كتاب " نزار مروة في عوامله الثقافية وفي دروب حياته " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته
ويقول منصور الرحباني: « نزار مروة ناقد مثقف ثقافة عامة، وثقافة موسيقية بنوع خاص، بحيث إن ثقافته ومعرفته العلمية تسمحان له بالدخول إلى خصائص التركيبات الموسيقية وإلى أدوار الآلات. لهذا السبب كان لآرائه الموسيقية الصدى الأكيد عند المؤلف وعند القارئ على السواء، لأن نزار كان يشرح جمالية القطعة ومكانها في السياق الموسيقي للمؤلف الموسيقي في بلده. كان ينتقد بكل صدق وإخلاص وعلم وتذوُّق وبكل محبة أساساً. ويقول عن الجميل جميلاً. ويشير إلى الخلل حيث يرى الخلل. هو ناقد لا يستطيع أي مؤلف موسيقي إلَّا أن يقرأ رأيه باهتمام وجديَّة وفضولٍ معرفي».
ويقول وليد غلمية: «نزار مروة هو ناقد موسيقي كبير وفريد في بلادنا. ولكن كتاباته النقدية في حينها لم تصل إلى الناس بشكل واسع. ولو وصلت ما كان هناك اليوم قيم أو أعمال فنية انتزعت حجماً كبيراً هو، في واقع الأمر، ليس لها. فنزار مروة كان دقيقاً جداً، عالماً وعارفاً. وكان يكتب السلبي والإيجابي بكثير من ذهنية المؤرخ، وبالنظرة التاريخية الشمولية. لذلك لو كان الناس يقرأون نزار بشكل عريض لكان الكثيرون ممن كانوا يلحِّنون الأغاني ويكتبون الموسيقى، يعدّون العشرة. وفي رأيي فإن نص نزار النقدي الموسيقي هو من أرقى النصوص النقدية في أية لغة أخرى. وأهمية نزار، عربياً، أنه كتب نصاً لغوياً في النقد الموسيقي. ولا يمكن استخدام نصه النقدي هذا لأي موضوع آخر. فهو استعمل التعبير الموسيقي والمصطلح الموسيقي والعبارة التي تدلل على مسار موسيقي. أوضح فأقول إن نزار مروة كتب، لأول مرة في التاريخ الموسيقي العربي، نصاً لغوياً في الموسيقى وليس نصاً سياسياً أو شعرياً في الموسيقى، هو نقد موسيقي بلغة المصطلح الموسيقي الذي لا يصلح لأي موضوع آخر».
ويقول زياد الرحباني: «لا أحد في الجمهورية اللبنانية يفهم بالنقد الموسيقي مثل نزار مروة. يحكي عن الكلمة وعن كل نقرة موسيقى، وكيف أن نقرة معيَّنة «أَشَطت» (سقطت) من النوته. وهو يسمِّي تلك النوتة بالتحديد. يقول لك: ضربوا هذه الـ«فا» فطلعت زايحة! الآن في لبنان ما في ناقد موسيقي. كان عندنا هذا الزلمي بيفهم بالموسيقى، وبيعرف كمان يعزف على آلة».
وكانت علاقة نزار بزياد الرحباني قد بدأت منذ أن بدأ هذا الفنان نشاطه وهو في عمر الشباب الأول. وأذكر أن علاقتي بزياد بدأت بالضبط في تلك الفترة. فقد ذهبت مع نزار للقاء زياد بعد أن بحثنا الأمر مع والده عاصي في صيف عام 1974 للاتفاق معه على المشاركة بمغناته الأولى «سهرية» في احتفالات الذكرى الخمسين لنشوء الحزب الشيوعي ولتلحين نشيد للحزب كتب كلماته الشاعر اللبناني ميشال سليمان. ومع نزار توطدت علاقتي بزياد خلال الأعوام التي أعقبت ذلك اللقاء. وأذكر أننا اتفقنا مع زياد في عام 1984 عام الذكرى الستين لنشوء الحزب الشيوعي على إنتاج شريط موسيقي غنائي من تلحينه وكلماته وكلمات جوزيف حرب يهدى إلى الحزب في تلك المناسبة. وكان شريط «أنا مش كافر» الجميل والمليئ بالدلالات هو ذلك الشريط. وعندما جاء الشيخ إمام للمشاركة في تلك المناسبة ساهمنا، نزار وأنا، في جمع الشيخ إمام مع زياد، بهدف البحث في إمكانية القيام بإنتاج عمل موسيقي غنائي مشترك. جرى اللقاء بحضورنا. لكن الاتفاق لم يحصل. ولا ينحصر السبب في عدم الاتفاق بين الفنانين في أن مزاجيهما مختلفان، بل لعل السبب يعود كذلك، وربما في الأساس، إلى أن المتعهد التونسي الذي كان يرافق الشيخ إمام لم يكن مقتنعاً بضرورة حصول مثل ذلك الاتفاق. وكنا، استناداً إلى جملة أمور واقعية، نشكك بإمكانية ذلك الاتفاق في ذلك الحين على الأقل. وكان حضور الشيخ إمام ومساهماته في الاحتفال اليوبيلي للحزب الشيوعي وفي الاحتفالات الخاصة في منازل العديد من الأصدقاء، مناسبة جميلة للتعرف بصورة مباشرة ودقيقة إلى شخصية هذا الفنان الشعبي الذي أعطى لمرحلة بكاملها في مصر خصوصاً وفي سائر البلدان العربية مع عدد قليل من الفنانين العرب، مثل زياد الرحباني