أنت هنا

قراءة كتاب نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

كتاب " نزار مروة في عوامله الثقافية وفي دروب حياته " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

4

تابع نزار دراسته في الجامعة الأميركية في قسم الرياضيات. وتابع في الوقت ذاته هوايته في تعميق معارفه الموسيقية التي سرعان ما أصبح فيها ناقداً موسيقياً مميزاً. وقد قيل فيه على لسان كبار الموسيقيين إنه الناقد الموسيقي الأقدر نظراً لعمق ثقافته الموسيقية. وكان يتابع في الجامعة الأميركية، إلى جانب عمله الحزبي المتواضع، نشاطه الثقافي في علاقة حميمة مع عدد غير قليل من المثقفين، ليس في منزل والده وحسب، بل كذلك في المنتديات والمنابر على اختلافها.

كنت أكتب لنزار وكان يكتب لي عندما كنت في بودابست، أو حين كنت أنتقل منها إلى عواصم أوروبية أخرى للقيام بمهمات شبابية مختلفة. وكانت تتناول رسائلنا الهموم المشتركة بما في ذلك علاقاتنا النسائية، التي برع فيها نزار أكثر مني، منذ أيام بغداد والكاظمية في العراق. وكان مهرجان بوخارست للشباب والطلاب في عام 1953 ميداناً آخر لاختبار وإثبات براعته تلك. فكان حبه للنساء صفة وسمة من صفاته وسماته المميزة. كان عاشقاً للنساء كجنس، وكان عاشقاً حائراً لعدد من النساء. واستمر على هذا النحو حتى آخر حياته. وكان ذلك يشكل التعبير الحي عن حبه للحياة وعن تعلقه بها وعن رغبته العميقة في امتلاكها مدى الدهر من دون أدنى شعور بالملل أو التعب.

عندما عدت إلى بيروت في أواخر الخمسينات من رحلتي الأولى إلى العالم الأرحب كان نزار قد تخرج من الجامعة الأميركية وبدأ يمارس التدريس. وكانت مدينة مرجعيون إحدى المحطات الأولى في مرحلة ممارسته لمهنة التدريس التي طالت وتقطعت في الأمكنة والأزمنة. وأهمية مرجعيون بالنسبة إلى نزار أنها أسهمت في المزيد من تعلقه بالحياة ومن تخلصه من بعض ما كان لا يزال عالقاً في طباعه من انطوائية لم تفارقه حتى آخر حياته. وهنا تبرز مفارقة عجيبة. إذ كانت تلك الانطوائية تطغى على سلوكه في لحظات معينة ثم تعود لتنقلب في لحظات أخرى إلى الحالة النقيض، أي إلى المرح والسخرية والانفتاح على الآخر بدون حدود. ولمرجعيون دور خاص في حالات تمرد نزار على ذاته وفي اكتشاف عناصر كانت مغيبة أو غائبة عنده في فترات سابقة. وفي مرجعيون تعرف نزار إلى عدد من الأصدقاء الذين صار قسم منهم أصدقاء لي من خلاله. من بين أولئك الأصدقاء كان الموسيقار وليد غلمية قبل أن يصبح رئيساً للكونسرفاتوار الوطني وبعد ذلك. وأذكر أنني حاولت في أوائل الستينات من موقعي في الحزب أن أسهل لوليد غلمية السفر إلى موسكو للتخصص في الموسيقى. لكنني فشلت. ولم أعد أذكر الأسباب التي منعت تحقيق ذلك الحلم الذي كان يراود وليد، وكنا، نزار وأنا، مقاتلين من أجل تحقيقه. ولا يسعني هنا إلا أن أشير إلى تلك اللقاءات الحميمة التي كانت تعقد فيما يشبه الانتظام في منزل أنطوان أبو خليل في الأشرفية في أوائل الستينات. وكان معظم رواد تلك اللقاءات وحفلات النقاش الثقافية والسياسية والاجتماعية من شباب مرجعيون كثيرين أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر مسعد مسعد وشقيقتيه الماس زوجة أنطوان ورباب التي أصبحت فيما بعد زوجة كمال الصايغ، وكمال الصايغ ووليد غلمية وعدنان قنديل وشقيقه عزت وشحادة نايفة وجميل حمرا ومالك الزربا وزين بركات وجبران شديد وخيرالله ماضي وآخرين. وكانت تلك اللقاءات تجمع شابات وشباناً من الأشرفية، أذكر منهم جورجيت صابات التي سرعان ما تعرفت على الممثل المصري الظريف عبد السلام النابلسي وتزوجت منه ورحلت معه إلى مصر. وأذكر إنعام رافع وأشقاءها خليل ومنير وأنور. وكان منزل آل رافع في رأس بيروت وفي بلدة الفساقين واحداً من الأمكنة التي احتضنت العديد من اللقاءات الطلابية والثقافية والحزبية منذ أوائل الخمسينات ولزمن طويل فيما بعد. وكان نزار في كل تلك اللقاءات النجم المتألق، ثقافة وظرفاً. وكان محمد دكروب يحضر بعض تلك اللقاءات. وقد أضفى على تلك اللقاءات مزيداً من البهجة وجود سعيد حورانية وشوقي بغدادي اللذين لجآ إلى لبنان في زمن الاضطهاد الذي رافق قيام الوحدة السورية-المصرية مع العديد من المثقفين والكوادر، شيوعيين وديمقراطيين. إذ كانا يقيمان في منزل أنطوان أبو خليل. لكنني أظلم أنطوان إذا ما أغفلت الإشارة إلى شخصيته الفذة، شخصية الرجل الاجتماعي الذي كان يتمتع بقدرة كبيرة على كسب الأصدقاء وإثارة أجواء من الود والمرح حتى في أشد حالات الجدل السياسي والثقافي حدة وحرارة.

ثم توالت الأحداث وغرق نزار في هموم التعليم أحياناً، وفي العمل في صحافة الحزب أحياناً أخرى. وغرقت أنا في مهماتي ومسؤولياتي الحزبية داخل لبنان وخارجه. لكن العلاقة ظلت هي ذاتها حتى في التفاصيل من دون أدنى تبديل. وعلى قاعدة تلك العلاقة الثابتة تابعت ما كنت قد بدأته مع نزار في العراق، أي التعلم منه وبواسطته ما لم يكن بمقدوري اكتسابه بجهدي الخاص.

الصفحات