمل فيها. فعادت علاقات الصداقة بيني وبين نزار إلى النشاط بحيوية أكثر. كنا، كلانا، قد أصبحنا طالبين جامعيين، هو في الجامعة الأميركية، وأنا في الجامعة اللبنانية، المركزين اللذين كانا الأكثر حيوية ونشاطاً للحركة الطلابية في البلاد.

كثرت في تلك الفترة لقاءاتي برفقة نزار مع عدد كبير ومتنوع من الطلاب اللبنانيين والعرب في الجامعة الأميركية، الذين كانوا بمعظمهم يساريين أو شيوعيين. وكان محور نشاطهم وتحركهم يدور حول القضايا القومية العامة، لا سيما حول قضية فلسطين. وكانت النقاشات والصراعات في أوجها بين التيارات المختلفة، ليس بين الشيوعيين والقوميين العرب فقط، بل كذلك داخل هذين التيارين، وتحديداً داخل التيار القومي. وكانت لقاءاتنا تلك تتم في منازل عديدة وفي بيوت الطلبة وفي كل من مطعم «فيصل» و«الأنكل سام» و«الشيخ»، فضلاً عن الساحات العديدة داخل حرم الجامعة. وكانت تدور في تلك اللقاءات نقاشات على أوسع نطاق، ليس حول المواضيع الساخنة المشار إليها فقط، بل بالأخص من جانب الشيوعيين حول العمل لتنظيم الصفوف قدر الإمكان في المعركة الأكبر والأهم ضد الاستعمار والرجعية. وكان من نشطاء تلك الفترة من الطلاب الشيوعيين واليساريين الأردنيان أمال نفاع وخالد حمشاوي، والسودانيان أنطون قرنفلي ومصطفى المدني، والفلسطيني محمد عبد العزيز، والعراقي حميد عثمان، والكويتي سعود، الذي كان يترأس قائمة اليساريين في انتخابات جمعية العروة الوثقى، واللبنانيون نديم عبد الصمد وسركيس لاتشينيان وكميل مجدلاني، ولاحقاً كاتب هذه السطور بعد أن سافر نديم عبد الصمد إلى براغ ممثلاً الطلاب اللبنانيين في قيادة اتحاد الطلاب العالمي. ولم يكن نزار عضواً في قيادة منظمة الطلاب الشيوعيين، بل كان شقيقه حسان. وكنت إلى جانبه في الكثير من النقاشات التي كانت تدور في تلك اللقاءات المتعددة أماكنها وخارج إطارها في منزل حسين مروة. وكان منزل آل رافع واحداً من أماكن تلك اللقاءات، حيث كان كل من إنعام وجمال وشقيقهما منير من نشطاء تلك الحركة. وكانت الفترة ذاتها فترة احتدام معركة وطنية عامة ضد الأحلاف العسكرية، وضد زيارات المبعوثين الأجانب لترتيب شروط إلحاق لبنان بها. وقد نظمت تظاهرات احتجاج عديدة ضد تلك الزيارات شارك فيها نزار، كطالب شيوعي وليس كمسؤول، إذ لم يرغب هو ذاته في أن يتبوأ منصباً قيادياً، ولم يؤهل نفسه لذلك. وكان قد أصبح عدد غير قليل من شباب عائلة مروة من أشقاء نزار وأشقائي وأبناء عمومتنا نشطاء في تلك الحركة. وأهم تظاهرات تلك الفترة التي شاركت في تنظيمها من موقعي القيادي في رابطة طلاب الجامعة اللبنانية وفي قيادة التنظيم الطلابي الشيوعي، والتي اشترك فيها نزار، كانت التظاهرة التي واجهت بها الحركة الطلابية موحدة زيارة فوستر دلاس، وزير خارجية أميركا، إلى لبنان في أوائل عام 1953. وقد اعتقلني رجال الأمن مع حسان مروة شقيق نزار قبل أن نصل إلى موقعنا في قيادة التظاهرة. وبقينا محتجزين بشكل اعتباطي في مخفر البسطة الفوقا لمدة ست ساعات. وتلك هي المرة الوحيدة التي دخلت فيها المعتقل. ويعتبر ذلك في قاموس الحركات اليسارية نقصاً في سجلي الثوري.

الصفحات