ومارسيل خليفة وثنائي عدلي فخري وسمير عبد الباقي ومحمد حمام طابعاً خاصاً مميزاً في الدمج الحي بين الفن والسياسة، إسهاماً في حركة التغيير. وكانت تلك المناسبة بالذات فرصة للقاء بين الشيخ إمام وفيروز بحضور زياد وبحضورنا، نزار وأنا. وكان نزار قد أسهم في وقت سابق بإعداد لقاء في منزل فيروز شارك فيه جوزيف حرب منظم اللقاء، ونزار وأنا. وفي أواخر الثمانينات طرحت فكرة ترشيح فيروز للحصول على جائزة لينين العالمية لتعزيز السلم بين الشعوب. وكنت أنا صاحب الفكرة، وكنت صلة الوصل بين فيروز من خلال نزار وبين اللجنة العالمية المانحة للجائزة من خلال صديقنا سلافاماتوزوف أحد مسؤولي قسم العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي السوفياتي في ذلك الحين. وتطوع نزار للحديث مع فيروز حول الفكرة. وكتب تعريفاً بفيروز يعتبر وثيقة. وقد نشر في الكتاب الذي صدر عن دار الفارابي مكرساً لكتابات نزار في النقد الموسيقي والنقد في الأغنية وفي المسرح الغنائي. إلا أن جائزة لينين كانت تلفظ أنفاسها في تلك الفترة مع اشتداد الأزمة التي كان يعانيها الاتحاد السوفياتي، الأزمة التي انتهت بتفككه وانهياره وتفكك وانهيار المنظومة الاشتراكية التي كان الاتحاد السوفياتي نموذجها ومركزها. لذلك لم تؤد المباحثات التي قمت بها في موسكو حول الجائزة إلى نهاياتها، رغم أن الفكرة كانت موضع ترحيب سوفياتي. أما مارسيل خليفة فكان اللقاء معه، الأول كما أظن، في الفترة عينها. إذ ذهبنا، نزار وأنا، إلى عمشيت بدعوة من مارسيل لحضور برنامج موسيقي أحياه في نادي البلدة. ثم لبينا دعوة موجهة من مارسيل ومن عبد الحليم كركلا لحضور أحد عروض فرقة كركلا للرقص. ثم عدنا فالتقينا معاً في منزلي، من جملة لقاءات عديدة عقدناها في ذلك العام مع عدد كبير من المثقفين اللبنانيين والعرب، تحضيراً للذكرى الخمسين لنشوء الحزب الشيوعي. ثم توطدت العلاقة بيننا، نزار وأنا، وبين مارسيل ابتداءً من ذلك العام التاريخي بالذات. وتجددت العلاقة بالمناسبة ذاتها مع وليد غلمية حين اتفقنا معه على تلحين نشيد للذكرى الخمسين كتب كلماته الشاعر العراقي بلند الحيدري. وحصل الأمر عينه مع غازي مكداشي الذي التقيناه، نزار وأنا، في تلك المناسبة واتفقنا معه على تلحين قصيدة محمود درويش «سجل أنا عربي». واتفقنا في اللقاءات ذاتها مع حميد البصري الموسيقي العراقي على برنامج كامل قدمته فرقته للموسيقى والغناء. وكان برنامجاً مميزاً.
إلا أن علاقة نزار بالمسرح والسينما وبالحركة الأدبية والفنية كانت تتوسع وتتعمق مع استلامه في شكل منتظم كما أشرت آنفاً مسؤولية الصفحات الثقافية في «النداء» لفترة من الزمن، ثم في «الأخبار»، ثم في كليهما، ثم في «الطريق» في المرحلة الأخيرة من حياته. وكنت منذ أوائل الستينات رفيقاً له في حضور العروض المسرحية وفي مشاهدة الأفلام السينمائية وفي إقامة العلاقة مع المسرحيين والسينمائيين والفنانين التشكيليين والأدباء والشعراء. وبإمكاني القول إننا حضرنا كل الأعمال المسرحية التي أخرجت وعرضت في مسارح بيروت وفي المسارح الأخرى، بما فيها المسرح الذي أقيم في قلعة بيت مري. وكانت تربطنا بالمسرحيين المعروفين جميعهم تقريباً علاقات صداقة، لا سيما في الفترة التي تشكلت فيها اللجنة الوطنية للمسرح التابعة للأونسكو برئاسة جلال خوري أولاً، ثم برئاسة هدى زكا فيما بعد.
وكنا نتابع في الوقت ذاته وسط حماس تلك الفترة من التطورات الجديدة في مجال السينما نقاشات نادي السينما الذي كان ابراهيم العريس من أكثر الذين عملوا لتنشيطه في سينما كليمنصو وفي أماكن أخرى. وقد أصدرت مجلة «الطريق» في الفترة ذاتها عدداً خاصاً عن السينما الجديدة يعتبر اليوم مرجعاً مهماً في الحركة السينمائية العربية. كذلك اهتمت «الطريق» بإصدار أكثر من عدد خاص حول المسرح العربي. وكنا، نزار ودكروب وأنا، على علاقة وطيدة مع بلند الحيدري الذي كان منزله واحداً من أهم الأماكن التي احتضنت لقاءات ونقاشات تلك المواضيع الثقافية والسياسية مع جمهور كبير من المثقفين اللبنانيين والعرب.