أنت هنا

قراءة كتاب الدائرة المربعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدائرة المربعة

الدائرة المربعة

كتاب " الدائرة المربعة " ، تأليف راتب الحوراني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

الجزء الأول

سميرة وروبير

ها هي الآن وإياه مستلقيان، على ظهريهما، على سريرها، في شقتها، بعد نزهة دارا خلالها حول حديقة اللوكسمبورغ ببواباتها المقفلة بعد الخامسة حسب الدوام الشتوي.

لم ينبس أي منهما ببنت شفة طيلة النزهة. حتى قبيل أن يصعدا الدرج كادا يفترقان. صحيح أنّ هذا الشجار ليس الأول من نوعه، ولكن في كل مرة يشعر كلاهما وكأنّه الأخير.

لكنها الآن إلى جانبه، جسدها يلامس جسده، لا يفصل بينهما إلّا ما تبقى من ثياب داخلية رقيقة، تحت غطاء واحد يتلذذان بدفئه بعد لسع نسمات الخريف في الخارج والرذاذ الخفيف الذي بث رطوبته الباردة في الأطراف كلها.

هي إلى يمينه وهو إلى يسارها، ينظران إلى السقف المدهون منذ يومين بالأبيض الناصع وما زالت فيه بقعة لم تتمكن من دهنها، ورائحة الدهان تستقبلك عند دخولك ولا تفارقك قبل أن تتأقلم معها.

ـ لماذا لم تدهني هذه البقعة؟

ـ أنتظرك حتى تمسك لي السلم. أخاف لوحدي، لأنّه غير ثابت.

ـ عندما تشائين، لا مانع!

ثم ساد الصمت من جديد.

يكاد يسمعها عبر هذا الصمت وهي تفكر:

«كعادته يغدق الوعود ولا يفي... إلّا نادراً».

تعرف أنه لا يحب القيام بمثل هذه الأعمال التي تعتبرها النساء عادة من اختصاص الرجال. أما هي فلا تقيم وزناً لهذه الأمور.

يرد عليها قبل أن تفصح عما يدور في خلدها:

ـ يكفي أن تحددي الوقت وأن نتفق على الموعد.

ـ طبعاً، طبعاً!

ما بين الجد والسخرية، تصدق ولا تصدق.

مد يده اليمنى من فوق الوسادة وراح يلاعب الليل في شعرها الذي لم يغزه البياض بعد. نعم، هذا لونه الطبيعي. إنّه متأكد من ذلك، فهي لا تستعين بأيّة صبغة. ولكنه عندما كان في مثل سنّها، لعشر خلت، كان بعض الشيب قد خط فوديه.

لم تنفر من يده التي تلامس خدّها وأذنها بحركة خجولة مترددة.

شجعه هذا الهدوء بعد العاصفة ليمضي قدماً إلى أبعد من ذلك. فمال نحوها منحنياً على جنبه الأيمن من دون أن يبعد يده عن رأسها.

«لماذا خرجت إلى النزهة معه وكنت أفضل البقاء في دفء شقتي في طقس كهذا غائم عالي الرطوبة منخفض الحرارة؟».

في الآونة الأخيرة تفاقم التوتر الذي يسود هذه العلاقة منذ بدايتها، منذ ما يقارب الخمس سنوات.

«ماذا قلت لها حتى انقلب مزاجها بهذه السرعة؟».

يطوفان حول الحديقة القفر، كل غارق في أفكاره الخاصة وذكرياته الماضية. ومن غريب المصادفة أو ربما من طبيعي الأمور أنهما يستعيدان ذكريات مشتركة في آن معاً ولا يعرف الواحد منهما أن الآخر يجول بفكره في هذه المنطقة المشتركة بينهما كما يجول جسداهما جنباً إلى جنب في حيزهما المعتاد هذا.

أحست بخطر ما يتهدد هذه العلاقة ولكنها لا تريد أن تخسره.

وهو بدوره يتعلق بها ويخشى أن يقوم بمبادرة قد تسيىء تفسيرها أو تجرح حساسيتها المرهفة.

الصفحات