أنت هنا

قراءة كتاب نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

نزار مروة في عوالمه الثقافية وفي دروب حياته

كتاب " نزار مروة في عوامله الثقافية وفي دروب حياته " ، تأليف كريم مروة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

إلا أن أجمل لقاءات تلك الفترة مع نزار هي التي كانت تنعقد في مكاتب مجلة «الثقافة الوطنية» في محلة الصيفي مقابل الطريق المؤدية إلى مرفأ بيروت. كان محمد دكروب محور تلك اللقاءات وجامع الشمل فيها. كانت تتم في أغلب الأحيان بشكل عفوي. وكانت تضم إلى جانب نزار الحاضر الدائم حسب الظروف والمصادفات كلاً من خليل الدبس وعصام الدبس وأحمد علبي ومحمد عيتاني وأحياناً أحمد الدن عندما كان يأتي من طرابلس إلى بيروت ومفيد أبو مراد وكاتب هذه السطور. في حين كان حسين مروة والدكتور علي سعد والدكتور حسن عواضة وشقيقه علي عواضة والقاضي نصار الأسعد والقاضي وليد غمرة والقاضي سرحان سرحان والقاضي ميشال كرم وآخرون من كتاب المجلة، قليلاً ما يأتون إلى مكاتب المجلة للاجتماع. إذ كانوا كثيراً ما يلتقون في منزل حسين مروة، أو في منازل كل من الشقيقين حسن وعلي عواضة، حيث كان يحضر معهم أحياناً الشيخ محمد جواد مغنية والأب طانيوس منعم. وبعض تلك الاجتماعات كان يحضرها فرج الله الحلو، أو نقولا شاوي، كما قيل لي. إلا أن اللقاءات التي كانت تجري في مكتب المجلة كانت تحمل نكهة خاصة. وكانت لها إلى جانب وظيفتها الاجتماعية العفوية وظيفة تحريرية كانت النقاشات الغنية فيها تدور حول معظم القضايا، ثم تتحول إلى مهمات محددة لكل من الحاضرين، وإلى تكليف بعضهم بكتابة مقالات حول مواضيع متعددة تلتقي مع اهتمامات واختصاصات وكفاءات كل منهم. وكان لنزار دور ريادي في تناول المواضيع الخاصة بالموسيقى. وكثيراً ما سمعت محمد دكروب يتحدث عن ذلك الدور مؤكداً بأن نزار هو أول من افتتح النقاش والبحث على صفحات مجلة ثقافية هي مجلة «الثقافة الوطنية»، في الموسيقى بوجه عام، وفي الموسيقى العربية بوجه خاص ومعها الأغنية الشعبية والمسرح الغنائي الذي كان الرحابنة قد أعادوا الاعتبار إليه في عملية ارتقاء وتطور بعد سيد درويش وآخرين من مصر جاءوا بعد سيد درويش بزمن طويل.

توالت اللقاءات في إطار المجلة وخارجها مع مثقفين عرب كانوا يأتون إلى لبنان للاستجمام أو لمهمات ثقافية، أو هرباً من القمع لفترة محدودة، أو على طريق النفي الطوعي، أو لأسباب أخرى. وكان من بين أولئك المثقفين الذين أغنى حضورهم الحركة الثقافية في لبنان الشاعر عبد الوهاب البياتي والروائي غالب طعمه فرمان والشاعر بلند الحيدري والمسرحي يوسف العاني والفنان التشكيلي محمود صبري والناقد علي الشوك والشاعران كاظم السماوي وسعدي يوسف والأستاذان الجامعيان صفاء الحافظ وفيصل السامر وآخرون لم أعد أذكر أسماءهم من المثقفين العراقيين. وكان من القادمين إلى بيروت عدد آخر من المثقفين المصريين مثل الروائي والشاعر عبد الرحمن الشرقاوي والشاعر عبد الرحمن الخميسي والأستاذ الجامعي عبد العظيم أنيس وشقيقه محمد أنيس والمفكر والناقد محمود أمين العالم والناقد غالي شكري والروائي يوسف ادريس وسواهم. في حين كان الكتاب السوريون في حركة دائمة بين البلدين، الروائي حنا مينه والشاعر شوقي بغدادي والقصاص سعيد حورانية والكاتبان الساخران حسيب ومواهب الكيالي والناقد السينمائي صلاح ذهني والكاتب اللامع إحسان سركيس وسواهم. لكنني لم أتمكن من اللقاء بهؤلاء جميعاً إلا في فترات مختلفة امتدت بين عام 1954 حتى أواخر الستينات. إذ كنت في حركة متواصلة من السفر والتنقل بين البلدان بحكم مهمتين متلاحقتين كلفت بهما في قيادة اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي في بودابست، وفي قيادة حركة السلم العالمية في فيينا.

