كتاب " مشكلة الوعي ووعي المشكلة " ، تأليف د. مازن مرسول محمد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مشكلة الوعي ووعي المشكلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مشكلة الوعي ووعي المشكلة
مقدمة
لم يكن وعي الحياة الإنسانية والقدرة على تحديد مشكلاتها الكثيرة قاصراً على توافر عقل إنساني فحسب، وإنما درجة وعي ذلك العقل واستطاعته الفرز الدقيق لمعرفة توجه الحياة وإدراك تناقضاتها ومحاولة خط طريق مستقيم وواسع لها.
ومن المؤكد أنّ الإنسان عندما خُلق لم يكن مختلفاً عن غيره في التركيب الجسماني، إلا أنه يختلف عن بعضهِ الآخر في القدرة العقلانية القادرة على النظرة الدقيقة إلى أمور الحياة ومجرياتها.
فلم تمتلك المنظومة الحياتية وعياً متكاملاً قادراً على أن يضع الإنسان في أعلى درجات السلّم التقدمي الحياتي، ولكن وجدت منظومة وعي قادرة على أن تتلافى كثيراً من محبطات الحياة وانتكاساتها ومشكلاتها، وبالمقابل انعدام ذلك الوعي الجاد والوعي بأمورٍ تحط من الحياة الإنسانية وتقلل من شأنها.
ولما كان الإنسان ابن بيئته فقد عملت ظروف محيط ذلك الإنسان على تبلور صورة واقعية عن مدى تعبئته بوعي دقيق أو وعي زائف.
وما تناقضات الحياة منذ القدم وحتى اليوم، إلا اختلافات وتصادمات أوجدتها الطبيعة المختلفة لدرجة الوعي الإنساني.
فقد يكون الإنسان بوعيه قادراً على إدراك حياته جيداً من ناحية حدوده ومحيط ذاته وقدراته ومدى تلاؤمه مع محيطه ودرجة ما يكسبه منه وكيفية التناغم والتعامل مع بني الإنسان في المحيط وخارجه.
وقد يكون قادراً بوعيه غير الدقيق على إدراك حاله والوضع غير المناسب لأسس الحياة الإنسانية، فيمضي في سعيهِ لصب الحياة في قالب الوعي غير الناضج وفق ما تعرّض له من مثيرات ومحفّزات ساهمت في بلورة وعيهِ بهذه الصورة.
ولما كان الإنسان في بعضه قادراً بوعيه والآخر غير قادر، فله أن يدرك طبيعة المشكلات المحيطة به ذات التأثير الكبير على أسس حياته ومجتمعه، فيحاول تشخيصها وإيجاد الحلول لها، وربما محاولة القضاء عليها والحيلولة دون نشوئها مجددا ً، والطرف الآخر هو غير القادر على معرفة ووعي ما يحيط به من مشكلات أو النظر إليها على أنها لا تدخل في نطاق ما يعيق دينامية الحياة والمجتمع فلا يعدَّها مشكلة.
ومن هنا تبرز تناقضات أخرى بين من يعي واقع الحياة ومشكلاتها، ومن لا يعي بذلك وله كيانه الخاص والمؤثر في المجتمع.
لذا فالأمر مناط بالإنسان ذاته فهو من وضع نفسه في صور الحياة المتعددة هذه ببؤسها وترفها، فهو القادر على الاستمرار في تدني مستويات رفاهية الإنسان، وبالتالي وضع المجتمع على محك الانهيار والنزول إلى أدنى درجات النوع الإنساني، وهو نفسه بيده الخيار لرفع شأن الإنسان والصعود به نحو درجات الرقي والتطور المنشودة.
ولما كان المجتمع الإنساني يعيش هذه التناقضات، لذا لابدّ من وضع استراتيجيات واضحة تعدّل من المعيار الإنساني فيما يتعلق بمنظومة الوعي وإعدادها إعداداً قادراً على الإدراك الصحيح غير المتعثر في تمييز أمور الحياة وما يحيط بها وما يناسبها، وبالتالي تشخيص أسباب المشكلات ليس لعلاجها فحسب، وإنما للحيلولة دون إيجادها مرة أخرى بوعي أقرب إلى الحالة التكاملية.
وبما أنّ الإنسان متفاوت في القدرات العقلية فلا يمكن أن يتم ذلك بصورةٍ سهلة وبدون تقييد، لذا فالأمر بحاجة إلى جهودٍ كبيرة تتوقف على الذات نفسها في بادئ الأمر، من خلال وعي الإنسان لذاته أولاً ومعرفة حدوده، ثم الانتقال بذلك الوعي الذي يريد أن يشق طريقاً جديداً به نحو الإنسان الآخر في تعاملاته وطريقة عيشه معه واكتشاف ما يعيق حركة الإنسان المستقيمة من تناقضات وصراعات وحروب واقتتال، ومحاولة وعي أسباب نشأتها وليس معالجتها فحسب، على اعتبار أنّ ذلك لا يتم بعمل الإنسان وحده مالم تتكاتف كثير من العقول نحو هذا التوجه الواحد في المضمون، وهو توجيه الوعي الدقيق العقلاني نحو إعادة صياغة الحياة الإنسانية بشكلٍ أفضل بعيداً عن التناحرات والتصدعات التي أوجدها الإنسان ذاته لأخيه الإنسان.
ومن ذلك نرى الشعوب المتقدمة وسيرها الحثيث نحو البقاء في القمة من خلال وعي أنّ الحياة يجب أن ينظر إليها نظرة دقيقة، لغرض تلافي مزالقها وجني جميع ثمار وعيها بصورةٍ أفضل، وعلى العكس من ذلك لم تكن الشعوب المتأخرة سوى شعوب قد عانت وما زالت من قصورٍ في الوعي، الوعي بأمور الحياة وإدراك كنه الإنسان في تعاملاته ورغبته في الحياة بطريقةٍ قويمة وليست بمخالفة أسس التعايش الإنساني والذهاب إلى وجهةٍ لا تجني إلا التصدّعات ولا تزيد من وعيها إلا قصوراً وزيفاً وعدم الأهلية في ضمان حياة الإنسان.