في نهاية العام الجامعي الوحيد في حياتي الجامعية (1952-1953) الذي كان حافلاً بالحركة والحيوية، حصل تحول نوعي في وجهة سيري وتطوري على الصعيدين السياسي والاجتماعي وكذلك الفكري. إذ انتزعني الحزب من قلب الجامعة بعد أن كنت قد تسلمت مسؤولية طلابية حزبية عالية من موقعي كنائب رئيس لأول رابطة لطلاب الجامعة اللبنانية ليرسلني إلى بوخارست على رأس وفد من الشبيبة اللبنانية والسورية لحضور مؤتمر اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي وللمشاركة مع الوفد اللبناني-السوري في المهرجان العالمي للشباب والطلاب، حيث انتخبت في المؤتمر المذكور مندوباً عربياً في القيادة اليومية للاتحاد، منظم تلك المهرجانات وكان مقره في بودابست.

إلا أن ذلك التباعد في الأمكنة والأزمنة لم يباعد بيني وبين نزار مقدار ذرة. إذ كنا حين يتعذر اللقاء بيننا في الأمكنة نجد سبيلاً إلى اللقاء في المراسلة. وكنا حين نلتقي في منزل «أبي نزار» بعد غياب طويل أو قصير نستعيد ذكرياتنا الماضية، ونغذي معلومات كل منا بالجديد الذي كنا نراكمه في الثقافة وفي السياسة وفي شتى مجالات الحياة الإنسانية من خلال علاقاتنا المتنوعة فيها. ذلك أننا انتمينا في بيروت بعد عودتنا من العراق بزمن قصير إلى الحزب الشيوعي كل منا على طريقته. لذلك كانت تختلط في لقاءاتنا كل تلك الهموم كما أشرت، السياسية والثقافية والشخصية. وكان منزل «أبي نزار» يعج بالحركة كعادته في كل مكان واتجاه. وكان على الدوام ملتقى للمثقفين وللسياسيين وللأصدقاء من كل الأوساط، ولأفراد العائلة الكبار والصغار. وكان، إلى جانب كل ذلك، المكان الذي كانت تتحدد فيه المواعيد بين الكوادر الحزبية الطلابية والسياسية والثقافية. وكان في الوقت ذاته وخارج كل تلك اللقاءات ملتقى لجلسات السمر التي لم تعطلها كل الشواغل والمتاعب والمهمات السياسية والثقافية، عندي وعند نزار، وحتى عند «أبي نزار». وجلسات نزار ممتعة وغنية وساحرة. وكنا نخترع لكل جلسة من تلك الجلسات موضوعاً أو لعبة أو ميداناً للمباراة في الشعر أو النكتة أو لتقليد شخص من الحاضرين أو الغائبين في حركاته، وسوى ذلك من أشكال التسلية وأنواعها وأساليب ممارستها. وكان نزار يحب أن ينظم الشعر الساخر والكاريكاتوري في شكله ومضمونه بقصد الإمتاع والتسلية. وهو قد اشتهر في ذلك النوع من الشعر الذي كان صديقنا المشترك فيه المحامي ناجي بيضون ينافسه فيه حين يلتقيان في المكان الواحد أو المناسبة الواحدة أو حين كانا يفتعلان مثل ذلك اللقاء لذلك الغرض بالذات.

الصفحات